من التاريخ

آل صوحان


صعصعة بن صوحان، من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام. أطلق عليه الإمام عليه السلام لقب "الخطيب الشحشح"؛ أي الغيور والشجاع. وكان أيضاً اللسان الصادح بالحقّ، فأثنى أمير المؤمنين عليه السلام على فصاحة لسانه، وهذا أيضاً ما اشتُهر به آل صوحان، الذين سنفرد هذا المقال لهم فيما نوسع الكلام في العدد القادم عن "صعصعة بن صوحان".


*خطباء فصحاء
آل صوحان، سليلو أقوام كرام خطباء فصحاء. كانوا سادة التابعين وقادة في الميادين، خفيفي المؤونة كثيري المعونة، أمام إمامهم صغاراً، وأمام أعدائهم كباراً، يجرأون ولا يجبنون، حملوا بصائرهم على أسيافهم، ودانوا لربّهم بأمر عظيم لا يخافون في الله لومة لائم. عاشوا أعزّاء وقضَوا شهداء، أولئك: صعصعة وزيد وسيحان، أبناء صوحان العبدي. والحديث عنهم إنّما هو حديث عن مدرسة الجرأة والإقدام والبصيرة والولاء. وإليكم قطرات ندى لبلّ الصدى.


*نسبهم
هم أبناء صوحان بن حجر بن الحارث بن عبد القيس الربعي العبدي. وعبد القيس قبيلة من ربيعة. وكانت ربيعة من أخلص الناس في ولائها لأمير المؤمنين عليه السلام، يدلّ على ذلك قوله عليه السلام يوم الجمل:
يا لهف ما نفسي على ربيعة  ربيـعــــة السامـعــة المـطيـــعة(1)


*آل صوحان من الصحابة أم التابعين؟
إنّ أقوال العلماء مختلفة حول معاصرة آل صوحان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعدمها، وهل هم من الصحابة أم من التابعين.
نعم، من الأمور الثابتة أنّهم لم يرووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواية واحدة، ولم يُنقل عن أحد منهم أنّه قد تشرّف برؤية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن من الثوابت مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لزيد حينما وفد عليه جماعة من قبيلته قبيلة عبد القيس. وبالطبع لا يدلّ المدح على المعاصرة، لأنّ ذلك ربما كان من الأخبار الغيبية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذا فمن اعتمد على هذا الدليل لإثبات أنّهم من الصحابة لم يُصِبِ الواقع. والأصحّ أنّ آل صوحان من الصحابة بمعنى معاصرتهم زمنياً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى ولو لم يرَوه، ولهم نظائر كأويس القرنيّ، على سبيل المثال، فكان من الصحابة، ولكن لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يروِ عنه.


*آل صوحان مخاريق الكلام
سأل معاوية ذات يوم عقيلاً أن يحدّثه عن آل صوحان فوصفهم بقوله: إنّهم مخاريق الكلام. وقد مدح عقيل بني صوحان بقول الشاعر:
إذا نزل العدوّ فإنّ عندي  أسوداً تخْلس الأسْد النفوسا(2)
يعتبر هذا البيت -بيت آل صوحان- من البيوت التي أكرمها الله تعالى بالجهاد في سبيله، لأن أفراده تحمّلوا أنواع العذاب وألواناً من المحاربة والجفاء، فهم إمّا مجاهد في سبيل الله بيده ونفسه، وإمّا بلسانه، ومنهم من حمل جراحاته لسنوات طوال ثم استشهد كزيد، وإمّا شهيد كسيحان، ومنهم من أضاف إلى جهاده تحمّل مرارة النفي وصبر البعد عن الوطن كما حصل لصعصعة، إذ نفي ثلاث مرات كما أشار إليه بعض المؤرخين، ومات مهاجراً.
هذه نقاط تتحدّث عن آل صوحان بصورة عامة. وأمّا الحديث تفصيلاً فسيأتي ضمن حلقات إن شاء الله. ولنبدأ بالحديث أولاً عن "سيحان" بشكل موجز:


*سيحان بن صوحان قائد وشهيد بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام
لم يرد ذكر "سيحان بن صوحان" كثيراً في الكتب التاريخيّة والرجاليّة. وعندما يجري الحديث عن "آل صوحان" فقطعاً هو أحدهم. وقد كان ثقة، ولائياً، خطيباً، شجاعاً، مجاهداً وشهيداً.
لمّا سأل معاوية عقيل بن أبي طالب عن آل صوحان أجابه: وأما زيد وعبد الله (سيحان) فإنّهما نهران جاريان يصب فيهما الخلجان ويغاث بهما اللهفان رجلا جدّ لا لعب معهما(3).


*سيحان في مواجهة والي الكوفة
قال ابن الأثير: لما أَرسل الإمام عليّ عليه السلام ولده الإمام الحسن عليه السلام وعمار بن ياسر يستنفرا أهل الكوفة لمواجهة الناكثين في حرب الجمل، وجعل أبو موسى الأشعري -وكان حينها الوالي عليها من قبل معاوية- يثبّط الناس، قال سيحان بن صوحان: أيّها الناس لا بدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من والٍ يدفع الظالم ويعزّ المظلوم ويجمع الناس، وهذا واليكم (أمير المؤمنين عليه السلام) يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه (طلحة والزبير) وهو المأمون على الأمة الفقيه في الدين فمن نهض إليه فإنّا سائرون معه(4).


*سيحان قائد لواء عبد القيس
وذكر ابن سعد في الطبقات: أنّ سيحان كان الخطيب قبل صعصعة. وقال الطبري في أخبار المرتدّين: وقد رأى المسلمون الخلل ورأى المشركون الظفر، جاءت المسلمين موادُّهم العظمى من بني ناجية وعليهم الخريث بن راشد ومن عبد القيس وعليهم سيحان بن صوحان وبيده لواؤهم.
استشهد سيحان في معركة الجمل وقتل بيد فارس أصحاب الجمل واسمه عمر بن يثري الضبي ودفن وأخوه زيد في قبر واحد(5).

* الشيخ تامر محمد حمزة – مجلة بقية الله


1- الغدير، الشيخ الأميني، ج9، ص186.
2- مروج الذهب، المسعودي، ج2، ص80.
3- (م.ن)، ص75.
4- تاريخ الطبري، الطبري، ج3، ص499.
5- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، ج4، ص420.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد