اشتغل جماعة من الصحابة بالتفسير بعد أن ارتحل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى، ومنهم أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وأنس وأبو هريرة وأبو موسى، وكان أشهرهم عبد الله بن عباس.
كان منهج هؤلاء في التفسير أنهم ينقلون ما يسمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معاني الآيات بشكل أحاديث مسندة (2) وبلغت هذه الأحاديث كلها إلى نيف وأربعين ومائتي حديث أسانيد كثير منها ضعيفة ومتون بعضها منكرة لا يمكن الركون إليها.
وربما ذكر هؤلاء تفسير بعض الآيات على أنه تفسير منهم بدون إسناده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فعد المفسرون من متأخري أهل السنة هذا القسم أيضًا من جملة الأحاديث بحجة أن الصحابة أخذوا علم القرآن من النبي ويبعد أن يفسروا من عند أنفسهم.
ولكن لا دليل قاطع على كلامهم هذا، بالإضافة إلى أن كمية كبيرة من الأحاديث المذكورة واردة في أسباب نزول الآيات وقصصها التاريخية، كما أن فيها أحاديث غير مسندة منقولة عن بعض علماء اليهود الذين أسلموا ككعب الأحبار وغيره.
وكان ابن عباس في أكثر الأوقات يستشهد بأبيات شعرية في فهم معاني الآيات، كما نرى ذلك جليًّا في مسائل نافع بن الأرزق، فإن ابن عباس عند الإجابة عليها استشهد بالشعر في أكثر من مائتي مورد من الآيات، وقد نقل السيوطي مائة وتسعين جوابًا منها في كتابه الاتقان (2).
ومن هنا لا يمكن اعتبار الأحاديث المنقولة عن الصحابة أحاديث نبوية كما لا يمكن القول بأنهم لم يفسروا مطلقًا برأيهم. ومفسرو الصحابة هم الطبقة الأولى من مفسري الصحابة.
(الطبقة الثانية) هم التابعون، وهم تلامذة مفسري الصحابة، وهم مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وضحاك. ومن هذه الطبقة أيضا الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وعطاء بن أبي مسلم وأبي العالية ومحمد بن كعب القرطي وقتادة وعطية وزيد بن أسلم وطاوس اليماني (3).
(الطبقة الثالثة) تلامذة الطبقة الثانية، كربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأبو صالح الكلبي ونظرائهم (4). كان من منهج التابعين في التفسير أنهم ينقلونه أحيانًا بصورة أحاديث عن الرسول الكريم أو الصحابة، وأحيانًا ينقلونه بشكل نظريات خاصة بلا إسنادها إلى أحد، فعامل متأخر والمفسرين مع هذه الأقوال معاملة الأحاديث النبوية واعتبروها أحاديث موقوفة (5). ويطلق على الطبقتين الأخيرتين لفظة قدماء المفسرين.
(الطبقة الرابعة) أوائل المؤلفين في علم التفسير، كسفيان ابن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج وعبد بن حميد وغيرهم. ومن هذه الطبقة أيضًا ابن جرير الطبري صاحب التفسير المشهور (6). ومنهج هذه الطبقة من المفسرين كان نقل أقوال الصحابة والتابعين بشكل أحاديث في مؤلفاتهم التفسيرية بدون ذكر آرائهم الخاصة. إلا أن ابن جرير في تفسيره قد يبدي رأيه في ترجيح بعض الأحاديث على بعضها وكيفية الجمع بينها. ومن هذه الطبقة تبدأ طبقات المفسرين المتأخرين.
(الطبقة الخامسة) المفسرون الذين نقلوا الأحاديث في تفاسيرهم بحذف الأسانيد واكتفوا بنقل الأقوال والآراء. قال السيوطي: فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل (7). إلا أن المتدبر في الأحاديث المسندة يرى أيضًا كثيرًا من الوضع والدس، ويشاهد الأقوال المتناقضة تنسب إلى صحابي واحد، ويقرأ قصصًا وحكايات يقطع بعدم صحتها، ويمر على أحاديث في أسباب النزول والناسخ والمنسوخ لا تتفق مع سياق الآيات. ومن هنا نقل أن الإمام أحمد بن حنبل قال: ثلاثة لا أصل لها المغازي والملاحم وأحاديث التفسير. ونقل عن الإمام الشافعي أن الثابت من الأحاديث المروية عن ابن عباس مائة حديث فقط.
(الطبقة السادسة) المفسرون الذين كتبوا التفسير بعد ظهور العلوم المختلفة ونضجها، فكتب كل منهم حسب اختصاصه وفي العلم الذي أتقنه: فالنحوي أدرج المباحث النحوية كالزجاج والواحدي وأبي حيان (8)، والأديب أورد المباحث البلاغية كالزمخشري في كشافه (9)، والمتكلم اهتم بالمباحث الكلامية كالفخر الرازي في تفسيره الكبير (10) والصوفي غاص في المباحث الصوفية كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني في تفسيريهما (11)، والأخباري ملأ كتابه بالأحاديث كالثعلبي في تفسيره (12)، والفقيه جاء بالمسائل الفقهية كالقرطبي في تفسيره (13). وقد خلط جماعة آخرون في تفسيرهم بين العلوم المختلفة كما نشاهده في تفسير روح المعاني (14) وروح البيان (15) وتفسير النيسابوري (16).
والخدمة التي قدمتها هذه الطبقة إلى علم التفسير هي إخراجه من جموده وإخضاعه للدرس والبحث، ولكن الإنصاف يقتضي القول بأن كثيرًا من المباحث التي كتبها هؤلاء حملت على القرآن حملًا ولا تدل عليها الآيات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آخر كتاب الاتقان، طبع القاهرة سنة 1370 ه.
(2) الاتقان صع 120 133.
(3) مجاهد، مفسر مشهور، توفي سنة 100 أو سنة 103 (تهذيب الأسماء للنووي). سعيد بن جبير، مفسر معروف، تلميذ ابن عباس، قتله الحجاج سنة 94 (التهذيب). عكرمة، مولى ابن عباس وتلميذه وتلميذ سعيد بن جبير، توفي سنة 104 (التهذيب). ضحاك، من تلامذة عكرمة (لسان الميزان). الحسن البصري، زاهد ومفسر معروف، توفي سنة 110 (التهذيب). عطاء بن أبي رباح، فقيه ومفسر مشهور، من تلامذة ابن عباس، توفي سنة 115 (التهذيب). عطاء بن أبي مسلم، من أكابر التابعين، ومن تلامذة ابن جبير وعكرمة، توفي سنة 133 (التهذيب). أبو العالية، من أئمة التفسير وأكابر التابعين، كان في المائة الأولى من الهجرة (التهذيب). محمد بن كعب القرطي، مفسر معروف، وهو من أسرة يهودية من بني قريظة، كان في المائة الأولى من الهجرة. قتادة، أعمى، كان من أكابر المفسرين، وهو من تلامذة الحسن البصري وعكرمة، توفي سنة 117 (التهذيب). عطية، ينقل عن ابن عباس (لسان الميزان). زيد بن أسلم، مولى عمر بن الخطاب، فقيه ومفسر، توفي سنة 136 (التهذيب). طاوس اليماني، من أعلام عصره، وهو تلميذ ابن عباس، توفي سنة 106 (التهذيب).
(4) عبد الرحمن بن زيد، يعد من علماء التفسير. أبو صالح الكلبي، النسابة المفسر، وهو من أعلام القرن الثاني.
(5) الأحاديث الموقوفة هي التي لم يذكر فيها المروي عنه.
(6) سفيان بن عيينة، مكي من طبقة التابعين الثانية، وهو من علماء التفسير توفي سنة 198 (التهذيب). وكيع بن الجراح، كوفي من طبقة التابعين الثانية، ومن مشاهير المفسرين توفي سنة 197 (التهذيب). شعبة بن الحجاج البصري، من طبقة التابعين الثانية، وهو من مشاهير المفسرين، توفي سنة 160 (التهذيب). عبد بن حميد، صاحب تفسير، من طبقة التابعين الثانية، كان في القرن الثاني من الهجرة. ابن جرير الطبري، محمد بن جرير بن يزيد، من مشاهير علماء السنة، توفي سنة 310 (لسان الميزان).
(7) الاتقان 3 / 190.
(8) الزجاج، من علماء النحو، توفي سنة 310 (ريحانة الأدب). الواحدي، نحوي مفسر، توفي سنة 468 (الريحانة). أبو حيان الأندلسي، نحوي مفسر قارئ، توفي في مصر سنة 745 (الريحانة).
(9) الزمخشري، من مشاهير علماء الأدب، مؤلف تفسير الكشاف، توفي سنة 538 (كشف الظنون).
(10) الإمام فخر الدين الرازي، متكلم مفسر مشهور، صاحب تفسير مفاتيح الغيب، توفي سنة 606 (كشف الظنون).
(11) عبد الرزاق الكاشاني، من مشاهير علماء الصوفية في القرن الثامن الهجري (ريحانة الأدب).
(12) أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، صاحب التفسير المشهور، توفي سنة 426 أو 427 (الريحانة).
(13) محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، توفي سنة 668 (الريحانة).
(14) تأليف الشيخ إسماعيل حقي، توفي سنة 1137 (ذيل كشف الظنون).
(15) تأليف شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، توفي سنة 1270 (ذيل كشف الظنون).
(16) غرائب القرآن، تأليف نظام الدين حسن القمي النيسابوري، توفي سنة 728 (ذيل كشف الظنون).
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
د. سيد جاسم العلوي
السيد جعفر مرتضى
عدنان الحاجي
الشيخ محمد هادي معرفة
الشهيد مرتضى مطهري
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
ما هي حقيقة لقاء الله؟
علم التفسير وطبقات المفسرين
المشكلة الاستقرائية على ضوء المذهب التجريبي والمذهب الذاتي في المعرفة (1)
في المواجهة (2)
البروفيسور جعفر آل توفيق (المبتكر المثالي)
المواد الكيميائية في أدمغتنا وتأثيرها في سلوكنا (1)
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (3)
ميثم التمار (رض) شهيد العقيدة والولاء
الإسلام دين العمل والجهاد
العقل المستقيل