
الشيخ جوادي آملي
هناك حقيقة يُبيّنها القرآن الكريم حول المجاهدين في سبيل الله، وهي أنّ الله سبحانه ليس محتاجاً إلىٰ جهادهم، وإنّما هو الإنسان الّذي ينتفع بجهاده: ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين﴾[1]، وإلىٰ جانب بيان هذه الحقيقة للمجاهدين فإنّه أيضاً يعدهم بالهداية التكوينيّة و(المرافقة الخاصّة): ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين﴾[2] فالله سبحانه الّذي هو صاحب (سبلنا) يمسك بأيدي السالكين ويرافقهم في مراحل جميع الطريق خطوة بعد خطوة لأنّه دائماً معهم.
ولله سبحانه لونان من المعيّة: إحداهما المعيّة القيّوميّة المطلقة الّتي تطال جميع الأفراد وكلّ الأشياء: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُم﴾[3] ونتيجتها الهداية العامّة والشاملة: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ﴾[4]، والأخرىٰ هي المعيّة الخاصّة الّتي تقترن بالهداية الخاصّة، والهداية الخاصّة التكوينيّة الّتي هي محلّ البحث هي الهداية الخاصّة الّتي هي ثمرة للمعيّة الخاصّة: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُحْسِنُون﴾.[5] فالمعيّة المطلقة لا اختصاص لها بالمؤمنين بل إنّها تظهر حتّىٰ للمفسدين أيضاً وبصورة: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد﴾.[6]
وطلب الهداية في الآية: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم﴾ هو طلب للمعيّة والمرافقة الخاصّة الّتي هي من الله سبحانه للمحسنين والصالحين، وثمرتها الهداية التكوينيّة الخاصّة.
لقاء الإنسان بالله
إنّ إحدىٰ ميزات السلوك إلىٰ الله هي أنّ هدفه ومقصده النهائيّ هو الله الّذي لا حدّ له ولا منتهىٰ، وعليه فإنّ الطريق إليه أيضاً سوف يكون لا حدَّ له والإنسان في أيّ طريق يضع قدمه فإنّه سيصل إلىٰ الله، لكنّ لله أسماء حسنىٰ كثيرة، فكما هو (أرحم الراحمين) فهو أيضاً (أشدُّ المعاقبين) فبعض الناس يلاقون محبّة أرحم الراحمين وبعض السائرين ينتهي بهم الطريق إلىٰ لقاء غضب أشدّ المعاقبين.
وحول لقاء جميع الناس مع الله يقول القرآن الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ ٭ فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ٭ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً ٭ وَيَنقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً ٭ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ٭ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ٭ وَيَصْلَىٰ سَعِير﴾[7] فبعض يأخذون كتابهم بيمينهم ويرجعون إلىٰ أهليهم ورفاقهم في الفكر والعقيدة وبعض آخر يؤتون كتابهم من وراء ظهورهم ويلقون في النار المستعرة. وأولئك هم المجرمون الّذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم: ﴿فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم﴾[8]، وأخذ الكتاب يوم القيامة من وراء الظهر هو تجسّم لأعمالهم في الدنيا. إذن فلا يُتصوّر أنّ الإنسان لا يصل إلىٰ لقاء الله، بل الجميع سائرون نحو لقاء الله، غاية الأمر أنّ الإنسان يجب أن يسعىٰ للقاء جمال الله الغفّار والستّار لا لقاء جلال الله القهّار.
والناس في بلوغ لقاء الله كالمياه الّتي تجري لتصبَّ في البحر، فالأنهار الكبيرة تتقدّم وتستمرّ حتّىٰ تصل إلىٰ أعماق البحر، ولكنّ الجداول الصغيرة لا تصل إلاّ إلىٰ بداية البحر.
ولا أحد يستطيع أن يفرَّ من لقاء الله وأن يُعجِزَ الله: ﴿وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولٰئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُون﴾[9]، ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُو﴾.[10] فالكفّار أينما اتّجهوا فسيواجهون عذاباً أشدَّ من كلّ عذاب: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لاَ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ ٭ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَد﴾[11] لكنّ بين كلّ الطرق الّتي تنتهي إليه، هناك طريق مستقيم واحد وبقيّة الطرق كلّها منحرفة: ﴿وَأَنَّ هٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُل﴾[12] فما عدا الطريق الّذي يوصل الإنسان إلىٰ (الله الرحمٰن) والّذي يطلبه الإنسان المصلّي في هذه الآية الكريمة، فالطرق الأخرىٰ كلّها تيه وضلالة وتنتهي إلىٰ (الله المنتقم). والإنسان الضالّ والتائه أيضاً يُهدىٰ إلىٰ مقصده وهدفه الأخير (جهنّم): ﴿فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم﴾.[13] والضالّون وإن لم يلاقوا جمال الله: ﴿كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُون﴾[14] لكنّهم يلاقون الجلال والقهر الإلٰهي لأنّهم أنفسهم يقولون: ﴿رَبَّنَا ابْصَرْنَا وَسَمِعْنَ﴾.[15]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] . سورة العنكبوت، الآية 6.
[2] . سورة العنكبوت، الآية 69.
[3] . سورة الحديد، الآية 4.
[4] . سورة طه، الآية 50.
[5] . سورة النحل، الآية 128.
[6] . سورة الفجر، الآية 14.
[7] . سورة الانشقاق، الآيات 6 ـ 12.
[8] . سورة آل عمران، الآية 187.
[9] . سورة سبأ، الآية 38.
[10] . سورة الانفال، الآية 59.
[11] . سورة الفجر، الآيتان 25 ـ 26.
[12] . سورة الانعام، الآية 153.
[13] . سورة الصافّات، الآية 23.
[14] . سورة المطفّفين، الآية 15.
[15] . سورة السجدة، الآية 12.
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
السيد جعفر مرتضى
حياتنـا كما يرسمها الدين
السيد علي عباس الموسوي
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الشيخ محمد علي التسخيري
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
الدكتور محمد حسين علي الصغير
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
السيد عباس نور الدين
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
عدنان الحاجي
معنى (جنب) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
الحسد والحاسدون
الشيخ محمد جواد مغنية
{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ}
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
بغداد في تدوينات المعتزلي الأخير
أثير السادة
السيّدة المعصومة: ملتقى الجمال والجلال
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
بماذا كان يدين النّبيّ (ص) قبل البعثة؟
حياتنـا كما يرسمها الدين
اتجاهات التفسير في المكي والمدني
الألفاظ الدالة على الأصوات في القرآن الكريم
هل أنا زائد عن الحاجة؟
كيف تنمو دوافع الخير والكمال في أبنائنا؟
ضرر قاعدة مناقشة الخلافات الزوجية والطرفان غاضبان أكثر من نفعها!
(اكتب خطّة حياتك خطوة بخطوة) باكورة أعمال الدّكتورة إيمان المعلّم
معنى (جنب) في القرآن الكريم
الحسد والحاسدون