اعلم أنّ المعاني التي عندنا، وهي صور علومنا الذهنيّة، على قسمين:
أحدهما: المعاني التي تقع على الموجودات الخارجيّة في نفسها مطابقة بها ومعها، بحيث أنّها في نفسها كذلك، سواء انتزعنا منها تلك المعاني وتعقّلناها وأوقعنا عليها هذه المعاني أو لا؛ وذلك كمعنى الأرض والسماء والكواكب والإنسان، فإنّ مطابقات هذه المعاني موجود في الخارج في نفسها، سواء انتزعنا منها هذه المعاني وتعقّلناها في أذهاننا وأوقعنا المعاني المنتزعة عليها أو لا، وهذه المعاني هي التي نسمّيها بالحقائق.
وثانيهما: المعاني التي نوقعها على الأمور الخارجيّة لكنّها بحيث لو أغمضنا وقطعنا النظر عن التعقّل والتصوّر لم يكن لها في الخارج تحقّق، ولا لها وقوع، وذلك كمعنى الملك - مثلاً - فإنّه معنى به يتمكّن المالك من أنحاء التصرّفات في العين المملوك من غير أن يزاحمه فيها أحد من نوعه، وكمعنى الرئاسة، فإنّها معنى بها يتمكّن الإنسان الرئيس من إدارة الأمور في حوزة رئاسته وجلب طاعة مرؤوسيه.
لكنّنا إذا تأمّلنا في مورد هذين المعنيين لم نجد هناك في الخارج إلّا إنسانًا وعينًا خارجيّة - مثلاً - ولم يكن لولا تعقّلنا وتصوّرنا في الخارج عين ولا أثر من معنى الملك والمالك، والمملوك والرئاسة، والرئيس والمرؤوس، ولذلك نرى في هذا القسم من المعاني من التغيّر والتبدّل والاختلاف بحسب اختلاف أنظار العقلاء، ما لا يتحقّق ذلك في قسم الحقائق البتّة، فترى أمّة من النّاس تعقد على ملكيّة شيء لا يعقد عليها آخرون، ويذعن برئاسة إنسان لا يذعن بها فيه آخرون. والحقائق لا يمكن فيها ذلك، فالإنسان إنسان عند الكلّ ودائمًا، وسواء تعقّلوا معنى أنّه إنسان أو لم يتعقّلوا ذلك.
وهذه المعاني غير الحقائق، حيث أنّها ليست في الخارج حقيقة في الذهن، لكنّها ليست متحقّقة في الذهن بإيجاده واختلاقه إيّاها من غير استعانة بالخارج، فإنّ الذهن يوقعها على الخارج بتوهّمها أنّها في الخارج ووقوعها على الأمور الخارجيّة على وتيرة واحدة من غير اختلاف وتغيّر من هذه الحيثيّة، فالكلام وهو الصوت المؤلّف الدالّ على معنى بالوضع كلام، ولا يصدق عليه الملك - مثلاً - ولا الرئاسة ولا غيرها، ولو كانت بإيجاد من الذهن من غير ارتباط واستعانة من الخارج لكانت إمّا غير صادقة على الخارج أصلاً، وإمّا واقعة على جميع ما في الخارج لاستواء النسبة مع عدم الرابطة.
فثبت أنّ انتزاع الذهن إيّاها إنّما هو بالاستعانة من الخارج، أي من المعاني الحقيقيّة التي عند الذهن، وحيث أنّ هذا الارتباط ليس بالحقيقي لعدم تحقّقها في الخارج، فهو وهميّ بتوهّم الذهن أنّها هي المعاني الحقيقيّة، وهي إعطاء حدّ الأمور الخارجيّة لها. فهذه المعاني تتحقّق بإعطاء الذهن حدّ الأمور الحقيقيّة لما ليس لها، ووضعها فيما ليست فيه، فهي معان سرابيّة وهميّة مثلها بين المعاني مثل السراب بين الحقائق والأعيان. وهذا القسم من المعاني هو الذي نسمّيه بالاعتبارات والوهميّات؛ فالأولى منها: خارجيّة حقيقيّة، والثانية ذهنيّة وهميّة غير حقيقيّة.
ثمّ إنّا إذا أخذنا نتأمّل الموجودات الخارجيّة الحقيقيّة، وركّزنا التأمّل في كلّ واحد منها بالأخذ بمجموع دائرة وجوده من حين يظهر في الوجود، ثمّ يديم بقاءه وحياته المختصّة به حتّى ينتهي إلى البطلان والعدم، ورددنا كلّ أمر يرتبط به من حيث هو مرتبط إلى داخل محيط هذه الدائرة المفروضة، بحيث لا يشذّ منه شيء منها، ولا يدخله شيء غيرها، وجدنا هذا المجموع يساوي في الوجود أمرًا واحدًا حقيقيًّا وموجودًا متفرّدًا، كلّ جزء من أجزاء المجموع المفروض يرتبط بالآخرين بروابط خاصّة به وصولًا للوحدة الحقيقيّة الموجودة، وهذا لا شكّ فيه ولا ريب.
ثمّ إذا حلّلنا هذا الموجود الواحد على سعة دائرة وجوده، وجدناه على كثرة أجزائه وجهاته ينحلّ إلى أمر ثابت في نفسه كالأصل، وأمور أخر تدور عليه وتقوم به كالفروع تتفرّع على الأصل، وهذا الأصل هو الذي نسمّيه بالذات، وهذه الفروع هي التي نسمّيها بالعوارض واللواحق ونحو ذلك، وهذا معنى سار في كلّ موجود في وعاء الوجود، مثال ذلك الإنسا ، فإن فيك أمرًا تحكي عنه بلفظ أنا وكلّ معنى غيره مرتبط به ومتفرّع على هذه الذات المحكيّ عنها بــ «أنا». وهذا المجموع المؤلّف من الذات والعوارض نسمّيه بالنظام الجزئي في الموجود الجزئي والمجموع المؤلّف من جميع هذه النظامات الجزئيّة التي في ظرف الوجود نسمّيه بنظام الكلّ.
ثمّ نقول: إنّ لكلّ موجود حقيقي نظامًا حقيقيًّا خارجيًّا ذا أجزاء حقيقيّة، فذاته من حين يظهر في الوجود يصحب معه شيئا من عوارضه اللازمة وغير اللازمة، ثمّ يرد عليه سلسلة عوارضه واحدًا بعد واحد، ولا يزال يستكمل بها حتّى يتمّ ذاته في عوارضه تمامًا وكمالًا إن لم يعقه عائق، فينتهي به الوجود المختصّ به وهو حياته، فيبطل وينعدم ببلوغه أجله، فهو بحسب التمثيل كالشمس عند الحسّ تطلع من أفق ثمّ تحاذي نقطة بعد نقطة وتجري حتّى تغرب في أفق آخر.
وجملة الأمر في هذه النظامات أنّ لحوق العوارض بالذات باقتضاء ما من الذات لها، بمعنى أنّ الذات لو وضع وحده من غير مانع تبعه عوارضه بارتباط معها في الذات، وهذه كلّها أصول كلّيّة عامّة بديهيّة أو قريبة من البداهة.
الشيخ جعفر السبحاني
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد هادي معرفة
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مبدأ التّشيّع وتاريخ نشأته
السر المفقود للنهوض بالمجتمع
زمانيّة التّنظير وجغرافيّته
صور علومنا الذهنيّة (1)
دنيا عليّ عليه السّلام (1)
مقاطع تراثيّة للفنّان علي الجشّي تستعيد ماضي المنطقة ذاكرةً وذكريات
مقارنة بين القرآن والنظريّات العلميّة
من فقه القرآن الكريم
القول بغير علم!
العادات الأربع لأكثر الناس نجاحًا في الحياة، محاضرة للقرقوش في مجلس الزّهراء الثّقافيّ