مقالات

الانتظار البناء


الشهيد مرتضى مطهري ..

الآيات الكريمة التي تشكل أرضية التفكير في ظهور المهدي المنتظر عليه السلام تتجه وتشير إلى أن ظهوره عليه السلام حلقة من حلقات النضال بين أهل الحق وأهل الباطل، وأن هذا النضال سيسفر عن انتصار قوى الحق.
وتتوقف مساهمة الفرد في تحقيق هذا الانتصار على انتمائه العملي إلى فريق أهل الحق.
وإنّ هذه الآيات التي تستند إليها الروايات في مسألة ظهور المهدي عليه السلام تشير إلى:
- أنّ المهدي عليه السلام تجسيد لآمال المؤمنين العاملين، ومظهر لحتمية انتصار فريقهم:
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).
- ظهور المهدي عليه السلام الموعود تحقيق لمنّة الله على المستضعفين ووسيلة لاستخلافهم في الأرض ووراثتهم لها.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).
- ظهور المهدي الموعود تحقيق لما وعد الله به المؤمنين والصالحين والمتقين في الكتب السماوية المقدسة:
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).
وثمة حديث معروف في هذا المجال يذكر أن المهدي عليه السلام (يملأ الله به الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا).
وهذا الحديث شاهد على الانتظار الإيجابي الحق في مسألة الظهور، لا على ادّعاء أرباب الانتظار المخرَّب أي الانتظار السلبي الباطل.
حيث يركز الحديث على مسألة الظلم، ويشير إلى وجود فئة ظالمة وفئة مظلومة، وأن المهدي عليه السلام يظهر لنصرة الفئة المظلومة التي تستحق الحماية.
ولو كان الحديث يقول إن المهدي عليه السلام (يملأ الله به الأرض إيمانًا وتوحيدًا وصلاحًا بعد ما ملئت ظلمًا وشركًا وفسادًا) لكان معنى ذلك أن نهضة المهدي الموعود تستهدف إنقاذ الحق المسحوق لا إنقاذ أنصار الحق، وإن كان هؤلاء الأنصار أقلية.
يروي الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إن ظهور المهدي عليه السلام لا يتحقق حتى يشقى من شقي ويسعد من سعد).
فالحديث عن الظهور يدور حول بلوغ كل شقي وكل سعيد مداه في العمل، ولا يدور حول بلوغ الأشقياء فقط منتهى درجتهم في الشقاوة.
وتتحدث الروايات الإسلامية عن نخبة من المؤمنين يلتحقون بالإمام فور ظهوره.
ومن الطبيعي أن هذه النخبة لا تظهر معلقة في الهواء، بل لابدّ من وجود أرضية صالحة تربّي هذه النخبة على الرغم من انتشار الظلم والفساد.
الروايات الإسلامية تتحدث أيضاً عن سلسلة من النهضات يقوم بها أنصار الحق قبل ظهور المهدي عليه السلام، منها نهضة اليماني، ومثل هذه النهضات لا يمكن أن تبتديء بساكن، ولا تظهر دون أرضية مسبقة.
وإنّ بعض الروايات تتحدث عن قيام دولة أهل الحق التي تستمر حتى ظهور المهدي عليه السلام، حتى أن بعض العلماء أحسنوا الظن بدولة بعض السلالات الحاكمة، فظنوا أنها الدولة التي ستحكم حتى ظهور المهدي عليه السلام.
وهذا الظن _وان كان ينطلق من سذاجة في فهم الوقائع السياسية والاجتماعية_ لكنّه يدل على استنباط هؤلاء العلماء من الروايات والأخبار المتعلقة بظهور المهدي ما يشير إلى أنّ الظهور لا يقترن بفناء الجناح المناصر للحق والعدل والإيمان، بل يقترن بانتصار جناح العدل والتقوى والصلاح على جناح الظلم والتحلل والفساد.
الآيات والروايات المرتبطة بظهور المهدي المنتظر عليه السلام تدل على أن ظهوره يشكل آخر حلقة من حلقات الصراع الطويل بين أنصار الحق وأنصار الباطل منذ بدء الخليقة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد

مواقيت الصلاة