الشفاعة منها تكوينية، ومنها تشريعية، فأمّا الشفاعة التكوينية فجملة الأسباب الكونية شفعاء عند الله بما هم وسائط بينه وبين الأشياء. وأمّا الشفاعة التشريعية، وهي الواقعة في عالم التكليف والمجازات، فمنها ما يستدعي في الدنيا مغفرة من الله سبحانه أو قرباً وزلفى، فهو شفيع متوسّط بينه وبين عبده. ومنه التوبة كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾، ويعمّ شموله لجميع المعاصي حتّى الشرك.
ومنه الإيمان قال تعالى: ﴿وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ، إلى قوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ومنه كل عمل صالح.قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ﴾والآيات فيه كثيرة، ومنه القرآن لقوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، ومنه كلّ ما له ارتباط بعمل صالح، والمساجد والأمكنة المتبركة والأيام الشريفة، ومنه الأنبياء والرسل باستغفارهم لأممهم.قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾، ومنه الملائكة في استغفارهم للمؤمنين، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾، وقال تعالى: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ ومنه المؤمنون باستغفارهم لأنفسهم ولإخوانهم المؤمنين. قال تعالى حكاية عنهم ﴿َاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا﴾ومنها الشفيع يوم القيمة، بالمعنى الّذي عرفت، فمنهم الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ إلى أن قال: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾، فإن منهم عيسى بن مريم وهو نبيّ، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، والآيتان تدلان على جواز الشفاعة من الملائكة أيضاً لأنّهم قالوا إنّهم بنات الله سبحانه.
ومنهم الملائكة، قال تعالى: ﴿وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى﴾، وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾. ومنهم الشهداء لدلالة قوله تعالى: ﴿وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾،على تملّكهم للشفاعة لشهادتهم بالحقّ، فكلّ شهيد فهو شفيع يملك الشهادة غير أنّ هذه الشهادة كما مرّ في سورة الفاتحة وسيأتي في قوله تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ شهادة الأعمال دون الشهادة بمعنى القتل في معركة القتال، ومن هنا يظهر أنّ المؤمنين أيضاً من الشفعاء فإنّ الله عزّ وجلّ أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ﴾، كما سيجيء بيانه.
بماذا تتعلّق الشفاعة؟
قد عرفت أنّ الشفاعة منها تكوينية تتعلّق بكلّ سبب تكويني في عالم الأسباب ومنها شفاعة تشريعية متعلّقة بالثواب والعقاب فمنها ما يتعلّق بعقاب كلّ ذنب، الشرك فما دونه كشفاعة التوبة والإيمان قبل يوم القيامة ومنها ما يتعلّق بتبعات بعض الذنوب كبعض الأعمال الصالحة، وأمّا الشفاعة المتنازع فيها وهي شفاعة الأنبياء وغيرهم يوم القيامة لرفع العقاب ممن استحقّه بالحساب، فقد عرفت في الأمر الثالث أنّ متعلّقها أهل المعاصي الكبيرة ممن يدين دين الحقّ وقد ارتضى الله دينه.
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الفيض الكاشاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ حسن المصطفوي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ محمد مهدي النراقي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
تشخيص المجاز العقلي في القرآن وعند العرب
معنى قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾
إنجاز دوليّ جديد للفنّان أمين الحبارة
(زهيريّات أنثى) جديد الشّاعرة نوال الجارودي
(ند) جديد الشّاعر حبيب المعاتيق
المعاناة تحرّر
خارطة الولاء والبراءة في النفس والمجتمع
التوبة بالندم على الذنب
ما المقصود بالقِدَم؟
صفة الذّات وصفة الفعل