المترجم: عدنان أحمد الحاجي
أثبتت باحثا علم النّفس في جامعة بنسلفانيا، آنا جينكينز Anna Jenkins وديلارا بيركاي Dilara Berkay، دور الّلايقين (الريب) (1) في تنشيط القشرة أمام جبهية الظهرانية الإنسية dmPFC. تُمهّد نتائجهما الطريق لفهم اضطراب التوحد واضطراب القلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي) (2) بشكل أوسع.
أثبتت دراسة جديدة أن اللّايقين (1) يُثير نشاط القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية، وهي منطقة دماغية مرتبطة بمعرفة أو بفهم وجهات نظر الآخرين وحالاتهم النفسية. طعنت هذه النتائج في التفسيرات السّابقة لارتفاع نشاط القشرة أمام جبهيّة الإنسية الظهرانية عندما يُخمّن الناس ما يفكر فيه أو يشعر به الآخرون.
قد يؤدي هذا البحث إلى فهم التفكير غير النمطي (المتعلق بالاضطرابات العصبية) والسلوك الاجتماعي بشكل أفضل، كما هو الحال في اضطراب التوحد والقلق الاجتماعي (الرهاب الاجتماعي) (2).
تخيل أنك على وشك أن تواجه صديقك بشأن تعليق جارح أدلى به في حقك، وتحاول التنبؤ برد فعله. بناءً على ما تعرفه عنه، قد تستنتج أنه سيتفهم وجهة نظرك، وأنه سيعتذر لك، أو سيتخذ موقفًا دفاعيًّا (اتقائيًّا)، أو يرد منتقدًا إياك.
تُعرف هذه العملية، التي تتمثل في محاولة التنبؤ بمعتقدات أو قناعات الآخرين ونواياهم وانفعالاتهم، باسم "التعقيل (وهي القدرة على فهم الحالة العقلية لشخص آخر من سلوكه الظاهري) (3) [وتسمى أحيانًا بنظرية العقل، وهي القدرة على توقع سلوك الآخر (4)]"، وتُعدّ القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية (dmPFC) إحدى مناطق الدماغ الرئيسة التي تُشكل ما يُعرف بـ "شبكة التعقيل العصبية". أثبتت الدراسات أن هذه الشبكة تصبح أكثر نشاطًا أثناء عملية التعقيل مقارنةً بأنواع أخرى من الاستدلالات المنطقية (5)، مثل الاستدلالات المنطقية المتعلقة بالأشياء "كتوقع شيء من الراحة من الجلوس على كرسي" أو تلك المتعلقة بسمات البشر البدنية).
لكن دراسة جديدة أجرتها باحثتان في علم النفس من جامعة بنسلفانيا تطعن في تفسير هذه النتائج، وذلك بتسليط الضوء على متغير تشويش (أو متغير إرباك) (6) في تنشيط القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية (DMPFC): وهو اللّايقين. وجدت الباحثتان أن هذه المنطقة لا يُثار نشاطها إلّا عندما يحاول الناس حل مشكلة اللّايقين [وذلك من خلال تحديد مصادر أو أسباب اللّايقين، وجمع المعلومات ذات العلاقة] لتقييم ما يفكر فيه ويشعر به الآخرون، بل أيضًا عندما يواجهون اللّايقين بشأن الأشياء والسمات البدنية البشرية [وذلك بسبب عوامل، منها محدودية قدرة الحواس، والتحيزات الإدراكية، والغموض الكامن في الأشياء نفسها [وذلك لأنها تتأثر بمحدودية حواسنا وبمدى جودة المعلومات الواردة فيها أو عنها. على سبيل المثال، عندما يكون الجسم محجوبًا جزئيًّا أو تحت ظروف إضاءة سيئة، تصبح رؤية شكله وحجمه وخصائصه الأخرى مشوبة بعدم اليقين]. يؤثر هذا اللّايقين على مدى إدراكنا الحسي (ومنه الرؤية) وتفاعلنا مع الأشياء المادية ومع الأشخاص الآخرين (7)]. نُشرت الدراسة - وهي من الدراسات القليلة التي تناولت بشكل مباشر العلاقة بين اللّايقين والإدراك الاجتماعي [أي القدرة على إدراك وتصنيف وتفسير السلوك الاجتماعي للآخر الضرورية لتكوين علاقات اجتماعية (8)] - في مجلة علوم الأعصاب (7).
تقول أدريانا (آنا) جينكينز، الباحثة الرئيسة في الدراسة، والأستاذة المشاركة في علم النفس بكلية الفنون والعلوم بجامعة بنسلفانيا: "تشير دراستنا إلى اللّايقين كعامل مهم قد يساعد في تفسير الاختلافات في مدى تفكير الناس وسلوكياتهم في السياقات الاجتماعية (التفاعلات والعلاقات بين شخص وآخرين) مقارنةً بالسياقات غير الاجتماعية [والتي تختص بالمهام الفردية مثل التفكير التحليلي والرياضي والإبداعي والاستدلال المنطقي]". وأشارت هي وباحثة ما بعد الدكتوراه ديلارا بيركاي Dilara Berkay، المؤلفة الرئيسة للدراسة، إلى أن اللّايقين يبدو أنه وراء تنشيط القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية، والذي غالبًا ما يرتفع مستواه في السياقات الاجتماعية - ولذلك أشارت الدراسات السابقة إلى أن مستوى النشاط عالٍ بسبب السياق الاجتماعي.
جاءت نتائجهما من تصوير أدمغة 46 مشاركًا باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أثناء استخلاصهما استنتاجات حول حالة عقلية واحدة (العقل البشري) [الحالة العقلية أو الخاصية العقلية هي حالة ذهنية للشخص. تشمل الحالات العقلية مجموعة متنوعة، بما في ذلك الإدراك، والإحساس بالألم أو بالمتعة، والاعتقاد، والرغبة، والنية، والانفعالات، والذاكرة (9)] وحالتين غير عقليتين وهما بدن الإنسان والأشياء المادية.
لمعرفة ما إذا كان وراء نشاط الدماغ الاختلافات بين هذه الحالات أو الاختلافات في مستوى اللّايقين، قامت الباحثتان بتنويع مستوى اللّايقين في كل من الحالات الثلاث، كما توضح بيركاي. ولقياس مستويات اللّايقين، أجرتا دراسة تجريبية عبر الإنترنت قبل تصوير المشاركين بالرنين المغناطيسي الوظيفي، حيث طلبتا من المشاركين تقييم مدى فائدة إحدى السمات من ناحية المعلومات لتقييمهم لسمة أخرى على مقياس متدرج من 1 إلى 100. ثم، أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، سُئل المشاركون عن مدى احتمالية أن تصف إحدى السمات نفس الشخصية أو بدن الشخص أو قطعة أثاث كسمة أخرى. على سبيل المثال، إذا كان الشخص رحيمًا، فما مدى احتمالية أن يكون صادقًا؟ وإذا كان لون شعر الشخص أحمر، فما مدى احتمالية أن يكون قصير القامة؟ ووجدوا أن اللّايقين كان مرتبطًا بتنشيط القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية في جميع الحالات الثلاث.
تفتح نتائجهما آفاقًا لفهم الحالات المرتبطة بالتعقيل غير النمطي [بشكل أفضل، مثل اضطرابي طيف التوحد والقلق (الرهاب) الاجتماعي]. وتشير بيركاي إلى أن التوحد يرتبط بالتعقيل غير النمطي بالرغم من الأداء النمطي للمصابين بهذا الاضطراب في المهام غير الاجتماعية، وأنه يرتبط أيضًا بمستويات عليا من عدم تحمل اللايقين (أو الغموض) (10).
وتقول بيركاي: "تطرح نتائجنا إطارًا موحدًا لفهم هذه النتائج التي تبدو منفصلة، إذ تشير إلى أن الأداء غير النمطي الذي نلاحظه لدى المصابين بالتوحد أثناء المهام العقلية [التي تنطوي على طيف من الأنشطة الإدراكية من التذكر إلى التفكير التحليلي والإبداعي وحل المسائل الصعبة] قد يكون ناتجًا عن اختلافات في الاستجابات لحالات اللّايقين، أو استراتيجيات للحد من مستويات اللّايقين، وبالتالي له تبعات إيجابية على إمكانية التدخلات التي قد تكون نافعة".
تضيف جينكينز: "هذا أحد التوجهات المستقبلية في دراساتنا التي نتطلع إليها بشغف. ونتشوق لمعرفة ما إذا كان من الممكن تحقيق تقدم جديد في فهم اضطراب التوحد وغيره من حالات الاضطرابات "الاجتماعية [مثل الرهاب الاجتماعي]" من خلال تكوين مفاهيم أو أفكار جديدة لجوانب الإدراك الاجتماعي غير النمطي على أنها إدراك لايقيني غير نمطي".
ركزت هذه الدراسة على اللّايقين بشأن الناس والأشياء، لكن جينكينز وبيركاي أشارتا إلى أن مسألة ما إذا كان لتنشيط القشرة أمام جبهية الإنسية الظهرانية (DMPFC) دور في الحد من اللّايقين بشأن أشياء أخرى هي واحدة من التجارب المستقبلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/ارتياب
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_القلق_الاجتماعي
3- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تعقيل_(علم_النفس)
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_العقل
5- https://ar.wikipedia.org/wiki/استدلال_(بحث_علمي)
6- “يُعرَّف عامل التشويش (أو عامل الإرباك) Confounding factor بأنه متغيِّر خارجي extraneous variable يؤثر وجوده في صحة نتائج البحث؛ فلا يعكس العلاقة الفعلية ما بين المتغيرات المدروسة والمخرجات outcome. ومن الضروري أن يكون عامل التشويش على ارتباط بكل من التعرُّض المدروس exposure (قد يكون تدخل دوائي أو غير ذلك) والنتيجة outcome (كالإصابة بمرض معين أو الموت)، وليس جزءًا من العلاقة بين التعرّض والنتيجة". مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.syr-res.com/article/21695.html
7- https://www.jneurosci.org/content/45/23/e1920232025
8- https://www.sciencedirect.com/topics/neuroscience/social-cognition
9- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/حالة_عقلية
10- https://dspace.univ-ouargla.dz/jspui/handle/123456789/18029
المصدر الرئيس
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
شعراء عائلة المؤمن: لأبكينَّك شعرًا
مقدار ما سُلبَ من نساء أهل البيت (ع)
زينب (ع) شاهدة النهضة
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (1)
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
ليلة وحشة زينب (ع)
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (1)
ما جدوى إقامة الشعائر الحسينيّة؟