قرآنيات

حديث السفينة ودلالاته القرانية (2)


{ونجيناه وأهله من الكرب العظيم}
{ثم أغرقنا الآخرين}
وهى تجري بهم في موج كالجبال
فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا
فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين
وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم
فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون  ثم أغرقنا بعد الباقين
تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر - ولقد تركناها آية فهل من مدكر
تجري بأعيننا
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا
((وهى تجرى بهم في موج كالجبال))
إن السفن العادية وإن كانت معدة لخوض اللجج إلا أن لها فاعلية محدودة مهما كانت مواصفاته عالية، وصنعتها دقيقة، وها نحن في مستهل الألفية الثالثة ومع كل التطور التقني والتقدم التكنولوجي، ما زلنا نرى عجز تلك الوسائل أمام كثير من الظواهر لطبيعية.
وما انفكت البحار تأخذ سهمها من المراكب والسفن، وتلتهم روادها دون أن يحول بينها وبين بغيتها دقة الصنع ومتانة التركيب.
كانت سفينة نوح كغيرها من السفن إلى الأمس القريب ذات ألواح خشبية ودُسُر، تربط وتشد تلك الألواح بعضها ببعض، كانت بدائية بحسب الظاهر تتناسب مع عصرها، لكنَّ فاعليتها تفوق ـ بما لا يقاس ـ جميع المراكب المصممة في يومنا هذا حتى تلك الغواصات النووية لا تمتلك الصمود الذي كان لها.
إنها تسير بما فيها من حمل ثقيل من البشر وأزواج الكائنات الحيّة، في طوفان هائل لم تشهد البشرية نظيراً له على مر الدهور، فتسير آمنة بركّابها في موج لا يمكن وصفه إلا بالجبال بما فيه من ضخامة وعلو وعتوّ، حتى وصلت إلى مستقرها وأنجزت مهمتها.

وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ*قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ*
قد يقول قائلٌ بأنَّ حديث السفينة وإن كان يقضي بهلاك من تخلف عن أهل البيت عليهم السلام، لكنَّه جمعاً بينه وبين حديث: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم المروي عند العامة، يدل على أن المتمسك المقتدي بأي صحابي لا يعدّ متخلفاً هالكاً.
ونقول: مضافاً إلى عدم صحة الحديث الأخير سنداً ودلالة بشهادة العقل والنقل من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، فإنَّ الآية التي ذكرناها جاءت ـ بعد تطبيقها على حديث السفينة ـ لتنفي البديل عن أهل البيت عليهم السلام وتنصص على أنَّ أيَّ كيان آخر، أو شخصية أخرى، لا يجدي اللجوء إليها بتاتاً، سواء أكان ذلك الكيان، وتلك الشخصية، من أرحام النبي صلى الله عليه وآله، أو أزواجه، أو صحابته، فضلاً عن غيرهم، فهؤلاء جميعاً بمثابة جبالٍ يَتَوهَّمُ الـمُتَوَهّمُ أنَّها عاصمةٌ من الماء، ولا عاصم من أمر الله؛ فليس لمن تمسك بغيرهم استغناء عنهم في دينه ومعارفه وسلوكياته، إلا المصير الذي لاقى ابن نوح، فإنَّ أمواجَ الفتن ستحول بينه وبين نبي الله ليكون من المغرقين.      
 رسالة يحملها هذا المقطع القرآني: إن انحصار طريق النجاة بالسفينة في الآية الشريفة وتطبيقها على حديث السفينة، يفيد أنَّ كل سبيل وطريق يتصوره المرء كبديل لركوب السفينة والالتحاق بها لا يمكن أن يعصم المرء من الهلكة.
الجبل بعظمته كيانٌ لا يتصور المرء قصوره في حماية من يلوذ به من الغرق.
ومع ذلك فهو في هذه القضية لا يغني صاحبه؛ وعليه فمهما بلغت الكيانات الأخرى غير تلك السفينة المتمثلة بأهل البيت عليهم السلام من القداسة والعلم والمعرفة وغير ذلك، فإن الالتجاء إليها والتمسك بها لا ينجي المرء من الهلكة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد