مقالات

أسلوب ‌‌‌‌الدَّعوة‌ إلى الإسلام


الشيخ عبد الهادي الفضلي ..
من الأسئلة التي تثار کثيرًا:
ما هو أسلوب الدَّعوة إلى الإسلام؟ و‌هل‌ هو خاصّ لا يُحاد عنه؟
وفي ضوء ما يُفاد من آي القرآن الکريم، أودّ أن‌ أستعرض الموضوع بشي‌ء‌ من الإيجاز:
في القرآن کثير من الآي الکريمة تحثّ على الدَّعوة إلى الإسلام، وتحرِّض على‌ الجهاد في سبيل الدَّعوة‌ إليه، و‌تؤکِّد على النضال من أجل الحق، وکلّه لتبقى‌ للإنسان قيمته العليا، وليُحتفظ له بکرامته السامية.
تحثّ على الدَّعوة إلى الإسلام، وتؤکِّد على‌ الکفاح في سبيله. کلّ أولئك لأنَّ الإسلام ـ في الواقع ـ هو المبدأ الأفضل في سموّ العقيدة، و‌في حکمة النِّظام‌ وروعته، لأنَّه وضع ملائمًا في عقيدته للفطرة، وشرع‌ موائمًا في نظامه للطبيعة، فاحتفظ للإنسان بقيمته المثلي، وقدَّر له کرامته السامية، فوهبه العزة، وأعطاه الرفعة، وأيَّده بالمنعة، ووعده بالنَّصر مادام يرعى إنسانيته في‌ إطارها‌ اللائق، و‌يلاحظ کرامته في سموها الرفيع، ويعني‌ بعظمة الدِّين لتسمو بذلك حياته في الدنيا والآخرة.
في سموّ العقيدة التي علم مُبدئها ـ عزَّ وجلّ ـ دخائل القلوب وخفايا النفوس، وأعماق الضمائر ودقائق‌ الفطرة، فجائت وفقًا لها، و‌بما يرفع منها إلى الکمال المنشود.
وفي حکمة النِّظام الذي علم مشرِّعه ـ تعالى وتقدَّس ـ غرائز الفرد، وعلائق الأسرة، وروابط المجتمع، وصلات الکائن، فکان خير موازن بينها وأفضل معادل.
وقبل هذا في نظرة‌ التَّشريع، الوجهة‌ التي رأت‌ الإنسان جزءًا من الأسرة فالمجتمع فالکون.. والتي‌ نظرت إلى الکون بجميع عناصره، وبکلّ أجزائه وشؤونه، ذا صلة وثيقة بالخالق المدير العظيم، فوضع الدِّين على ضوء هذه النظرة الصائبة، وعلى أسـاس هذه الوَحدة‌ المتماسکة القوية.
فالدعوة إلى الإسلام هي في واقعها الدَّعوة‌ إلى الاحتفاظ‌ بالإنسانية‌ العالمية، وإلى الانضواء تحت مبدأ حر يعرف قيمة الإنسان وکرامته، لنفوز بالحرِّية والسعادة حين نتَّبع تعاليمه ونسير على هديه.
أمامك المبادئ ودونك الأنظمة، فجرِّد‌ نفسك من‌ نصابها الحضاري، ومن رواسب العقيدة ونوازع‌ العاطفة، وقارن‌ بينها‌ مقارنة موضوعية، واعـدل في ذلك، ثم احکم بما توصلَّت إليه من النتيجة، وليکن مقياسك في‌ المقارنة، وأساسك في الدِّراسة الاعتراف بالإنسانية والمحافظة‌ عليها، ستکون‌ الحصيلة ـ فيما‌ أتيقَّن ـ أنَّ‌ خير مبدأ هو الإسلام، والإسلام فقط.
ولتکن هذه هي نقطة‌ الانطلاق في الدَّعوة إلى الإسلام من جديد، والمنهج الذي يسار عليه في البحث‌ والدِّراسة المقارنة.
والآي الکريمة هي أمثال‌ قوله‌ تعالى:
﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾([1])، ﴿وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾([2])، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾([3])، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾([4]).
تأمر هذه الآي العزيزة بالدَّعوة إلى الله، إلى الإسلام، وبالجهاد في سبيل الله، في سبيل الإسلام، حق‌ّ جهاده، وترشد‌ إلى ذلك بصيغة عامَّة، وبلهجة فنّية، لم‌ تُعيِّن أسلوبًا واحدًا، ولم تحدِّد طريقة خاصَّة، ولم تـفرض‌ مسلکًا‌ معيَّنًا‌ في‌ الوصول إلى الغاية.
والذي يُستفاد من هذه العبائر المشرقة ومن أمثالها: هو وجوب الدَّعوة‌ إلى الإسلام، والإلزام بالعمل من‌ أجل ذلك دائمًا، وببذل أقصى درجات الجهد، وأبلغ‌ حدود الطاقة فکرية‌ وعملية في‌ اتِّخاذ أکثر الطرق نجاحًا، وأوصل الأسـاليب إلى تحقيق الهدف، شريطة أن لا تتنافى مع سائر الأحکام الإسلامية‌ الثَّابتة ـ
ووضع هذه القاعدة الشرعية العامّة بهذا‌ الشکل‌ العام، و‌بهذه‌ اللَّفته الرائعة المطلقة والمجرَّدة عن أيّ تفصيل‌ وعن تعيين أيّ أسلوب أو أيَّة طـريقة، فلأجل‌ أن‌ تکون‌ ‌ قاعدة عامَّة، تنطبق على کلّ زمان ومکان، فتواکب‌ الأجيال وتساير العصور؛ لأنَّ تحديد الأسلوب‌ وتعيين‌ الوسيلة مما تفرضهما في الواقع طبيعة ومقتضيات الظروف‌ الزَّمنية للدَّعوة أيّ دعوة.
وربما يقال: إنَّ سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) في‌ الدَّعوة قد‌ أملت ذلك وفرضته، فعلينا أن نلتزم وجوبًا أُسلوبها الخاصّ.. ربما يقال هذا: غير أنَّ سيرة‌ الرسول(صلى الله عليه وآله) في‌ الدَّعوة على ضوء الحُکم المستفاد من تلکم‌ الآيات‌ المبارکة ليست‌ سـوى مَثل أعلى لامتثال الحکم الشَّرعي في‌ أسلوب‌ الدَّعوة، و‌ليست حکمًا إلزاميًّا لا يُحاد عنه؛ لأنَّ العمل‌ وَحده لا يدلّ على الوجوب، وإنَّما‌ يعيّنه‌ متى اقترن بنصٍّ‌ لفظيّ يدلّ عليه.
إلاَّ أنَّ‌ السِّيرة النبويِّة‌ المقدَّسة‌ لابدّ‌ أن تُؤخذ کطريقة مثلي لامتثال ذلك الحکم‌ العامّ.
وعلى ضوء هذا الاستنتاج: فالقاعدة ـ إذن ـ تبقى هي القاعدة الأوَّلية.
وربما يقال لأسباب قد لا‌ تکون‌ مبرّرة أمام الواقـع‌ المعاش: علينا أن نحافظ على‌ أُسلوبنا القديم الذي درجت‌ عليه‌ الآباء‌ والأسلاف، ولابدَّ منه.
ولکن‌ من‌ أين تحتَّمت هذه اللاّبدّية؟ ومَن‌ الذي قرَّرها؟ هل هناك شي‌ء وراء طبيعة الظروف؟!
إنَّ طبيعة الظروف‌ الراهنة‌ تحتِّم علينا ـ نحن‌ المسلمين وخاصّة الدّعاة‌ منَّا ـ اقتحام‌ کلّ‌ مجال، واتّخاذ أيّ‌ أسلوب‌ يرتضيهما‌ الإسلام، واستثمار کلّ‌ مناسبة‌ معطاء، وعدم‌ الجمود على الأساليب التَّقليدية التي أثبتت التَّجارب فشلها، وربما جئت عليها مرَّة أخرى مستعرضًا‌ بعضها بالتَّفصيل.


الهوامش:
([1]) النحل: 125.
([2]) الحج: 67.
([3]) المائد: 35.
([4]) الحج: 78.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد