قرآنيات

في رحاب سورة النصر

 

فضل السورة:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال من قرأ إذا جاء نصر الله والفتح في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه، وجاء يوم القيامة ومعه كتاب ينطق قد أخرجه الله من جوف قبره، فيه أمان من جسر جهنم ومن النار ومن زفير جهنم، فلا يمر على شيء يوم القيامة إلا بشره وأخبره بكل خير، حتى يدخل الجنة ويفتح له في الدنيا من أسباب الخير ما لم يتمن ولم يخطر على قلبه. 


(إذا جاء نصر الله والفتح)
هذا وعد من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله بفتح مكة. فالنصر هو الغلبة على العدو، وأمّا الفتح فهو زوال العدو.
فهو يقول له: يا محمد إنَّك لن تغلب المشركين فقط كما فعلت في بدر، بل ستزيل كيانهم.
وهو ما حدث فعلاً  مع فتحه لمكة وتحطيم أمير المؤمنين عليه السلام الأصنام الموجودة فيها.
وفي هذا تحطيم لرمز الشرك.


(ورأيتَ الناس يدخلون في دين الله أفواج)
مع حصول فتح مكة قالت العرب: أمَا إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم يدان (طاقة).  فصارت القبيلة تأتي بأسرها وتسلك سلماً دون قتال، بعد أن كان الأفراد يأتون ويسلمون واحداً واحداً واثنين اثنين.
فالله يخبر بما سينتج عن فتح مكة من إسلام الجزيرة العربية.
فدين الله هو الإسلام كما في قوله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام) .


(فسبِّح بحمد ربك واستغفره إنَّه كان توّابا)
الخطاب في الآية موجَّه للنبي صلى الله عليه وآله وللمسلمين كلٌّ بحسبه. فهو يقول للنبي صلى الله عليه وآله والمسلمين: هذا الفتح هو نعمة عظيمة يحق عليكم بها الشكر، فاشكروني بطاعتي والصلاة شكراً لي عليها، وتسبيحي (والتسبيح هو تنزيه الله عن كل صفات النقص) لأنني صدقتكم الوعد.
كما أنكم متعجبون لحصول هذا النصر الذي لم يخطر ببالكم ، والتعجب يقتضي التسبيح كما ورد في الدعاء (ولكل أعجوبة سبحان الله) .
ثم يوجِّه المسلمين أن شكر النعمة يقتضي منكم أن تستغفروني وتتوبوا من ذنوبكم وتتورَّعوا عن المعاصي. ولا تخافوا أن لا أقبل التوبة؛ فأنا التواب، أي كثير التوبةأتوب على مَن عصاني، ثم إذا عاد للمعصية ثم عاد وتاب فإني أعود فأتوب عليه وهكذا.
أمّا الأمر الموجَّه للنبي صلى الله عليه وآله في قوله {واستغفره} فهو مختلف. فهو يقول له: من مقتضيات شكري على نعمة الفتح، أن تستصغر كل ما عانيت من تعب وجهاد ومصاعب في سبيلي، وأن تستغفر لذنوب أمتك، فإنه لا قبول لاستغفارهم إلا باستغفارك لهم.
وشاهد ذلك في قوله تعالى:( ولَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).


ومع وجود هذا الدليل، وهذا التوجيه القرآني لاستغفار النبي صلى الله عليه وآله، لا تصل النوبة إلى حمل الاستغفار على معناه البدوي، والخوض في غمار التأويلات لتجنُّب منافاته للعصمة .
كما أنَّ في الآية الكريمة إشعارا خفيًّا للنبي صلى الله عليه وآله بدنوِّ أجله، فهو يقول له: عند حصول الفتح سبِّح بحمد ربك واستغفر لأمتك لأنك لاحق به عما قريب.
فعن ابن عباس قال: نزلت {إذا جاء نصر الله والفتح} دعا رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام فقال: قد نعيت إلي نفسي. فبكت فقال: لا تبكي فإنك أول أهلي لحاقا بي. فضحكت فرآها بعض أزواج النبي  فقلن :يا فاطمة رأيناك بكيت ثم ضحكت قالت: إنه أخبرني أنه قد نعيت إليه نفسه فبكيت فقال لي: لا تبكي فإنك أول أهلي لحاقاً بي فضحكت. 
وبعد نزول هذه السورة لم يُرَ النبي صلى الله عليه وآله مبتسماً قط.
وبالفعل فقد استشهد رسول الله  صلى الله عليه وآله بعد فتح مكة بسنتين وخمسة أشهر وثمانية أيام.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد