قرآنيات

حديث السفينة ودلالاته القرانية (1)


إنَّ حديث السفينة من الأحاديث التي رويت بطرق كثيرة عن النبي ص ، وقد أخرجه الكثيرون من أئمة الحديث عند العامة والإمامية والزيدية، وهو من الشهرة بمكان لا يكاد ينكره مسلم منصف.
وقد اجتهد علماؤنا الأبرار رضوان الله عليهم في استقراء مصادره وتتبع رواته وتحقيق أسانيده، فلا مزيد على ما جاؤوا به في هذا المجال.
ولنا وقفة تنبيهية موجزة مع دلالاته على ضوء الكتاب الكريم.
إن هذا الحديث السفينة هو من الأحاديث التي تعتمد التمثيل لتقريب الحقيقة المراد إبلاغها للمخاطبين، وهو من الأساليب المعتمدة في النصوص الدينية جريا على ما عليه العقلاء في مقام التفهيم، أو التذكير وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون.
 ويعتمد المثال على وجه الشبه بين المثل والممثل له فلا يراد منه تنزيل الممثل له منزلة المثل من جميع الجهات، فقولك زيد كالأسد لحظت فيه جهة الشجاعة المشتركة بينهما دون سائر الجهات.
وفيما نحن فيه جعل أهل البيت عليهم السلام بمنزلة سفينة نوح على نبينا وآله وعليه السلام من جهة، لزوم النجاة لمن التحق بها.
لكن هذه الجهة تستلزم جملة من الخصائص التي تسهم في تحقق الصفة المذكورة؛ ومن ثَمَّ فوجه صفة الإنجاء لا تنفي وجوه الشبه الأخرى بل تستلزمها.
ثم إنَّ اختيار المثل في البيان لا يخلو من الإشارة لتطابق في المزايا تتعدى وجه الشبه لتصل إلى الخصائص الأخرى التي تلازم وجه الشبه، وحيث إنَّ مَثَلَ السفينة هو من الأمثلة القرآنية كان لا بد من تتبع المزايا التي أثبتها الكتاب الكريم لسفينة نوح عليه السلام.


صناعتها:
 قال تعالى: {واصنع الفلك بأعيننا ووحينا}.
إنّها صنيعة يد النبي بحفظ من الله وأمر منه تعالى، فلا يشوبها شائبة ولا يدنو منها شيطان ولا يخالطها خطل إنسان فهي نتاجٌ إلهي مبارك متين.
وتلك الحراسة، وهذه الصناعة هي من السنن الإلهية مع وسائله وسبله التي يختارها لنجاة عباده وفلاح خلقه، حيث لا يتأتى لها أن تنهض بمهمتها لولا ذلك، قال تعالى في شأن نبيه موسى على نبينا وآله وعليه السلام: ((ولتصنع على عيني))، وقال لنبيه المصطفى صلى الله عليه وآله: ((واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا)).
وهناك وجه لطيف للعدول من الإفراد إلى الجمع في العين نتركه إلى محله.
وإذا كانت صناعتها بأعين الله ووحيه على يد نبيه، فهي صنيعة الله بلا أدنى ريب وهذا هو عين ما نعتقده في أهل البيت، كما ورد في نهج البلاغة وتحف العقول في حديثين متعددين عن أمير المؤمنين عليه السلام:
((فإنّا صنائع ربِّنا والناس بعد صنائع لنا)). وما ورد في التوقيع الشريف عن الناحية المقدسة المروي في غيبة الطوسي:
((ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا)).


أوصافها:
1ـ ((الفلك المشحون))
أي أنَّها مجهّزةٌ قد فُرِغ منها..فهي في إتقانها وتجهيزاتها ومعداتها بلغت حدَّ الكمال، بحيث لاتفتقر لأيّ زيادة من أيّ أحد.
وهذا ما نعتقده في أهل بيت النبوة عليهم السلام، فهم ممتلكون لجميع معدّات الهداية والرشاد، بما لا مزيد عليه هادون لا يفتقرون لهداية أحد.
وهذه هي صفات الأحق بالإتباع، إذ ليس لمن يفتقر إلى غيره في مقام الهداية أن يكون هاديا.
قوله تعالى: ((أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)).
وقد جاء في وصفهم من آية النور ـ المشتملة على أبواب المعرفة ـ قوله تعالى: ((يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ)).
وههنا أسرار أعظم بها من أسرار انطوت عليها إشارات لطيفة تذهل الألباب.


2ـ ((بسم الله مجراها ومرساها))
مسيرها باسم الله وموقفها كذلك باسم الله، حركتها وسكناتها فلا تسير إلا باسمه ولا تتوقف إلا باسمه، إنه ارتباط مستمر بالله يعم جميع أحوالها منذ انطلاقها وحتى استقرارها وما بينهما ((تجري بأعيننا)).
وكذلك هي في حركتها وبلوغها أهدافها ومقاصدها مرتبطة بالله تعالى، وهذان معنيان متغايران فالمرسى كما يكون بمعنى التوقف بما يقابل الجريان كذلك يكون بمعنى المقصد.
هنا أيضا وقع التطابق بين السفينة وبينهم عليهم السلام، كما جاء في قوله صلى الله عليه وآله الذي رواه أئمة الحفاظ وأرباب المسانيد: ((علي مع الحق والحق يدور معه كيفما دار))، فالله هو الحق ، قوله تعالى: ((يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين))، ومنه الحق قوله تعالى: ((الحق من ربك فلا تكونن من الممترين)).
وقال صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين: ((لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض..)) والقرآن هو كتاب الله المهيمن على سائر كتبه تعالى.
وعليه؛ فمنطلقاتهم ومقاصدهم وسبلهم وأهدافهم وحركاتهم وسكناتهم، مرتبطة بالله ارتباطا لا يقبل الإنفكاك بسم الله مجراهم ومرساهم يجرون بأعينه.
وما كان كذلك لا يلهو ولا يسهو ولا يخطئ ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد