المترجم: عدنان أحمد الحاجي

دراسة تستكشف كيف ينظر الناس إلى مقاومتهم للضغوط الاجتماعية، وجدت أن معظم الناس يعتقدون أن احتمال مخالفتهم للأوامر غير الأخلاقية أو غير القانونية الصادرة أكثر من احتمال أن يخالفها أي شخص عادي آخر. بيد أن الدراسة وجدت أيضًا أن الناس عادة ما يقلّلون من شأن تأثير الضغط الاجتماعي على سلوكياتهم الشخصية.

وجد الباحثون أن معظم الناس لا يعتقدون أن الميل إلى طاعة مثل هذه الأوامر ينطبق عليهم.

دراسة تعظيم تأثير الضغوط الاجتماعية قد تساعد الناس على التعامل بشكل أفضل مع سيناريوهات مثل هذه في الحياة الواقعية.

سواء أكانت شخصيتك من نوع الشخصية المتمردة (الشخصية المتمردة على القوانين والقواعد والتقاليد الاجتماعية، كما ورد في بعض التعاريف) أم لم تكن، فإن معظم الناس يتصورون أنهم أفضل في التغلّب على الضغط الاجتماعي الداعي لانتهاك مبادئهم الأخلاقية مما هو عليه حالهم في الواقع، وفقًا لدراسة جديدة.

وجد الباحثون أن معظم الناس يعتقدون أنهم أكثر احتمالًا من أي شخص آخر لمخالفة أوامر غير أخلاقية أو غير قانونية صادرة من شخصٍ ذي سلطة [الشخص الذي تكون سلطته الحقيقية أو الظاهرة على الآخرين مصدر إلهام أو تتطلب الخضوع لطاعته أو تقليده، بحسب التعريف].

 تكشف هذه الظاهرة، المسماة "التأثير الأفضل من المتوسط" [التأثير الأفضل من المتوسط (BTAE) هو ميل البعض إلى تصور قدراتهم وسماتهم الشخصية على أنها تفوق تلك التي لأقرانهم العاديين (1). كما تُعرف أيضًا بـ "وهم التفوق" (2)]، أن الناس يقاومون استدماج هذه القناعات إلى درجة تصبح جزءًا من معتقداتهم وإيمانهم (3) التي قد تضر بتصوراتهم أو إدراكاتهم الذاتية [الشخص غالبًا ما يستنتج حالته النفسية ومواقفه انطلاقًا من الملاحظات التي يسجلها على سلوكه]. في الحالات القصوى، قد يؤدي تجاهل خضوع البعض إلى الضغوط الاجتماعية إلى جعل الشخص عرضة لرغبات فاعلين خبيثين.

قال فيليب مازوكو Philip Mazzocco، المؤلف الرئيس للدراسة وأستاذ مشارك في علم النفس بجامعة ولاية أوهايو: "الضغوط الاجتماعية أقوى وأكثر تأثيرًا مما نتصوره". وأضاف: "إذا خضعتَ لتأثير هذه الضغوط، فقد ينتهي بك الأمر إلى الانخراط في سلوك يتعارض مع قيمك وأخلاقك".

بدأ البحث كمشروع صممه طلاب فيليب، واستندوا فيه إلى تجربة ميلغرام (4)، وهي دراسة أجريت في ستينيات القرن الماضي بهدف فهم العلاقة بين الطاعة والسلطة. في هذه التجارب، طلب أحد أصحاب السلطة من المشاركين توجيه ما يعتقده الطلاب أنها صدمات كهربائية مؤلمة، وفي بعض الأحيان مميتة، إلى شخص آخر.

وأفادت تجربة ميلغرام إلى أن الناس سيخضعون لصاحب السلطة حتى في حالة تعارضها مع قناعاتهم أو معتقداتهم.

نُشرت الدراسة الجديدة التي أجراها مازوكو وزملاؤه مؤخرًا في مجلة علم النفس المعاصر (5).

في هذه الدراسة، طلب فريق مازوكو من أكثر من 400 شاب قراءة روايات شخصية [حكايات المتكلم هي نمط من رواية القصص يسرد فيها الراوي الأحداث من وجهة نظره مستعملاً ضمير المتكلم المفرد أو الجمع، مثل أنا فعلت، أو نحن فعلنا (6)]. لدراسة الصدمة قبل أن يطلب منهم التنبؤ باستجاباتهم واستجابات شخص عادي. قبل هذه التنبؤات، قيل لنصفهم أن 65% من المشاركين في الدراسة الأصلية أظهروا "طاعة كاملة"، بينما لم يُقدم للنصف الآخر أي معلومات أخرى بخصوص نتائج الدراسة الأصلية.

سُئل المشاركون عن مستوى الڤولتية (الجهد الكهربائي) الذي يعتقدون أنهم سيتحملونه قبل أن يقرروا ترك مشاركتهم في الدراسة. اختيار المشاركين لمستوى الجهد الكهربائي على مقياس يتراوح من 1 (يعني ترك الدراسة بعد إعطاء الصدمة الأولى) إلى 31 (إظهار تحمل كامل طوال التجربة). في المتوسط، ظن المشاركون أنهم سيتركون مشاركتهم في الدراسة عند حوالي المستوى السابع. في المقابل، تفاجأ المشاركون بأن الشخص العادي لن يوقف مشاركته في الدراسة إلّا عند بلوغ المستوى 12 تقريبًا. أولئك الذين أُبلغوا بنتائج دراسة ميلغرام - أن 65٪ من المشاركين الأصليين استمروا حتى المستوى النهائي من الجهد الكهربائي - توقعوا أن الشخص العادي سيتحمل جهدًا أعلى بكثير من أولئك الذين لم يُخبروا. لكن أولئك الذين أُبلغوا لم يعتقدوا أنهم سيتحملون صدمات كهربائية أعلى بكثير من أولئك الذين لم يُخبروا بالنتائج. كان هذا مؤشرًا آخر على التأثير الأفضل من المتوسط (وهم التفوق).

كانت هذه النتائج متطابقة تقريبًا مع مستويات الطاعة التي أوردتها دراسات سابقة، وتتوافق تمامًا مع نظرية الفريق القائلة بأن معظم الناس سيقللون من احتمالية طاعتهم في سيناريو ميلغرام الكلاسيكي. يشير هذا إلى أنه في غياب ضغوط امتثال حقيقية [امتثال يعني الالتزام بالقوانين والقواعد]، فإن مجرد تصور نفسك في موقف ما قد يدفع شخص ما إلى التقليل من شأن تأثيره عليه.

قال مازوكو: "مجرد القراءة عن موقف لا يكفي، لأن ذلك لا يستدمج تمامًا حقيقة أننا جميعًا معرضون لهذه الضغوط بحيث يجعلها جزءًا من قناعاتنا ومعتقداتنا". كما شبهت الدراسة الفرق الملحوظ بين الطاعة المتوقعة والفعلية عند مشاهدة فيلم مرعب من مكان أمن في البيت، مقابل اليقين بالتعرض للملاحقة من قِبل أحد الأشخاص.

من الجدير بالذكر أنه بالرغم من أن 65.2% من المشاركين لم يسمعوا بتجربة ميلغرام، إلا أن الباحثين وجدوا أن المعرفة المسبقة بتجربة ميلغرام لم تُغير نظرة الناس لاحتمالية مشاركتهم في التجربة. وأخيرًا، أُجريت اختبارات أنماط الشخصية واختبارات القيم الشخصية (7) على المشاركين لمعرفة دور السمات الشخصية في أحداث الحياة الواقعية. وكانت السّمة الشخصية: الضمير الحي (8) - وهو أحد المؤشرات المهمة على الطاعة الفعلية في سيناريو مشابه لتجربة ميلغرام - تعتبر هي السمة الشخصية التي تتمثل في تحمل المسؤولية والالتزام بالقواعد والأعراف. وكان أولئك الذين وُصفوا بهذه السّمة أكثر ميلًا إلى استرضاء من يقوم بعمل التجربة.

لكن بغض النظر عن سمات الشخصية الفردية، لا يُمكن أن يكون كل إنسان استثناءً من القاعدة، كما قال مازوكو. وأضاف: "دراسات كهذه ذات صلة بالمجتمع، لأنه لو افترضنا جميعًا أننا نقاوم بشدة طاعة من يصدر لنا أمرًا، فلن نستطيع تحصين أنفسنا ضد المتسلطين الذين يريدون استغلالنا".

تتضمن أساليب التحصين هذه تعلم تجنب المواقف والحالات التي يمكن التعرض فيها لضغوط اجتماعية شديدة، أو وضع استراتيجية للتعامل مع الموقف السلبي المحتمل أو الفرار منه.

ومع ذلك، يعترف مازوكو بأن النأي بالنفس ليس ممكنًا دائمًا، ويوصي الناس على تطوير وتنمية مهارة الفضول لتساعدهم على البقاء مخلصين لقيمهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/31789535/

2- https://ar.wikipedia.org/wiki/وهم_التفوق

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/استبطان_(علم_الاجتماع)

4- https://www.nytimes.com/1974/01/13/archives/obedience-to-authority-an-experimental-view.html

5- https://link.springer.com/article/10.1007/s12144-025-07962-1

6- https://ar.wikipedia.org/wiki/حكاية_المتكلم

7- “القيم ببساطة هي أمورٌ لها أهمية خاصة بالنسبة لنا. على سبيل المثال: العائلة، والصحة، والأمن، والحرية، والثقة. يمكننا القول إنها جوهر حياتنا. في حاضرة دائمًا في وجودنا، وإن لم نكن مدركين لها دائمًا. لقد أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم، وهي التي تُشكلنا هويتنا كبشر، وتُحدد نظرة الآخرين إلينا. كما أنها الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في الحياة. وهي الدافع لنا للعمل، كما أنها عبارة عن منارات في الطريق تهدينا إلى الجهة التي ينبغي التوجه لها في مسيرة الحياة". ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان: 

https://personalvalu.es

8- https://ar.wikipedia.org/wiki/ضمير_حي

المصدر الرئيس

https://news.osu.edu/why-resisting-social-pressure-is-harder-than-you-think/