من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

الاثنا عشريّة وأهل البيت عليهم السلام (2)

الخلفاء الاثنا عشر

 

روى السّنّة والشّيعة عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الخلافة في قريش وإن عدد الخلفاء اثنا عشر خليفة، فقد جاء في صحيح البخاري ج 9 كتاب الأحكام ما نصه بالحرف: "قال رسول اللّه: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان... ويكون اثنا عشر أميراً". وقال ابن حجر العسقلاني، وهو يشرح هذا الحديث في كتاب فتح الباري ج 13 ص 183 طبعة 1301 هجري: "كم يملك هذه الأمة من خليفة؟. فقال: اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل". ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج، فإنهم قالوا: ليست الخلافة في قريش، بل الناس فيها سواء.

 

وبعد أن اتفق السّنّة والشّيعة على أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، قال الشيعة وأفضل قريش بنو هاشم، لما رواه مسلم في صحيحه ج 2 بعنوان كتاب الفضائل أن النبي قال: "إن اللّه اصطفى كنانة من إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". وأيضاً روى مسلم في الكتاب المذكور بعنوان فضائل علي بن أبي طالب أن النبي قال: "أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي، فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب اللّه، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه، واستمسكوا به، وأهل بيتي أذكركم اللّه في أهل بيتي". كررها ثلاثاً.

 

وقال الشيعة: فإذا جمعنا بين الأحاديث الثلاثة، في قريش، "والاصطفاء، والثقلين" وعطفنا بعضها على بعض جاءت النتيجة أن الخلافة في أهل بيت رسول اللّه، وهم علي وبنوه.

 

فالسّنّة يتفقون مع الشيعة في أن الخلافة لا بد منها، وأنها في قريش دون غيرهم وأن عدد الأئمة اثنا عشر إماماً ويختلفون معهم في أمرين: الأول في حصر الخلافة بالهاشميين، وبصورة أخصّ بعلي وبنيه. الثاني في تعيين الأئمة الاثني عشر بأسمائهم وأنسابهم، يختلفون في هذين، أما أصل فكرة الاثني عشرية فمحل وفاق بين السّنّة والشيعة الاثني عشرية، وعلى هذا تكون فكرة إسلامية تعمّ الطرفين، لا سنية فقط، ولا شيعية فقط، تماماً كفكرة العصمة وفكرة الخلافة من حيث المبدأ والقاعدة.

 

أما السبب لتسمية هذه الفرقة من الشيعة بالاثني عشرية دون غيرها، مع العلم بأن السنة يؤمنون بالأئمة الـ 12 فهو أن هذه الفرقة قد أجمعت على تعيين ال 12 بأسمائهم وأعيانهم، واختلف السنة في ذلك.. فمنهم من قال: إن الـ 12 لم يخلقوا بعد، وسيخلقون، ويملكون بعد ظهور المهدي المنتظر ووفاته، ومنهم من قال: "إن المراد بالـ 12 غير أصحاب الرسول لأن حكم أصحابه يرتبط بحكمه.. إذن، كل الأئمة الاثني عشر من بني أمية ما عدا عثمان ومروان، لأنهما صحابيان.. وعليه يكون أول الأئمة الذين عناهم النبي يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية، ثم عبد الملك، وأولاده الأربعة: الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وأخوه إبراهيم، ومروان الحمار.. ومنهم من قال: هم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وولده يزيد، وعبد الملك، وأولاده الأربعة، وعمر بن عبد العزيز.. ومنهم من قال: المراد وجود 12 إماماً في مدة الإسلام، حتى يوم القيامة، وإن لم تتوال أيامهم إلى غير ذلك. (فتح الباري للعسقلاني ج 13 ص 183 وما بعدها طبعة سنة 1301 هجري).

 

الفرقة الاثنا عشرية

 

قدّمنا أن بذرة التشيع غرست في عهد الرسول، وظهرت حين بويع أبو بكر، ونمت وعلت يوم صفين، ففرقة علي هي أولى الفرق الإسلامية على الإطلاق، تكونت في حياته، وبقيت ثابتة على ولائه إلى أن قتل، فافترقت بعده إلى فرق، وباد أكثر هذه الفرق، وذهب مع الزمن، ومنها ما هي ثابتة قائمة، حتى اليوم، وستبقى إلى آخر يوم، رغم الحملات والمحاولات لمحوها وإبادتها وهكذا جميع الفرق، أية فرق تنطبق عليها قاعدة تنازع البقاء، وبقاء الأصلح، تماماً كأغصان الشجرة، تتفرع عن أصل واحد، فينمو، ويمتدّ في النّمو، ويحمل من الأزهار والثمار ما يصلح للبقاء والاستمرار، والذي لا يصلح لها يذبل ويجف وينتهي إلى السقوط والضياع.

 

ومن فرق الشيعة البائدة فرقة قالت: إن علياً لم يقتل ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً. وفرقة قالت بإمامة ولده محمد بن الحنفية من بعده وهم المعروفون بالكيسانية. ومن الفرق الباقية حتى اليوم الاثنا عشرية التي لزمت القول بإمامة الحسن بن علي بعد أبيه، لأن النبي نصّ عليه، وعلى أخيه الحسين بقوله: "ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا" وبهذا النص انتقلت الإمامة بعد الحسن إلى أخيه الحسين، ثم أوصى بها الحسين إلى ولده علي زين العابدين، وأوصى هو إلى ولده محمد الباقر، وأوصى الباقر إلى ولده جعفر الصادق، ثم أوصى الصادق إلى ولده موسى الكاظم، ثم أوصى الكاظم إلى ولده علي الرضا، ثم أوصى الرضا إلى ولده محمد الجواد، ثم أوصى الجواد إلي ولده علي الهادي، هو أوصى إلى ولده الحسن العسكري ومنه انتقلت الإمامة بالوصية إلى ولده محمد بن الحسن، وهو المهدي المنتظر الذي اختفى بعد موت أبيه، وكان ذلك سنة 256 هجري.

 

وقد وضعت كتاباً مستقلاً، اسمه "المهدي المنتظر والعقل" وقربت الفكرة من وجهة عقلية، وذكرت جملة من مؤلفات السنة والشيعة في المهدي، ثم أدرجت كتاب المهدي في كتاب "الإسلام والعقل".

 

وهذا التسلسل في الوصية من إمام إلى إمام هو من صلب عقيدة الاثني عشرية، لأن الإمام عندهم لا يكون إلا بنصّ النبي عليه مباشرة، أو بواسطة إمام منصوص عليه، ومن هنا كانت الإمامة منصباً إلهيّاً، يأتي في الدرجة الثانية من النبوّة، فالنبيّ يبلغ عن اللّه، والإمام يبلغ عن النبي.

 

هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر للفرقة الاثني عشرية التي مضى على وجودها أكثر من ألف عام، رغم ما لاقته من الظلم والاضطهاد.

 

عقيدتهم

 

يستطيع أيّ إنسان يحسن القراءة أن يعطي صورة واضحة الملامح عن عقيدة الاثني عشرية، يستخلصها من أوثق المصادر، وأصفى المراجع.. ذلك أن علماءهم قديماً وحديثاً قد وضعوا العديد من الكتب في هذا الموضوع، منها - على سبيل المثال - اعتقادات الصدوق وشرحها للشيخ المفيد، وأوائل المقالات للشيخ المفيد أيضاً، وقواعد العقائد للخواجة نصير الطوسي، وشرحها للعلامة الحلي، وشرح الباب الحادي عشر للمقداد، ونقض الوشيعة للسيد محسن الأمين وأصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وعقيدة الشيعة الإمامية للسيد هاشم معروف، وعقائد الإمامية للشيخ المظفر، والشيعة والتشيع ومع الشيعة الإمامية للكاتب.

 

ولست أدري كيف يقطع في الخطأ والالتباس من يعرض عقيدة هذه الفرقة، مع كثرة المصادر، وانتشارها... ومهما يكن، فإن الاثني عشرية يعتقدون: بالتوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وبوجوب الصوم والصلاة، والحج والخمس والزكاة، وبكل ما جاء في القرآن الكريم، وثبت عن الرسول العظيم بالتواتر أو بنقل الثقات. ويعتقدون بوجوب تأويل النقل بما يتفق مع العقل، وبأن القرآن هو هذا الذي بين أيدي الناس لا زيادة فيه، ولا نقصان، ويعتقدون بفتح باب الاجتهاد، لأهل المعرفة والكفاءة، وبتقليد الجاهل للعالم في الأمور الشرعية الفرعية، وبوجوب طلب العلم على كل إنسان كفاية لا عيناً، وبعصمة جميع الأنبياء، وأئمتهم الاثني عشر، وبالتقية، مع خوف الضرر، وقد ذكرنا العصمة والتقية بصورة مفصلة في كتاب الشيعة والتشيع، ويعتقدون بأن الإمامة أصل من أصول المذهب، لا من أصول الإسلام، وأن من أنكرها فهو مسلم، له ما للمسلمين، وعليه ما عليهم، إذا اعتقد بالتوحيد والنبوة والمعاد، ولكنه ليس إمامياً.

 

ويعتقدون بأن الغلوّ بأي إنسان فهو كفر سواء أكان من أهل البيت، أم من غيرهم، لقول الإمام علي: "سيهلك فيّ صنفان: محبّ مفرط، يذهب به الحبّ إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس في هذا النمط الأوسط فالزموه".

 

وروى الاثنا عشرية عن إمامهم الخامس محمد الباقر أنه قال: واللّه ما شيعتنا إلا من اتقى اللّه... ليس بين اللّه وبين أحد قرابة.. ولسنا نتقرب إلى اللّه إلا بالطاعة، فمن كان للّه مطيعاً فهو ولينا، ومن كان للّه عاصياً فهو عدونا، ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع. ورووا عن إمامهم السادس جعفر الصادق أنه قال: لا تقولوا علينا إلا الحق. وقال: إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل بخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فهم شيعة جعفر.

 

وقال بعض شعرائهم يصف الصادقين في إيمانهم وعقيدتهم من هذه الفرقة:

إن ينطقوا ذكروا أو يسكتوا فكروا     

أو يغضبوا غفروا أو يقطعوا وصلوا

أو يظلموا صفحوا أو يوزنوا رجحوا   

أو يسألوا سمحوا أو يحكموا عدلوا

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد