مقالات

الأرض لا تخلو من حجّة


السيد محمد حسين الطهراني

إنّ الأرض‌ وجميع‌ الأفراد الذين‌ يعيشون‌ عليها لهم‌ إمام‌ في‌ كلّ زمان‌، ولا يمكن‌ أن‌ تخلو الأرض‌ عن‌ حجّة‌ الله‌ أبداً، وقد استفيد هذا الأمر من‌ آية‌: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـامِهِمْ)، لأن‌ الله‌ سبحانه‌ وتعالى‌ يدعو جميع‌ أفراد بني‌ آدم‌ إلى‌ الحشر يوم‌ القيامة‌ بإمامهم‌، فلا يوجد فردٌ من‌ البشر إلاّ وله‌ إمام‌، ولا يوجد فردٌ على‌ الأرض‌ بدون‌ إمام‌، كما أنّه‌ ورد في‌ روايات‌ كثيرة‌ أنّه‌ لو لم‌ْ يبقَ على‌ الأرض‌ إلاّ شخصان‌، لكان‌ أحدهما إماماً للآخر، ولو لم‌ْ يوجد إلاّ شخص‌ واحد لوجب‌ أن‌ْ يكون‌ هو الإمام‌ نفسه‌.

علم‌ الإمام‌ المحيط‌ بأعمال‌ الأمّة‌ وحاجة العباد:
إنّ الامام‌ يعلم‌ بجميع‌ أعمال‌ وأقوال‌ وسيرة‌ وملكات‌ عباد الله‌، وليس‌ هناك‌ علمٌ غائب‌ أو خافٍ عن‌ نظر الإمام‌، وقد بيّنت‌ الأبحاث‌ هذا المعنى في‌ هذا الأمر استناداً إلى‌ الآيات‌ القرآنيّة‌، لأنّ الإمام عليه السلام‌ له‌ سيطرة‌ على‌ نفوس‌ وملكوت‌ الموجودات‌، ومع‌ هذه‌ الملكة‌ فإنّ جميع‌ الأرواح‌ والنفوس‌ وروح‌ الأعمال‌ ستكون‌ في‌ مشهد الإمام‌ عليه السلام وفي‌ حضور الولاية‌، كما إنّ موجودات‌ عالم‌ الطبيعة‌ مشهودة‌ عند الشخص‌ البصير وغائبة‌ عند الأعمى.
وبالرغم‌ من‌ أنّ ملكوت‌ كثير من‌ الأعمال‌ والأقوال‌ والنفوس‌ سينكشف‌ لدى‌ الأفراد الذين‌ لم‌ يصلوا بعدُ إلى‌ مرحلة‌ الإمامة‌، وبالرغم‌ من‌ أنّ هذا المعنى سيتّضح‌ لديهم‌ أثر التقوى‌ والعبادة‌ ومخالفة‌ النفس‌ الأمّارة‌ ومجاهدتها، إلاّ أنّهم‌ لن‌ يمتلكوا السيطرة‌ الكليّة‌ على‌ جميع‌ الأرواح‌ والنفوس‌ أو هداية‌ كلّ منها إلى‌ كماله‌، كلاّ حسب‌ دوره‌ وبقدر ظرفيّته‌، لكنّ هذه‌ الدرجة‌ من‌ البصيرة‌ هي‌ بصيرة‌ القلب‌ التي‌ لا توجد لدى الآخرين‌، إلاّ أنّ‌ هذه‌ البصيرة‌ والرؤية‌ قويّة‌ ونافذة‌ لدى الإمام عليه السلام‌ بحيث‌ لا يخفى عنه‌ شي‌ء من‌ الملكوت‌ في‌ كلّ آن‌ وفي‌ أيّ مكان‌.
إنّ الإمام عليه السلام‌ يعلم‌ جميع‌ الأمور التي‌ يحتاجها العباد في‌ معاشهم‌ أو معادهم‌، فإنّ الإمام‌ يهدي‌ النفوس‌ إلى‌ الحقّ من‌ ملكوتها، ويوصلها إلى‌ كمالها، فكيف‌ يمكن‌ أن‌ْ يكون‌ جاهلاً بما يحتاجه‌ العباد في‌ أمور تكاملهم‌؟ وهذه‌ الخاصيّة‌ تتّضح‌ أيضاً من‌ الآية‌ القرآنية‌: (يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)، ومن‌ أفضليّة‌ مقام‌ الإمامة‌ على‌ النبوّة‌ حسب‌ مفاد خطاب‌ حضرة‌ الحقّ لإبراهيم‌ الخليل‌ عليه السلام.
وعلاوةً على‌ ذلك‌، فلأنّ‌ فعل‌ الإمام عليه السلام‌ وقوله‌ منطبق‌ على‌ الحقّ بتمام‌ معنى الكلمة‌، ولأنّ الإمام عليه السلام‌ قد خطا في‌ مقام‌ العبوديّة‌ والتقرّب‌ إلى‌ مرحلةٍ بعيدة‌، بحيث‌ أنّ الله‌ تعالى نفسه‌ سيكون‌ هو الآمر والناهي‌ في‌ وجوده‌، وسيكون‌ فعل‌ الإمام‌ هو عين‌ وحي‌ الله‌، فكما أنّ ما يحتاجه‌ العباد ليس‌ خافياً على‌ الله‌، فإنّه‌ لن‌ يكون‌ خافياً على‌ الإمام‌ الذي‌ هو المجلّي‌ الأتمّ والمجري‌ الكامل‌ لإفاضات‌ الحضرة‌ الأحديّة‌ إلى‌ الموجودات‌، وهذا الأمر ليس‌ خافياً على‌ الإمام‌، بل‌ إنّ علم‌ الإمام‌ هو عين‌ علم‌ الله‌ تعالى‌، وليس‌ هناك‌ أي‌ تفاوت‌ في‌ أصل‌ المعنى.

أفضليّة‌ الإمام‌ عليه السلام على‌ أفراد البشر في‌ الكمالات‌ النفسانيّة‌:
إنّ الإمام‌ عليه السلام هو أعلى‌ من‌ جميع‌ أفراد البشر من‌ حيث‌ الفضائل‌ النفسانيّة‌ والملكات‌ الإلهيّة‌، ومن‌ المستحيل‌ أن‌ْ يكون‌ هناك‌ شخص‌ أفضل‌ من‌ الإمام‌ في‌ محاسن‌ الأخلاق‌ والملكات‌ الإنسانيّة‌، لأنّه‌، وكما فرضنا _فإنّ الطريق‌ إلى‌ الله‌ عن‌ طريق‌ ملكات‌ وصفات‌ النفس_ ولأنّ الإمام عليه السلام‌ أعلى‌ وأرفع‌ من‌ سائر الأفراد في‌ هذه‌ المرحلة‌، لذا فإنّه‌ يهديهم‌ عن‌ طريق‌ الملكوت‌ إلى‌ الحقّ، وإذا ما وجد في‌ هذه‌ الحالة‌ شخصان‌ أحدهما يفوق‌ الآخر في‌ هذا المعنى، فإنّ الشخص‌ المتفوّق‌ سيكون‌ حتماً إماماً للآخر، لأنّ الذي‌ أفق‌ ملكوته‌ ونفسه‌ أنور وأكثر مضاءً وبصيرة‌ سيستطيع‌ أن‌ يدعو إلى‌ منزله‌ ومحلّه‌ الشخص‌ الآخر الذي‌ ليس‌ في‌ مستوى أفقه‌، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ فإنّه‌ سيكون‌ هو الإمام‌ عليه السلام، خلافاً للشخص‌ الضعيف‌ الذي‌ لن‌ يستطع‌ تحريك‌ القوي‌ أو تحمّل‌ ثقله‌.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد