الشيخ جوادي آملي
إنّ القرآن الكريم يبيّن للأسماء الإلٰهيّة أحكاماً ومواصفات من قبيل أنّها منزّهة ومقدّسة كذاته المقدّسة وكذلك هي منشأ ومصدر لبركات كثيرة، وعليه فإنّها تعرِّف الإنسان بتكليفين يجب عليه القيام بهما في مقابل الأسماء الإلٰهيّة وهما:
1. تسبيح اسم الله: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيم﴾[1]، ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَىٰ﴾[2] وتسبيح وتقديس وتنزيه اسم الله يتمّ بأن لا يستعمل في شؤون الباطل ولا يُغفل عنه في عمل الحقّ ولا يذكر في جنبه اسم آخر. كما أنّ مقتضىٰ تسبيح وتقديس الذات الإلٰهيّة المقدّسة هو أن يُنفىٰ عنها كلّ نقص وأن تُعدّ تلك الذات مبدأً مستقلاًّ لكلّ أثر وأنّها المُنتهىٰ بالذات لكلّ صيرورة وأن لا يُجعل في جنب ذاتها أيّ ذات مستقلّة.
فكما أنّه يجب تنزيه الله سبحانه في مقام الذات من كلّ نقص وعيب فكذلك في مقام (الاسم) الّذي هو علامة ذاته المقدّسة يجب التقديس والتنزيه أيضاً، وإحدىٰ مراتب تنزيه الاسم الإلٰهيّ هي أن لا يذكر في عرض اسمه اسم آخر ولا في طوله. وعليه فإنّ مايقوله بعض المنحرفين: (باسم الله وباسم الشعب) غير جائز وكذا ما يقوله بعض الجهلة (باسم الله أولاً ثمّ باسم...) فهو غير صحيح، لأنّ مثل هذا الذكر لاسم الله هو إهانة وليس تنزيهاً.
وبعد نزول الآية الكريمة ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «اجعلوها في ركوعكم»، وبعد نزول الآية الكريمة ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَىٰ﴾ قال: «اجعلوها في سجودكم»[3] ولذلك شُرِّع في ركوع الصلاة ذكر «سبحان ربّي العظيم وبحمده» وفي سجود الصلاة «سبحان ربّي الأعلىٰ وبحمده» وهذا دليل علىٰ أهميّة تقديس اسم الله سبحانه.
2. التكليف الثاني أن يعتقد الناس بأنّ اسم الله مبارك وأن يتبرّكوا به ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام﴾.[4] فالقرآن الكريم يعتبر اسم الله مصدراً للبركات وهو علامة الوجود المحض الّذي تفيض منه جميع البركات الوجوديّة. والّذي يصل إلىٰ حقيقة اسم الله وينطق به فإنّه يستطيع أن يفعل (باسم الله) ما يفعله الله سبحانه نفسه بـ(كُن) ولذلك قال أهل المعرفة أنّ: (بسم الله الرحمٰن الرحيم) من العبد هي بمنزلة (كن) من مولاه.
الله سبحانه يحقّق كلّ مايريد بأمر (كن): ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون﴾[5]، كما أنّ النبيّ نوحاً (عليه السلام) سيطر علىٰ ذلك الطوفان المرعب وسكَّن تلك الأمواج الشبيهة بالجبال بواسطة اسم الله وكان يحرِّك سفينته المشهورة ويوقفها باسم الله: ﴿بِسْمِ اللهِ مَجْريٰها[6] وَمُرْسَاهَ﴾.[7]
والسرُّ في أنّ العبد الكامل يخلق من ألسنةِ النار روضةً أو يسيّرُ سفينته ويسكّنها في الطوفان الهائل المرعب وعلىٰ أمواج كالجبال، هو أنّ رغباته واراداته فانية في المشيئة الإلٰهيّة الحكيمة، وعلامة هذا الفناء هي أنّه لا يريد شيئاً سوىٰ إرادة الله. طبعاً مثل هذا الأمر يصدر من خواصّ عباد الله وأوليائه لا من كلّ ناطق (بسم الله).
وهذا النحو من الآثار قد جاء في الروايات أنّها (الاسم الأعظم) أيضاً، ولا ينبغي التوهّم أنّ الإسم الأعظم هو من سنخ اللفظ أو المفهوم حتّىٰ يمكن التأثير في التكوين بواسطة اللفظ أو المفهوم حيث يتمّ إحياء الميّت به أو يبدِّل النار المضطرمة إلىٰ حديقة غنّاء، لأنّ الخلق التكويني يتحقّق بواسطة المقام الإنساني لا باللفظ والمفهوم. وعليه فإنّ البحث بين الألفاظ والمفاهيم عن الاسم الأعظم لأجل التأثير به علىٰ العالم العينيّ عمل أسطوري تافه ومصيره الفشل، لأنّ عالم الوجود يُدار بالحقائق لا بالأساطير. وبسم الله إذا كانت صادرة من قلب الموحّد الكامل فإنّها تؤثّر علىٰ العالم العينيّ بإذن خالق الوجود، ولذلك يقول الإمام الرضا (عليه السلام): «إنّ بسم الله الرحمٰن الرحيم أقرب إلىٰ اسم الله الأعظم من سواد العين إلىٰ بياضها».[8]
فإذا استطاع أحد أن يصل كالأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) إلىٰ مقام الولاية الشامخ ونطق باسم الله في أعمال الخير مع مراعاة نظام العلّة والمعلول، ولم يركن أبداً إلىٰ قدرته وقوّته ولا علىٰ سائر الأسباب المعتادة بل رأىٰ أنّ الله وحده هو المؤثّر المطلق في العالم فعندها ستظهر آثار الاسم الأعظم في جنب قوله بسم الله، كما فعلت عصا موسىٰ وخاتم سليمان باليد الموسويّة والإصبع السليمانيّ:
أنـت أمـسـكـت العـصـا بـيد اليمين
هذه يدك فمن أين لك بيدي موسىٰ؟[9]
إذا لم يـكـن الإصـبـع إصبع سليمان
فـأيّ تـأثـير لنقـوش فـصّ الخـاتم
وعندما أبعد أبو ذر (رضيالله عنه) إلىٰ الربذة، ومع أنّ الحكومة آنذاك قد منعت من توديعه، فإنّ أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) وبعض خواصّ الصحابة كعقيل وعمّار قد حضروا لتوديعه. وفي ذلك الجمع تكلّم أمير المؤمنين مع أبي ذر بكلام جاء فيه: «والله لو كانت السماوات والأرض علىٰ عبد رتقاً ثمّ اتّقىٰ الله عزّ وجلّ جعل منها مخرجاً فلا يؤنسنّك إلاّ الحقّ ولا يوحشنّك إلاّ الباطل»[10] إذن لا ينبغي أن يركن الإنسان إلىٰ الوسائط والأسباب العاديّة الّتي هي مجاري الفيض الإلٰهيّ. وهذا النحو من الاعتماد علىٰ رزاقية الله سبحانه علامة التوجّه والتوكّل الكامل علىٰ الله والّذي يبلغ هذه المرتبة من المقام الإنساني فسوف يتذوّق طعم حلاوة الاسم الأعظم في حدود ما لديه من قدرة.
والملاحظة الأساسيّة هي أنّه علىٰ الرغم من أنّ نظام الوجود يسير وفقاً لنظام العلّة والمعلول لا علىٰ مسألة (عادة الله) فحسب، مع هذا فإنّ العلل المعروفة للمعاليل المعيّنة ليست عللاً منحصرة أبداً حتّىٰ يكون فقدان بعض شروطها مؤدّياً إلىٰ امتناع تحقّق المعلول، إذ يمكن أن يكون تحقّقها مستنداً إلىٰ شروط وظروف غير عاديّة أي يستند إلىٰ الكرامة (خرق العادة)، لا (خرق العليّة) والفرق بين هذا المعنىٰ وبين ماينقل عن الأشاعرة يتمّ بيانه في الموضع المناسب.
ـــــــ
[1] . سورة الواقعة، الآيتان 74 و96.
[2] . سورة الأعلىٰ، الآية 1.
[3] . وسائل الشيعة، ج6، ص328.
[4] . سورة الرحمٰن، الآية 78. والفيض الكاشاني ينقل قراءة (ذو الجلال والإكرام) أيضاً، وفي هذه الحالة فانّ (ذو الجلال) سوف يكون نعتاً مقطوعاً للإسم أي انّ اسم الله يتّصف بالجلال والإكرام (تفسير الصافي، ج5، ص117).
[5] . سورة يس، الآية 82.
[6] . تقديم (بسم الله) علىٰ (مجريٰها) و(مرسيٰها) هو من قبيل تقديم (ايّاك) علىٰ (نعبد) و(نستعين) يفيد الحصر فلم يقل نوح مجريٰها ومرسيٰها باسم الله بل جعل بسم الله مقدّماً لإفادة الحصر.
[7] . سورة هود، الآية 41.
[8] . نور الثقلين، ج1، ص8.
[9] . المثنوي، الدفتر الثاني، البيت 147، باللغة الفارسيّة.
[10] . روضة الكافي، ص170، ح251.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟