من التاريخ

دَولَة الفَاطِميّين (1)


الخلفاء الفاطميون، نسبهم ومذهبهم:
لمن ينتسب الخلفاء الفاطميون؟ وما هو مذهبهم؟
ينتسب هؤلاء إلى جدهم الملقب بالمهدي، أول خلفائهم ببلاد المغرب، وهو عبيد اللّه بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق.
وهم من فرقة الإسماعيلية، إحدى فرق الشيعة، والإسماعيلية يوافقون الإمامية الاثني عشرية في سوق الإمامة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الإمام جعفر الصادق، ثم يعدلون بها عن الإمام موسى الكاظم إلى أخيه إسماعيل، ثم إلى ابنه محمد، ثم إلى ابنه جعفر، ثم إلى ابنه محمد الملقب بالحبيب، ثم إلى عبيد اللّه الملقب بالمهدي أول خلفاء الفاطميين، ثم إلى ابنه العزيز، ثم ابنه الظاهر، إلى ابنه المستنصر باللّه أبي تميم خامس خلفائهم بمصر، وهنا يفترق الإسماعيلة إلى فرقتين: إحداهما تقول: إن الإمامة انتقلت من المستنصر إلى ابنه المستعلي، وأخرى تقول: إنها انتقلت إلى ابنه نزار.


الفرق بين الإسماعيلية والاثني عشرية:
تفترق الإسماعيلة عن الإمامية في جهات:
«منها»: هذا الاختلاف بينهما في عدد الأئمة، وأشخاصهم بعد الإمام الصادق.
و «منها»: إغراق الإسماعيلية في تأويل آيات القرآن، وسنن النبي على موافقة أساسهم بما لا يتحمله اللفظ، ولا يشهد عليه شاهد من عقل أو نقل أو إجماع. أما الاثنا عشرية فيتركون بعض الآيات التي يشتبه معناها على العقول، كفواتح السور وما إليها، يتركونها بدون تأويل، ولا يؤولون آية أو حديثاً إلا بشروط:
1 - أن يتنافى المعنى الظاهر مع ما يقطع به العقل، أو يقوم الإجماع على خلافه.
2 - أن يحمل اللفظ على معنى صحيح.
3 - أن يتحمل اللفظ المعنى المؤول به، وبكلمة أن التأويل عند الاثني عشرية لا يعدو صرف اللفظ عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، مع وجود القرينة.
و «منها»: أن الدعوة الإسماعيلية تغمرها أمواج من السرية والتخفي، حتى التبست عقيدتها على أكثر الباحثين، أو الكثير منهم، أما تعاليم الاثني عشرية فظاهرة لا خفاء فيها، ولا غموض، هذا، إلى أن الإسماعيلية تجاوزوا الحد في التستر واستعمال التقية دون مبرر من العقل أو النقل، «فكانوا سنّيين مع أهل السنة، وشيعيين مع الشيعة، ومسيحيين مع المسيحية». أما الاثنا عشرية فلا يستعملون التقية إلا لضرورة قاهرة، كالخوف على النفس أو المال أو العرض.
و «منها»: أن الإسماعيلية ينشرون تعاليم عقيدتهم، ومبادئ مذهبهم على خطوات، ولهم دعاة يتدرجون في مراتب العقيدة من المعلومات البسيطة، حتى يصلوا بالمستجيب إلى مبادئ فلسفية عميقة لا يفهمها إلا القليلون . ولا درجات ومراتب عند الاثني عشرية.
وقد خلط كثير من الكتاب والمؤرخين بين الإسماعيلية، والاثني عشرية، ولم يميزوا بين الفرقتين، ونسبوا جهلاً أو افتراء الكثير من عقائد تلك إلى هذه.
ومهما يكن، فلسنا في شيء من بيان عقائد الإسماعيلية، وفلسفتهم، وإنما غرضنا الأول أن نعرّف القراء بالدولة الفاطمية، وخلفائها في المغرب ومصر، ومكانها من التاريخ وتأثيرها في نشر التشيع.


عبيد اللّه المهدي:
كان في عهد العباسيين رجل يدعى أبو عبد اللّه الشيعي، وكان قد ولي الحسبة في بعض أعمال بغداد، وكان في أول الأمر يعتنق عقائد الاثني عشرية، واتصل بمحمد المعروف بالحبيب والد عبيد اللّه المهدي، فأقنعه بالعدول عن مذهب الاثني عشرية، واعتناق الإسماعيلية، فاعتنقها، وأخلص لها، وأصبح من أعظم دعاتها.
وذهب أبو عبد اللّه الشيعي إلى بلاد المغرب يبشر بالإسماعيلية، ويمهد لخلافة المهدي، فاتبعه بعض أهلها، وترأس عليهم رئاسة دينية، وقرر لهم مذهب الإسماعيلية، فاتبعوه وتمسكوا به، ولما اطمأن إلى طاعتهم ألف منهم جيشاً، وثار به على الحاكم، وهو ابراهيم بن الأغلب، وانتزع منه الحكم، وسلمه إلى المهدي لقمة سائغة، وذلك سنة 296 هجري، وتلقب المهدي بأمير المؤمنين، ولم يلبث أن دوّن الدواوين، وجبى الأموال، واستقر قدمه بالبلاد.
واصطدم المهدي بدولة الأدارسة، وساهم إلى حد كبير في إزالتها، كما اصطدم مع الأمويين في الأندلس، وأزال دولة الأغالبة كلية، وخضع له المغرب الأقصى، وتونس، ودخلت القبائل بكاملها في طاعته، وبعد أن استقر له الملك، فتك بأبي عبد اللّه الشيعي، لثقة الناس به، ومكانته بين أهالي المغرب مما أثار حنق المهدي عليه.
ورأى المهدي أن يبني حاضرة في مكان متوسط يتخذها حصناً يعتصم به عند الحاجة، ويوجه منه هجماته إلى الخارجين عليه، فبنى مدينة أسماها المهدية تقع على بعد ستين ميلاً جنوبي القيروان، يحيط بها البحر من ثلاث جهات، وبعد أن انتهى من بنائها أنشأ مدينة أخرى بجوارها أسماها زويلة، نسبة إلى أحدى قبائل بلاد المغرب، ومات سنة 322، وقام بالأمر بعده ابنه أبو القاسم محمد الملقب بالقائم بأمر اللّه.


القائم بأمر اللّه:
وما آلت الخلافة إلى القائم بأمر اللّه، حتى اندلعت نار الثورة في أجزاء المملكة، وانحاز بعض الزعماء إلى عبد الرحمن الناصر الأموي بالأندلس، وثار على القائم خارجي يدعى أبا يزيد عرف بعدائه للإسماعيلية، وقد اجتمعت عليه سائر الخوارج، وقويت به شوكته، وأخذ عليهم البيعة لنفسه على قتال الإسماعيلية، واستباحة الغنائم والسبي. وحاصر أبو يزيد المهدية عاصمة الخلافة، وعظم البلاء على أهلها، حتى أكلوا الدواب والميتة، وخرج أهلها مهاجرين إلى مصر وطرابلس وبلاد الروم، وكانت أصحاب أبي يزيد يأخذون من يخرج من المدينة، ويشقون بطنه طلباً للذهب، وكان الغوغاء تتوافد على أبي يزيد من كل ناحية ينهبون ويقتلون، حتى أفنوا ما كان في أفريقيا ، ولما لم يبق ما ينهب تركوه في قلة استطاع القائم بأمر اللّه أن يتغلب عليها.
مات القائم سنة 333 ، وتولى بعده ولده إسماعيل الملقب بالمنصور.


المنصور:
وكان المنصور من أهل الشجاعة والفصاحة والتدبير، فعمل على تقوية جيوشه عدة وعدداً، وطارد الخارجي أبا يزيد الذي أوشك أن يودي بدولة الفاطميين من قبل، وأوقع الهزيمة بجيشه، حتى انتهت فتنته بالقبض عليه، ومات متأثراً بجراحه، وساءت حال البلاد من جراء هذه الثورة، وأثرت في موارد الدولة، فشرع المنصور بالعمل على إنعاش البلاد، وإعادتها إلى ما كانت عليه، وأنشأ أسطولاً كبيراً، وأسس مدينة المنصورية، واتخذها عاصمة لدولته.
مات المنصور سنة 341، وآلت الخلافة إلى ولده المعز لدين اللّه.


المعز:
كان المعز لدين اللّه مثقفاً، ومولعاً بالعلوم والآداب، كما عرف بحسن التدبير، وإحكام الأمور، لذا دانت له قبائل البربر، وأطاعته على ما بينها من اختلاف، وقد رأى بعد أن استتب الأمن في ربوع المغرب، واطمأنت به الحال أن يعد العدة لغزو مصر، لثروتها وموقعها الجغرافي الذي يمهد السبيل لامتداد النفوذ والسيطرة على كثير من الأقطار، بخاصة الشام والحجاز، وكان هذان القطران خاضعين للأخشيديين حكام مصر في ذلك الحين.
وفي سنة 356 أمر المعز بإنشاء الطرق، وحفر الآبار في طريق مصر، وأقام المنازل على رأس كل مرحلة، ولما وصلته الأخبار بوفاة كافور سنة 357 أخذ في إعداد الجيش والمال، وبعث إلى دعاته في مصر يعلمهم بعزمه، ليمهدوا سبل الغزو، وعهد إلى قائده جوهر الصقلي بقيادة الحملة، فسار جوهر بجيشه سنة 358، حتى وصل برقة، فقدم له صاحبها الطاعة، ثم مضى إلى الإسكندرية، فدخلها من غير مقاومة.
ولما وردت أخبار جوهر إلى الفسطاط تألف وفد من الأكابر، وفاوضه في تسليم المدينة، وانتهت المفاوضة بكتاب الأمان، ولكن فئة من الجنود المصريين الذين كانوا في خدمة كافور لم يرضوا عن عقد الصلح، وأعلنوا الحرب، ودار القتال بينهم وبين جيش جوهر، فقتل منهم عدد كبير، وطلب الباقون منهم الأمان من جديد، فأجابهم جوهر، وأعاد الأمان.
وهكذا زال سلطان الأخشيديين والعباسيين عن مصر، وأصبحت هذه البلاد ولاية تابعة للدولة الفاطمية التي امتدت من المحيط الاطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، ونافست الدولة الفاطمية الشيعية بغداد حاضرة الدولة العباسية السنية المتداعية، وكان لتلك المنافسة أبعد الأثر في الحضارة الإسلامية. (تاريخ الدولة الفاطمية لحسن إبراهيم ص 147 طبعه سنة 1958).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد