
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
الوجبات السريعة المشبعة بالدهون تؤثر في الدماغ بشكل مباشر وسريع وتضعف الذاكرة وتؤدي إلى أمراض التنكس العصبي في الأمد البعيد - لكن ما الحل؟
نُشرت دراسة جديدة في مجلة نيورون، تثبت كيف يُمكن لوجبة غذائية مشبعة بالدهون، حتى لفترة قصيرة، أن تُلحق سريعًا ضررًا بصحة الدماغ (على سبيل المثال، بإضعاف الذاكرة أو التعلم أو المزاج)، بيد أن هذه الأضرار ليست دائمة، بل يمكن التعافي منها ووقاية الدماغ من التنكس الإدراكي في الأمد الطويل.
الوجبات الغذائية تؤثر في الدماغ أكثر بكثير مما نعتقد
دراسة جديدة أجراها باحثون في كلية الطب في جامعة نورث كارولاينا، ونُشرت في 11 سبتمبر 2025 في مجلة نيورون (1)، كشفت عن نظرة فريدة حول كيفية تغيير الوجبات السريعة آلية عمل مركز الذاكرة في الدماغ - ألا وهو الحُصين. وهذا ما يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة باختلال إدراكي ينجم عنه الإصابة بمشكلات في التفكير والذاكرة وعملية التعلم (2). يفتح هذا البحث الجديد الباب واسعًا أمام التدخلات العلاجية المبكرة التي بإمكانها الوقاية من فقدان الذاكرة طويلة الأمد الناجمة عن السّمنة (الاضطرابات الأيضية).
بقيادة الدكتور خوان سونغ Juan Song، الباحث الرئيس وأستاذ علم الأدوية في كلية الطب بجامعة نورث كارولينا، والدكتور تايلور لاندري Taylor Landry، الباحث الأول في قسم علم الأدوية، وجد الباحثون أن مجموعة خاصة من خلايا الدماغ في الحُصين، تُسمى الخلايا العصبية البينية، خلايا كوليسيستوكينين العصبية البينية، والمعروفة بــ CCK، وتوجد في مناطق عديدة من الدماغ، ومن بينها الحصين (مركز الذاكرة في الدماغ)، ومنخرطة في عملية التعلم والذاكرة وتنظيم الانفعالات (3).
خلايا الـ CCK تُصبح نشطة بشكل مفرط بعد تناول وجبة غذائية مشبعة بالدهون (HFD)، وذلك بسبب ضعف قدرة الدماغ على استقبال الجلوكوز (السكر). وهذا يعني على الأرجح أن الوجبات الغذائية غير الصحية قد تُعطل الوظيفة الطبيعية أو التواصل بين هذه الخلايا المعينة - ما قد يساعد في تفسير مدى تأثير هذا النوع من الوجبات الغذائية في جهاز الذاكرة في الدماغ.
يُعطل هذا النشاط المفرط مباشرةً آلية معالجة الحُصين للذاكرة، حتى بعد بضعة أيام فقط من تناول وجبة غذائية مشبعة بالدهون. هذا النوع من الوجبات الغذائية شبيهة بالوجبات السريعة التقليدية المشبعة بالدهون المنتشرة في الدول الغربية، مثل البرغر بالجبن والبطاطس المقلية. كما بينت نتائج الدراسة أن بروتين PKM2، والذي يتحكم في طريقة استخدام خلايا الدماغ للطاقة، له دور رئيس في هذه المشكلة.
"كنا نعرف أن الوجبات الغذائية وعملية الأيض قد يؤثران في صحة الدماغ، لكننا لم نتوقع أن نكتشف أن هذه الـمجموعة المعينة والهشة من خلايا الدماغ، وهي الخلايا العصبية البينية، المعروفة بـ CCK في منطقة الحُصين، والتي تتعطل بشكل مباشر وسريع نتيجةً لتعرضها لوجبات غذائية مشبعة بالدهون"، كما قال سونغ، عضو مركز علوم الأعصاب بجامعة نورث كارولينا. وأضاف: "ما أدهشنا أكثر هو سرعة تغيير هذه الخلايا نشاطها استجابةً لانخفاض توافر الجلوكوز، مصدر الطاقة في الدماغ، وكيف كان هذا التحول وحده كافيًا لإضعاف الذاكرة".
ملخص دراسة صحة الدماغ
تُسلّط نتائج الدراسة الضوء أيضًا على مدى حساسية دوائر الذاكرة للوجبات الغذائية، مما يُؤكّد على أهمية التغذية (4) في الحفاظ على صحة الدماغ. ووفقًا للدراسة، يُمكن أن يُؤدّي تناول وجبات غذائية مشبعة بالدهون إلى زيادة احتمال الإصابة بأمراض تنكسية عصبية، مثل الخرف والزهايمر.
وتثبت نتائج البحث أيضًا أن استعادة مستويات الجلوكوز في الدماغ إلى مستوياتها الطبيعية له تأثير إيجابي، حيث إنها هدّأت بالفعل من النشاط المفرط لخلايا الـ CCK العصبية البينية، وحلّت مشكلات ضعف الذاكرة لدى الفئران. ووجدت الدراسة أن تدخلات، مثل تناول الوجبات الغذائية الصحية أو التدخلات الدوائية، قد تكون فعّالة في وقاية الدماغ من التنكس العصبي الناجم عن السمنة. والجدير بالذكر أن الباحثين اكتشفوا أن التدخلات الغذائية، مثل فترات الصيام المتقطع بعد وجبة غذائية مشبعة بالدهون، كانت كافية لتهدئة خلايا CCK العصبية البينية إلى مستوى نشاطها الطبيعي وبدورها حسنت من الذاكرة.
لذا، تفيد هذه النتيجة بأن التوازن السليم لطاقة الدماغ (الجلوكوز) مهم للنشاط الطبيعي لخلايا CCK العصبية البينية ولصحة الذاكرة.
"تسلّط هذه الدراسة الضوء على أن ما نأكله قد يؤثر بسرعة في صحة دماغنا، وكيف يُمكن للتدخلات المبكرة، سواءً بالصيام (أو الصيام المتقطع) أو الأدوية، أن تساعد في وقاية الذاكرة من الضعف وتُقلّل من احتمال حدوث مشكلات إدراكية في الأمد الطويل الأمد ناجمة عن السمنة والاضطرابات الأيضية (مثل داء السكري)". وأضاف: "في الأمد البعيد، يُمكن أن يحد من الإصابات المتزايدة بالخرف والزهايمر الناجمة من الاضطرابات الأيضية. ما يُوفّر رعايةً أكثر شمولية تُعنى بالجسم والدماغ معًا".
يؤكد سونغ على أن التغذية الصحية والإجراءات الوقائية المبكرة قد لا تُحسّن الصحة البدنية فحسب، بل تقي أيضًا الدماغ من فقدان الذاكرة والأمراض التنكسية، مثل الزهايمر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- https://www.cell.com/neuron/abstract/S0896-6273(25)00622
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/نقيصة_معرفية
3- http://https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S1521690X0400051X
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تغذية
المصدر الرئيس
سبيل غلبة العقل على النفس
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
الشيخ محمد جواد مغنية
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
الشيخ محمد مصباح يزدي
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
الشيخ معين دقيق العاملي
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
ستّ طرق لاستخدام القلق كمصدر للنّمو
سبيل غلبة العقل على النفس
بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ
أهميّة المداراة وخطورة المداهنة
في رحاب بقية الله: ليمكّننّ له الدين
كيف تنمّي الشخصية الأخلاقية في طفلك؟
القصيدة بين الذّات والآخر، أمسية شعريّة للشّاعر حسين اللّويم
الجزء الثّاني من كتاب الشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور: (قضايا مأتميّة)
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟