الشيخ أكرم بركات

ذكرت الروايات احتواء المصحف على ما يلي:

1 - مقام النبي الأعظم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم

فقد ورد في صحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السّلام: «أن فاطمة مكثت بعد رسول اللّه خمسة وسبعين يومًا وكان دخلها حزن شديد على أبيها وكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه... وكان عليّ يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة» «1».

2 - مستقبل ذرية الزهراء عليها السّلام

فقد ورد في نفس الصحيحة السابقة بعد قوله «ومكانه»: «...ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها».

3 - علم الحوادث

فقد ورد عن الصادق عليه السّلام قوله: «وأما مصحف فاطمة ففيه ما يكون من حادث» «2»، وفي رواية حمّاد بن عثمان عن الإمام الصادق عليه السّلام وهو يتحدث عن محتوى المصحف: «...أما أنه ليس فيه الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون» «3».

وقد استند الأئمة عليهم السّلام إلى علم الحوادث هذا في بعض إخباراتهم التي أسندوها إلى مصحف فاطمة عليها السّلام من قبيل قول الصادق عليه السّلام في رواية حمّاد السابقة: «تظهر الزنادقة في سنة ثمان وعشرين ومائة، وذلك إني نظرت في مصحف فاطمة...».

4 - أسماء الأنبياء والأوصياء

فقد ورد عن الإمام عليه السّلام أنه قال: «ما من نبي ولا وصي... إلا وهو في كتاب عندي - يعني مصحف فاطمة...» «4».

5 - أسماء الملوك وآبائهم

ففي الرواية السابقة عن الصادق عليه السّلام: «وأما مصحف فاطمة، ففيه ما يكون من حادث، وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة» «5».

وفي رواية فضيل بن سكرة ورد نفس المضمون لكن بعنوان كتاب فاطمة ففيها أنه قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال عليه السّلام: «يا فضيل أتدري في أي شيء كنت أنظر قبيل، قال: قلت: لا. قال عليه السّلام: كنت أنظر في كتاب فاطمة: ليس من ملك يملك [الأرض] إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئًا» «6».

6 - وصية فاطمة عليها السّلام

فقد ورد عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «وليخرجوا مصحف فاطمة، فإن فيه وصيّة فاطمة» «7».

والظاهر أن وصية فاطمة... تحتوي على وصية كانت تتعلق بالبساتين السبعة التي كانت وقفًا على الزهراء عليها السّلام، ووصية سياسية تتعلق بموقف الزهراء تجاه من ظلمها، فقد أوصت أن لا يحضر جنازتها أولئك الظالمون، ليكون ذلك علامة على ظلمهم لها وغضبها عليهم اللذين يستوجبان باتفاق المسلمين غضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأذيته، وبالتالي غضب اللّه سبحانه وتعالى. وفي ذلك روايات كثيرة ملأت كتب السنّة والشيعة، منها ما رواه البخاري في صحيحه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها أغضبني» «8» وما رواه مسلم في صحيحه والترمذي في سننه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال وهو على المنبر: «فإنما ابنتي بضعة مني، يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» «9».

ولعله لأجل وصية فاطمة السياسية هذه وما تعنيه شدّد الأئمة عليهم السّلام على وجود وصيتها في مصحف فاطمة عليها السّلام.....

يبقى أن نذكر رواية الطبري حول هذا المصحف وما يحتوي... وإليك نص الرواية: فقد روى الطبري بسنده المتصل إلى أبي بصير قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن مصحف فاطمة فقال: أنزل عليها بعد موت أبيها، قلت: ففيه شيء من القرآن؟ قال عليه السّلام، ما فيه شيء من القرآن قلت: فصفه لي. قال عليه السّلام: له دفتان من زبرجدين على طول الورق وعرض حمراوين، قلت: جعلت فداك، فصف لي ورقه، قال عليه السّلام: ورقه من درّ أبيض قيل له كن فكان، قلت: جعلت فداك فما فيه؟

قال عليه السّلام وفيه خبر ما كان وخبر ما يكون إلى يوم القيامة، وفيه خبر سماء سماء، وعدد ما في السماوات من الملائكة وغير ذلك، وعدد كل من خلق اللّه مرسلًا وغير مرس ، وأسماؤهم وأسماء من أرسل إليهم، وأسماء من كذب ومن أجاب وأسماء جميع من خلق اللّه من المؤمنين والكافرين من الأولين والآخرين، وأسماء البلدان، وصفة كل بلد في شرق الأرض وغربها، وعدد ما فيها من المؤمنين، وعدد ما فيها من الكافرين، وصفة كل من كذب، وصفة القرون الأولى وقصصهم، ومن ولي من الطواغيت، ومدّة ملكهم وعددهم، وأسماء الأئمة وصفتهم، وما يملك كل واحد واحد، وصفة كبرائهم، وجميع من تردد في الأدوار، قلت: جعلت فداك وكم الأدوار؟ قال عليه السّلام: خمسون ألف عام، وهي سبعة أدوار فيه أسماء جميع ما خلق اللّه وآجالهم، وصفة أهله الجنة، وعدد من يدخلها وعدد من يدخل النار، وأسماء هؤلاء وهؤلاء، وفيه علم القرآن كما أنزل، وعلم التوراة كما أنزلت، وعلم الإنجيل كما أنزل، وعلم الزبور، وعدد كل شجرة ومدرة في جميع البلاد.

قال أبو جعفر عليه السّلام ولما أراد اللّه تعالى أن ينزل عليها جبرئيل وميكائيل وإسرافيل أن يحملوه فينزل به عليها، وذلك في ليلة الجمعة من الثلث الثاني من الليل، فهبطوا به وهي قائمة تصلي، فما زالوا قيامًا حتى قعدت، ولما فرغت من صلاتها سلّموا عليها وقالوا: السلام يقرئك السلام، ووضعوا المصحف في حجرها، فقالت: للّه السلام ومنه السلام وإليه السلام، وعليكم يا رسل اللّه السلام، ثم عرجوا إلى السماء فما زالت من بعد بعد صلاة الفجر إلى زوال الشمس تقرؤه حتى أتت على آخره، ولقد كانت عليها السّلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق اللّه من الجن الإنس والطير والوحش والأنبياء والملائكة، قلت جعلت فداك، فلمن صار ذلك المصحف بعد مضيّها؟ قال: دفعته إلى أمير المؤمنين، فلما مضى صار إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم عند أهله حتى يدفعوه إلى صاحب هذا الأمر، فقلت: إن هذا العلم كثير. قال: يا أبا محمد، إن هذا الذي وصفته لك لفي ورقتين من أوله، وما وصفت لك بعد ما في الورقة الثانية، ولا تكلمت بحرف منه» «10».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكليني، أصول الكافي ج 1 ص 241 حديث 5. الصفار، بصائر الدرجات ص 153 - 154 حديث 6. المجلسي، بحار الأنوار، ج 26 ص 41 حديث 72 وج 22 ص 545 - 546 حديث 63 وج 43 ص 79 حديث 67 وص 194 - 195 حديث 22. ابن شهرآشوب، المناقب ج 3 ص 337 (أورده مختصرًا).

(2) المجلسي، بحار الأنوار، ج 26 ص 18 حديث 1. ابن الفتال النيسابوري (ت 508 ه)، روضة الواعظين، منشورات الشريف الرضي، قم ج 1 ص 211.

(3) الكليني، أصول الكافي ج 1 ص 240 حديث 2. الصفار، بصائر الدرجات ص 157 حديث 18. المجلسي، بحار الأنوار، ج 26 ص 44 وج 22 ص 545 حديث 62 وج 43 ص 80 حديث 68. الكاشاني، الوافي ج 2 ص 580 - 581.

(4) المجلسي، بحار الأنوار ج 47 ص 32.

(5) المجلسي، بحار الأنوار ج 26 ص 18 حديث 1. ابن الفتال النيسابوري، روضة الواعظين ج 1 ص 211.

(6) الكليني، أصول الكافي ج 1 ص 242 حديث 8. الصدوق، علل الشرائع، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف، 1385 ه، ص 207 حديث 7. الكاشاني، الوافي ج 2 ص 584. ابن بابويه، الإمامة والتبصرة من الحيرة ص 50 حديث 24. الجلالي، تدوين السنة النبوية ص 77.

(7) الكليني، أصول الكافي ج 1 ص 241 حديث 4. الصفار، بصائر الدرجات ص 157 حديث 16. الكاشاني، الوافي ج 2 ص 583. بركات، حقيقة الجفر ص 226.

(8) صحيح البخاري، تحقيق ابن باز منشورات دار الفكر ج 4 ص 252 حديث 3714.

(9) صحيح مسلم، منشورات دار الفكر، بيروت 1412 ه ج 2 ص 466 حديث 2449. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) تحقيق الحوت، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت 1408 ه ج 5 ص 655 حديث 3867. المزّي، تهذيب الكمال، تحقيق معروف، منشورات مؤسسة الرسالة بيروت، ج 35 ص 250.

(10) الطبري، دلائل الإمامة ص 29 - 30. وقد ذكره السيد حسين شيخ الإسلامي في كتابه مسند فاطمة الزهراء ص 199 - 200.