
السيد محمد حسين الطباطبائي
في قوله تعالى: ﴿..فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..﴾ المائدة: 52، دلالة على أنّ للقلوب مرضاً، فلها لا محالة صحّة، إذ الصحّة والمرض متقابلان، لا يتحقّق أحدهما في محلّ إلّا بعد إمكان تلبّسه بالآخر؛ كالبصر والعمى، ألا ترى أنّ الجدار مثلاً لا يتّصف بأنّه مريض لعدم جواز اتّصافه بالصحّة والسلامة؟!
وجميع الموارد التي أثبت الله سبحانه فيها للقلوب مرضاً، يذكر فيها من أحوال تلك القلوب وآثارها أموراً تدلّ على خروجها من استقامة الفطرة وانحرافها عن مستوى الطريقة كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ الأحزاب:12، وقوله تعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ..﴾ الأنفال:49.
وجملة الأمر أنّ مرض القلب تلبُّسُه بنوع من الارتياب والشكّ يكدّر أمرَ الإيمان بالله والطمأنينة إلى آياته، وهو اختلاط من الإيمان بالشرك، ولذلك يرِد على مثل هذا القلب من الأحوال، ويصدر عن صاحب هذا القلب في مرحلة الأعمال والأفعال ما يناسب الكفر بالله وبآياته.
وبالمقابلة، تكون سلامة القلب وصحّته هي استقراره في استقامة الفطرة ولزومه مستوى الطريقة، ويؤول إلى خلوصه في توحيد الله سبحانه وركونه إليه عن كلّ شي يتعلّق به هوى الإنسان.
ومن هنا يظهر أنّ الذين في قلوبهم مرض غيرُ المنافقين كما لا يخلو تعبير القرآن عنهما بمثل قوله: ﴿..الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ..﴾ الأنفال:49، في غالب الموارد عن إشعار ما بذلك، وذلك أنّ المنافقين هم الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، والكفر الخاصّ موتٌ للقلب لا مرضٌ فيه، قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..﴾ الانعام:122.
فالظاهر أنّ مرض القلب في عُرف القرآن هو الشكّ والريب المستولي على إدراك الإنسان فيما يتعلق بالله وآياته، وعدم تمكّن القلب من العقد على عقيدة دينية.
فالذين في قلوبهم مرض، بحسب طبع المعنى، هم ضعفاء الإيمان الذين يُصغون إلى كلّ ناعق، ويميلون مع كل ريح، دون المنافقين الذين أظهروا الإيمان واستبطنوا الكفر رعاية لمصالحهم الدنيوية ليستدرّوا المؤمنين بظاهر إيمانهم والكفّار بباطن كفرهم.
نعم، قد يُعبَّر في القرآن الكريم عن مرضى القلوب بـ«المنافقين»، وهذا التعبير ضربٌ من «التحليل»، وواقع الحال أنّ القرآن يريد أن مرضى القلوب كالمنافقين محرومون من «لطيفة الإيمان»، فهم بهذا اللحاظ مثلهم، ومثال ذلك في الآيات التالية حيث أطلق على مرضى القلوب لفظ المنافقين، قال تعالى: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا*الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا*وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ النساء:138-140.
وأمّا قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ الآية:8، إلى أن قال: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا..﴾ الآية:10، إلى أن قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ..﴾ الآية:13، فإنّما هو بيان لسلوك قلوبهم من الشكّ في الحقّ إلى إنكاره، وأنّهم كانوا في بادئ حالهم مرضى بسبب كذبهم في الإخبار عن إيمانهم وكانوا مرتابين لم يؤمنوا بعد، فزادهم الله مرضاً حتّى هلكوا بإنكارهم الحقّ واستهزائهم به.
علاج مرض القلب
ذكر الله سبحانه أنّ مرض القلب على حدّ الأمراض الجسمانية ربّما أخذ في الزيادة حتى أزْمنَ وانجرّ الأمر إلى الهلاك، وذلك إمداده بما يضرّ طبع المريض في مرضه، وليس إلّا المعصية، قال تعالى: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا..﴾ البقرة:10، وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ التوبة:124-125.
ثمّ ذكر تعالى أنّ علاج مرض القلب الإيمان به، قال تعالى - وهو بيان عام: ﴿..يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ..﴾ يونس:9، وقال تعالى: ﴿..إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..﴾ فاطر:10، فعلى مريض القلب - إن أراد مداواة مرضه - أن يتوب إلى الله، وهو الإيمان به، وأن يتذكّر بصالح الفكر وصالح العمل..
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
سيّدة الكساء
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (1)
إيمان شمس الدين
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
مجلس أخلاق
الشيخ حسين مظاهري
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الزهراء: مناجاة على بساط الشّوق
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
معنى (ملأ) في القرآن الكريم
برونزيّة للحبارة في مهرجان (فري كارتونز ويب) في الصّين
الزهراء: مناجاة على بساط الشّوق
سيّدة الكساء
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (1)
شعراء خيمة المتنبّي في الأحساء في ضيافة صالون قبس في القاهرة
(الثّقافة للشّباب) جديد الكاتب مهدي جعفر صليل
العدد الأربعون من مجلّة الاستغراب
الموعظة بالتاريخ