مقالات

دَواؤك فيكَ وما تَشعُر


وصيّة العلامة كرباسجيان لتلميذه ..

العلّامة الشيخ علي أصغر كرباسجيان رحمه الله (ت: 1424 للهجرة) من الخطباء والمبلّغين المعروفين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. تلقّى علومه الدينية في مدرستَي «الصّدر» و«مَروي» في طهران، ثمّ حضر دروس المرجع الديني الراحل آية الله السيد البروجردي، والعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، وجمعتْ بينه وبين الشهيد الشيخ مرتضى مطهّري صداقة متينة.
عمل على تربية جيلٍ مؤمن من الشباب، فأسّس لهذه الغاية مجموعة من المدارس والثانويّات تجمع بين تعليم المناهج الحديثة وتدريس الأخلاق والمعارف الإسلامية، في طليعتها «مدرسة علوي».
هذه الوصيّة مقتطفة بتصّرف من كتاب (رسائل الأستاذ) الذي يتضمّن رسائل الشيخ كرباسجيان وتوجيهاته الأخلاقية لبعض تلامذته.


من المواعظ المنظومة هذا البيت المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
دَواؤكَ فيكَ ومَا تَشْعُر***وداؤكَ منكَ ومَا تَنْظُر
إذا تلطّف بنا الله تعالى، وأدركنا معنى هذا البيت من الشعر، سيكون ذلك أوّل خطوة لنا نحو حلّ جميع مشاكلنا؛ لأنّنا إنْ عملنا بما نعلم سيُنار لنا الطريق كلّما خطونا خطوة، ومن ثمّ نُقدِم على الخطوات التالية. روي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ، أَوْرَثَهُ اللهُ عِلْمَ مَا لَا يَعْلَم».
وفي المقابل، إنْ علِمنا ولم نعمل؛ نكون مثل من بيده المصباح إلّا أنّه ساكنٌ في مكانه لا يخطو، وحينها لن نستطيع الوصل إلى المقصد أبداً.
لا فائدة في طريق السلوك إلى الله سبحانه من الإجمال في القول، إذ إنّك لن تحقّق شيئاً إن بقيتَ عشرات السنين تقول أريد الحصول على إجازة جامعيّة، بل ينبغي أن تدرس بجدّ لسنوات. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على المعنويات.
إنّ برنامج العمل الذي سأُعطيك إيّاه الآن، تظهر آثاره بعد شهرٍ واحدٍ من المداومة عليه؛ وهو النوم أوّل الليل... ولكي توفَّق لهذا الأمر عليك أن تخفّف من وجبة طعام الغداء... وإذا لم تستطع النوم بسبب مخالفتك لما اعتدتَ عليه، فعليك أن تستلقي في فراشك حتّى تغفو. وبعد مدّة سوف تتمكّن من التلذّذ بنعمة الاستيقاظ وقت السحر. ولن تستطيع الاستيقاظ وقت السحَر ما لم تَنم أوّل الليل.


ما هي الحكمة؟
نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا..﴾ البقرة:269. والحكمة هي رؤية الواقع كما هو، أو فقل: التفكير بواقعية.
ليست الحكمة في قراءة (الأسفار)، أو (شرح الإشارات)، أو تعلّم مصطلحات فلسفية. نحن نرى بأنّ الكثير من الأشخاص قد درسوا هذه الأمور، ويُدرّسونها أيضاً، إلّا أنّهم لم يصلوا إلى هذا الخير الكثير. أي أنّهم يُتقنون علم «تَنشئة الأُسْرَة»، وقد ألّفوا كُتباً في هذا المجال، إلّا أنّهم لم يُفلحوا في تربية أولادهم وزوجاتهم؛ بل هم مَبغوضون في نظرهم، ويَحيون معهم حياةً جهنّمية.
في المقابل، نرى رجلاً أمّياً؛ لكنّه ظفرَ بالحكمة، أي لديه علم رعاية وتنشئة الأُسْرة، وقد ربّى أفراداً أفادوا المجتمع والناس، وكانوا مفخرةً له. لذا على الإنسان أن يرى بواقعية، وأن يجعل من العقل والمنطق مصدراً لجميع أفعاله.
يُوصي لقمان الحكيم ولده قائلاً: «لا تجعل ليلك نهاراً ونهارَك ليلاً»، إنّ هذا القول حكمة ويجب أن يُطبَّق، فهو يشير إلى النوم أوّل الليل والاستيقاظ أوّل السحَر.
ثمّ إنّ الآية الكريمة لا تعدّ الخير الكثير في أيٍّ من السيارة أو المال أو السكن أو أمثالها، إنّما تعدّه في الحكمة. والحكمة هي الرؤية بواقعية، والإنسان الواقعي هو الذي يتّخذ الحقّ معياراً، لا الأشخاص.

* الشيخ علي أصغر كرباسجيان رحمه الله

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد