قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

﴿وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾

﴿وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الاْنْعَـامِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمخْبِتِينَ* الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّـبِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِى الصَّلَـوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـهُمْ يُنفِقُونَ﴾. [سورة الحج 34: 35]

 

التّفسير

 

بشّر المخبتين:

 

يمكن أن يتساءل الناس...كيف شرّع الإسلام تقديم القرابين لكسب رضى الله؟ وهل الله سبحانه بحاجة إلى قربان؟ وهل كان ذلك متّبعاً في الأديان الأخرى، أو يخصّ المشركين وحدهم؟

 

تقول أوّل آية - من الآيات موضع البحث - لإيضاح هذا الموضوع أنّ هذا الأمر لا يختصّ بكم، بل إنّ كلّ أمّة لها قرابين: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الاْنْعَـام﴾.

 

يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته: "النّسك" يعني العبادة، والناسك هو العابد، ومناسك الحجّ تعني المواقف التي تؤدّى فيها هذه العبادة، أو إنّها عبارة عن الأعمال نفسها.

 

إلاّ أنّ العلاّمة الطبرسي يقول في "مجمع البيان" وأبو الفتوح الرازي في "روح الجنان": "المنسك" (على وزن منصب) يمكن أن يعني - على وجه التخصيص - الأضحية، بين عبادات الحجّ الأخرى.

 

ولهذا خصّ المنسك - رغم مفهومه العام وشموله أنواع العبادات في مراسم الحجّ - هنا بتقديم الاُضحية بدلالة ﴿لِّيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ﴾.

 

وعلى كلّ حال فإنّ مسألة الأضحية كانت دوماً مثار سؤال، لامتزاج التعبّد بها بخرافات المشركين الذين يتقرّبون بها إلى أوثانهم على نهج خاصّ بهم.

 

ذبح حيوان باسم الله ولكسب رضاه يبيّن استعداد الإنسان للتضحية بنفسه في سبيل الله، والاستفادة من لحم الأضحية وتوزيعه على الفقراء أمر منطقي.

 

ولذا يذكر القرآن في نهاية هذه الآية ﴿فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِد﴾ وبما أنّه إله واحد ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾ وبشّر الذين يتواضعون لأحكامه الربّانية و﴿وَبَشِّرِ الْمخْبِتِينَ﴾.

 

ثمّ يوضّح القرآن المجيد في الآية التالية صفات المخبتين (المتواضعين) وهي أربع: اثنتان منها ذات طابع معنوي، واثنتان ذات طابع جسماني.

 

يقول في الأوّل: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ لا يخافون في غضبه دون سبب ولا يشكّون في رحمته، بل إنّ خوفهم ناتج عن عظمة المسؤوليات التي بذمّتهم، واحتمال تقصيرهم في أدائها، وليقينهم بجلال الله سبحانه يقفون بين يديه بكلّ خشوع.

 

والثّاني: ﴿وَالصَّـبِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾ فهؤلاء يصبرون على ما يكابدونه في حياتهم من مصائب وآلام، ولا يرضخون للمصائب مهما عظمت وإزداد بلاؤها، ويحافظون على اتّزانهم ولا يفرّون من ساحة الامتحان، ولا يصابون باليأس والخيبة، ولا يكفرون بأنعم الله أبداً.

 

وبإيجاز نقول: يستقيمون وينتصرون.

 

والثّالث والرابع: ﴿وَالْمُقِيمِى الصَّلَـوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـهُمْ يُنفِقُونَ﴾ فمن جهة توطّدت علاقتهم ببارىء الخلق وازدادوا تقرباً إليه، ومن جهة أخرى اشتدّ ارتباطهم بالخلق بالإنفاق.

 

وبهذا يتّضح جليّاً أنّ الإخبات والتسليم والتواضع التي هي من صفات المؤمنين ليست ذات طابع باطني فقط، بل تظهر وتبرز في جميع أعمال المؤمنين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد