
زَعموا أنّ في القرآن تعابير جافية لا تتناسب وأدب الوحي الرفيع؛ وذلك في مثل التعبير بالفَرج وهو اسم لسَوءة المرأة، والتعبير بالخيانة بشأن أزواج أنبياء الله، وهو فَضح امرأة تكون في حَصَانة زوجٍ كريم، والتعبير بخسَؤُوا والتشبيه بالحِمار والكلب، وكذا سائر التعابير الغليظة الجافّة في مثل (تَبَّتْ)، (1) و (امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (2)، والدعاء بالشرّ (قَاتَلَهُمُ اللّهُ) (3)... ومن أمثال هذا القبيل قد توجد في القرآن ممّا لا يوجد نظيره في غير من الكُتُب ذات الأدب الرفيع.
لكنّه زَعمٌ فاسدٌ ناشئ عن الجهل بمصطلح اللغة ذلك العهد، وخلط القديم بالجديد من الأعراف، وإليك تفصيل الكلام عن ذلك:
(الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا)
جاء هذا التعبير في القرآن في موضعَين (4) فعابوا التصريح بسَوءة المرأة!
لكنّه تعبير كنائي وليس بصريح؛ حيث المراد مِن الفَرج هنا هو خصوص جيب القميص وهو خَرقٌ مطوّق في أسفله.
قال ابن فارس: الفاء والراء والجيم، أصلٌ صحيحٌ يدلّ على تفتّح في الشيء، من ذلك: الفُرجة في الحائط وغيره والشقّ، والفُرُوج: الثُغور التي بين مواضع المـَخافة (5).
قال: والجيب، جيب القميص (6) وهو خَرقٌ مستطيل في قدّامه، يقال: جِبْتُ القميص، قَوَّرت جيبه وهو خَرقُه مِن وَسَطه خَرقاً مُستديراً، وفي القرآن: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (7) وهو خَرقٌ في صدر القميص، ويقال: فلانٌ ناصح الجيب أي أمينه (8) ويقال: طاهر الجيب أي نزيهه.
فالفَرج في هكذا تعابير هي فُرجة القميص أي جيبه، وهو عبارة عن خَرقٌ مطوّق في أسفله، حسب العادة في قمصان العرب، فإحصان الفَرج عبارة عن طهارة الذيل أي نزاهته عن دَنَس الفحشاء (9).
وهو استعمال على الأصل العربي القديم والّذي جرى عليه القرآن الكريم على المصطلح الأَوّل، أمّا أخيراً فغُلّب استعماله في سَوءة المرأة وهو استعمال مُستَحدث، لا يُحمل القرآن عليه، قال تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ) (10)، (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ... وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) (11) كلّ ذلك كناية عن التحفظ على نزاهة الذيل عن دَنَس الفحشاء، وليس اسماً خاصّاً للسَوءة ولا سيّما سَوءة المرأة.
(فَخَانَتَاهُمَا)
قال تعالى (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) (12).
عابوا فَضحَ امرأة هي زوجةُ عبدٍ صالح!
لكن التعبير بالخيانة هنا لا يُراد بها ارتكاب الفحشاء، كلاّ! وإنّما هو مجرّد مخالفة الزوج وإنكار رسالته، قال الفيض الكاشاني: فَخَانَتاهما بالنفاق والتظاهر على الرسولَين (13).
وهو تعريض ببعض أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله) بإفشاء سرّه والتظاهر عليه، كما جاء في صدر السورة؛ ومِن ثَمّ فهو خطاب وعتاب مع تلك الأزواج: (إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) (14).
قال ابن عبّاس: لم أَزل حريصاً أنْ أسأل عمر عن المرأتَين من أزواج النبيّ اللتَين قال الله بشأنهما: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما...) حتّى حجّ عمر وحَجَجتُ معه، فلمـّا كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرّز ثُمَ أتى فصببت على يديه فتوضّأ فقلت: يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان من أزواج النبيّ اللتان قال الله بشأنهما ذلك؟ فقال: واعجباً لك يا ابن عبّاس، هما عائشة وحفصة، ثم أنشأ يُحدّثني بحديثهما في ذلك (15).
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسد 111: 1.
(2) المسد 111: 4.
(3) التوبة 9: 30، المنافقون 63: 4.
(4) في سورة الأنبياء: 91: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا)، والتحريم: 12: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا).
(5) معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 498.
(6) المصدر: ج 1، ص 491 و 497.
(7) النور 24: 31.
(8) لسان العرب، ج 1، ص 288.
(9) ونظيره جاء التعبير في الفارسيّة بـ (باكي دامن).
(10) الأحزاب 33: 35.
(11) النور 24: 30 و 31.
(12) التحريم 66: 10.
(13) تفسير الصافي، ج 2، ص 720.
(14) التحريم 66: 4.
(15) راجع: الدرّ المنثور، ج 8، ص 220.
حقيقة التّكبّر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
معنى (فره) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
كيف تعزز الرضاعة الطبيعية جهاز مناعة الرضيع؟
عدنان الحاجي
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
الشيخ محمد جواد مغنية
كيف نحافظ على الفطرة قوية فاعلة؟
السيد عباس نور الدين
أنت أيضًا تعيش هذا النّمط الخطير من الحياة!
الشيخ علي رضا بناهيان
رأس العبادة، آدابٌ للدعاء
الشيخ شفيق جرادي
الملائكة وسائط في التدبير
السيد محمد حسين الطبطبائي
البحث التاريخي
السيد جعفر مرتضى
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
على غالق
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
حقيقة التّكبّر
معنى (فره) في القرآن الكريم
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الرمان قد يحدّ من مخاطر المكملات الغذائية الرياضية المثيرة للجدل
كيف تعزز الرضاعة الطبيعية جهاز مناعة الرضيع؟
زكي السالم: حين تُتخم بالمصطلحات والاستعراض الأجوف
على ذراعيكِ نبتت مَدينة
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
من آيات عظمة الله سبحانه
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!