قرآنيات

سورة سبأ (2)

 

الشيخ محمد جواد مغنية
1 (26): ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَ﴾: يوم القيامة ﴿ثُمَّ يَفْتَحُ﴾: يحكم ﴿بَيْنَنَا بِالْحَقِّ﴾: ويجزي كل عامل بعمله.
(27): ﴿قُلْ أَرُونِي﴾: الأنداد والأشباه والأضداد لله ﴿كَلَّ﴾: بل أنتم تجهلون وتفترون.
(28): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ﴾: يا محمد ﴿إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾: تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم بأساليب شتى، من ذلك: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا – 158 الأعراف... وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين – 107 الأنبياء) والسر أن الإسلام بعقيدته وشريعته يسع الإنسانية في كل زمان ومكان، لأنه يرفع من شأن الإنسان وكرامته وحريته، ويعتمد في أُصوله ومبادئه وأحكامه العقل والعدل، وكل منهما يأبى بطبعه التخصيص والتقييد بالأزمنة والأمكنة أو بأي شيء، وتقدمت الإشارة إلى ذلك في شتى المناسبات.
(29) – (30): ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ... ﴾: تقدم في يونس 48 وفي الأنبياء الآية 38 وفي النمل 71.

(31): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ﴾: لأنه جعل الآلهة إلهًا واحدًا، وفوق ذلك يهدد بالنشر والحشر ﴿وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾: من التوراة والإنجيل، فرد سبحانه مهددًا متوعدًا بقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ﴾: يوم القيامة في موقف الخزي والهوان والضنك والخذلان ﴿يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ﴾: أي يتداولون الكلام غدًا فيما بينهم، وأوضح سبحانه نوع الحوار بين المستضعفين والمستكبرين بقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾: أنتم أيها القادة الطغاة صددتمونا عن الإيمان برسل الله، وأفسدتمونا وضللتمونا.
(32): ﴿قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ﴾: دعوناكم إلى الشر، ودعاكم الرسل إلى الخير، فاستجبتم لدعوة الشر لأنكم من أهله ومعدنه.
(33): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾: مكر فاعل لفعل محذوف أي صدنا عن الحق مكركم بنا في الليل والنهار ﴿إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ﴾: وتمنوننا بالأباطيل والأكاذيب، وهكذا يجسم سبحانه أمام أعيننا: كيف يتعطف ويتعاضد الضال والمضل والفاسد والمفسد في دار الدنيا، ثم كيف يتباغضون ويتلاعنون في دار الحق ﴿ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُو﴾: وهكذا يعرض سبحانه في كتابه صورًا شاخصة مائلة لمصير الدعاة المضللين ومن يثق بهم، وعاقبة المتزعمين وأذنابهم الانتهازيين، عسى أن نتعظ ونعتبر.

(34): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ﴾: ليس المراد بالمترفين الأغنياء على وجه العموم، كيف ورسول الله (ص) تعوذ من الفقر وقال: كاد الفقر يكون كفرًا، اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا. المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف. وكان خليل الرحمن كثير المال حتى ضاقت بلدته بمواشيه، وإنما المراد بالمترفين المحتكرون لموارد العباد والمتحكمون بالأسواق والأسعار.
(35): ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾: هذا هو منطق المترفين المحتكرين: العيش الأكثر رفاهية، والمال الأكثر جمعًا وتراكمًا ولو عن طريق النهب والاغتصاب – هو مقياس الحق والعدل، بل ومرضاة الله أيضًا حيث يستحيل من حقه وعدله أن يعطيهم هذا الثراء في الحياة الدنيا ثم يعذبهم عليه في الآخرة! وجهلوا وتجاهلوا أن هذا الثراء من الحرام لا من الحلال، وأن الله سبحانه يحاسب عليه من أين أتى؟ وفيما أُنفق؟ إضافة إلى قوله تعالى: (إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا – 178 آل عمران... يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم – 35 التوبة).
(36): ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي... ﴾: تقدم في الآية 26 من الرعد وغيرها.

(37): ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم﴾: ولا شيء على الإطلاق يقربكم من الله إلا العمل الصالح النافع للفرد والجماعة، فهو وحده المقياس لمرضاة الله وجناته.
(38) – (39): ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾: تقدم في الآية 51 من الحج و 5 من السورة التي نحن بصددها ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾: ويضاعفه أيضًا بنص الآية 261 من البقرة: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء) وجربت بنفسي وقرأت وسمعت كثيرًا أن الصدقة دفعت أعظم البلايا والرزايا، وفي الحديث أن الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد السائل، وفي نهج البلاغة الصدقة دواء منجح.
(40): ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾: القصد من هذا السؤال مجرد تقريع المشركين وتوبيخهم، وتدل الآية أن بعض العرب كانوا يعبدون الملائكة.
(41) – (42): ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَ﴾: نحن عبادك، وأعداء لمن عبد سواك ﴿مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾: المراد بالجن هنا من زين الشرك والتعبد لغير الله. 

(43): ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا... ﴾: كان رسول الله (ص) إذا تلا القرآن على العتاة المعاندين يقولون للناس: إن دين الآباء والتعبد للأصنام هو الحق والصدق، والذي جاء به هذا الرسول سحر وزور، وما يدرينا أن محمدًا (ص) لو بعث في عصرنا الراهن لقالوا عنه مثل هذا القول وزيادة لأنه يرى ما لا يرى أهل الأرض في شرقها وغربها، ويشعر بغير ما يشعرون.
(44): ﴿وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ﴾: يا محمد ﴿مِن نَّذِيرٍ﴾: ما نزل عليهم وحي من السماء بدين الشرك ولا أمرهم رسول بذلك من قبل محمد (ص) والعقل الخالص يحكم بالتوحيد لا بالشرك، وإذن لا أساس لما هم عليه إلا الجهل بالجهل.
(45): ﴿وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾: ما بلغ الذين كذبوا محمدًا (ص) من المال والقوة معشار ما ملك الأولون، ومع هذا لما كذبوا رسل الله أخذهم سبحانه بالهلاك والدمار، فليتعظ بأخبارهم وما حل َّ بهم من كان له قلب وعقل، وتقدم في الآية 69 من التوبة.
(46): ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ﴾: أعظكم: أنصحكم، بواحدة: بخصلة واحدة وهي أن تقوموا: من القيام بالأمر مثل قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط – 135 النساء) مثنى: يسأل بعضكم بعضًا ويراجعه، فرادى: يرجع كل فرد منكم إلى عقله وضميره، والمعنى قل يا محمد للذين نعتوك بالجنون: ادرسوا وفكروا في أمري من البداية حتى النهاية مجتمعين ومنفردين، هل تجدون في حياتي كلها من قول أو فعل– ما يومئ من قريب أو بعيد إلى الجنون؟ هذا هو العدل ومنطق العقل، ومن كفر به وصدَّ عنه فهو المجنون. وأعجب ما قرأت من الافتراء على سيد البشر وخاتم الرسل ما جاء في مجالة عالم الفكر الكويتية ج8 عدد4 ص138، وهذا نصه بالحرف الواحد: (أكد الكثير من الكتَّاب – المسيحيين – أن محمدًا كان كردينالاً مسيحيًا طموحًا اخترع الإسلام نتيجة عجزه عن الوصول إلى كرسي البابوية)!.

(47): ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ... ﴾: تقدم في الآية 72 من يونس وغيرها.
(48): ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقّ﴾: يوحي به إلى رسله وأنبيائه.
(49): ﴿قُلْ جَاء الْحَقُّ﴾: أي دين الحق وهو الإسلام ﴿وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ﴾: أي دين الباطل وهو الكفر والشرك﴿وَمَا يُعِيدُ﴾: لا يتكلم بكلمة بادئة ولا عائدة، بل الشرك ذهب واضمحل.

(50): ﴿قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي﴾: ومن هذه الآية استوحى العالم المتخلق بأخلاق القرآن قوله حين يفتي بمسألة شرعية: إن يكن هذا صوابًا فمن الله وهدايته، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان.
(51): ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾: سترى بعينيك يا محمد كيف نأخذ بسهولة قادة البغي وعتاة الجبروت، إلى أخذ العذاب، ولا مفر لهم من نكاله وضراوته، والمكان القريب كناية عن أنهم في يد الله وقبضته.
(52): ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِه﴾: يقولون حين يرون الطامة الكبرى: آمنا بمحمد ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾: أي وكيف ينالون الإيمان وهم في الآخرة، والإيمان في الدنيا التي ذهبت كالأمس الدابر. 
(53): ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ﴾: يكفرون بالحق حيث يجب الإيمان به، ويؤمنون به ساعة الحساب عليه﴿وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ﴾: فيقولون: لا نشر وحشر ولا جنة ونار رجمًا بالغيب ﴿مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾: بحيث لا يصل السهم إلى هدفه ومرماه. 
(54): ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ﴾: اشتهوا وطلبوا المحال، وهو الخلاص من أليم العذاب تمامًا كالأمم الماضية آمنت وطلبت النجاة حين رأت المهلكات! ما كان أغناها عن الحالين لو آمنت بالتوحيد حين دعاها الرسل إليه وهي في الحياة الدنيا ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ﴾: حيث وضع في تصورهم أن الحياة الثانية محال، كيف وقد صار الإنسان ترابًا وهبابًا؟ وما أبعد هذا التصور من تصور الإمام (ع) حيث قال: عجبت ممن أنكر النشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى!.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة