سؤال أثارته ظاهرة الوقف على (إِلَّا اللَّهُ) من قوله تعالى: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ثم الاستئناف لقوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) «1» وما ورد في بعض الأحاديث من اختصاص علم التأويل باللّه تعالى، وأنّ الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، وإنما يكلون علمه إلى اللّه سبحانه؛ من ذلك ما ورد في خطبة الأشباح من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام: «فانظر أيّها السائل، فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمّ به واستضئ بنور هدايته، ومما كلّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأئمة الهدى أثره، فكل علمه إلى اللّه سبحانه. فإن ذلك منتهى حقّ اللّه عليك».
«واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب. فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علمًا، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخًا، فاقتصر على ذلك، ولا تقدّر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين» «2» هذه الخطبة من جلائل الخطب وأعلاها سندًا، فلا مغمز في صحّة إسنادها، وإنما الكلام في فحوى المراد منها.
وقد أجمع شرّاح النهج «3» على أنّ مراده عليه السّلام بهذا الكلام هو الصفات، وأنّ صفاته تعالى إنما يجب التعبّد بها والتوقف فيها دون الولوج في معرفة كنهها؛ إذ لا سبيل إلى معرفة حقيقة الصفات، كما لا سبيل إلى معرفة حقيقة الذات.
حيث قوله عليه السّلام: «فما دلّك القرآن من صفته فائتمّ به، وما كلّفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه».
إذ من وظيفتنا أن نصفه تعالى بما وصف به نفسه في كلامه: سميع بصير، حكيم عليم، حيّ قيوم... ولم نكلّف الولوج في معرفة حقائق هذه الصفات منسوبة إلى اللّه تعالى؛ إذ ضربت دون معرفتها السّدد والحجب، فلا سبيل إلى بلوغها؛ فيجب التوقف دونها.
إذن فلا مساس لكلامه عليه السّلام هنا، مع متشابهات الآيات التي لا ينبغي الجهل بها للراسخين في العلم؛ حيث تحلّيهم بحلية العلم هي التي مكّنتهم من معرفة التنزيل والتأويل جميعًا.
نعم لا نتحاشى القول بأنهم في بدء مجابهتهم للمتشابهات يقفون لديها، وقفة المتأمّل فيها؛ حيث المتشابه متشابه على الجميع على سواء، لولا أنهم بفضل جهودهم في سبيل كشفها وإرجاعها إلى محكمات الآيات صاروا يعرفونها في نهاية المطاف. فعجزهم البادئ كان من فضل رسوخهم في العلم، بأنّ المتشابه كلام صادر ممن صدر عنه المحكم، فزادت رغبتهم في معرفتها بالتأمّل فيها والاستمداد من اللّه في العلم بها، ومن جدّ في أمر وجده بعون اللّه.
فوجه تناسب استشهاده عليه السّلام بهذه الآية بشأن الصفات محضًا، هو العجز البادئ لدى المتشابهات، يقرّبه الراسخون في أوّل مجابهتهم للمتشابهات، وإن كان الأمر يفترق في نهاية المطاف.
قال ابن أبي الحديد: إن من الناس من وقف على قوله: (إِلَّا اللَّهُ). ومنهم من لم يقف. وهذا القول أقوى من الأوّل؛ لأنه إذا كان لا يعلم تأويل المتشابه إلّا اللّه لم يكن في إنزاله ومخاطبة المكلّفين به فائدة، بل يكون كخطاب العربي بالزنجيّة، ومعلوم أن ذلك عيب قبيح.
وأما موضع يَقُولُونَ من الإعراب، فيمكن أن يكون نصبًا على أنه حال من الراسخين، ويمكن أن يكون كلامًا مستأنفًا، أي هؤلاء العالمون بالتأويل، يقولون: آمنّا به.
وقد روي عن ابن عباس أنه تأوّل آية، فقال قائل من الصحابة: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) فقال ابن عباس: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) وأنا من جملة الراسخين. «4»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) آل عمران / 7.
(2) الخطبة رقم 91 نهج البلاغة. وبحار الأنوار، ج 4، ص 277.
(3) راجع: منهاج البراعة للراوندي، ج 1، ص 382. وابن أبي الحديد، ج 6، ص 404. وابن ميثم البحراني، ج 2، ص 330، شرح الخطبة. والمنهاج للخوئي، ج 6، ص 310.
(4) شرح النهج لابن أبي الحديد، ج 6، ص 404 - 405.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان