قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

القرآن كتاب كامل ودائم ومستقلّ في دلالته

القرآن كتاب كامل

 

القرآن الكريم يحتوي على الغاية الأسمى التي يهدف إليها الانسانية ويبينها بأتم الوجوه، لأن الوصول إلى الغاية الأسمى لا يمكن إلا بالنظرات الواقعية للكون والعمل بالأصول الأخلاقية والقوانين العملية، وهذا ما يتولى شرحه القرآن بصورة كاملة حيث يقول: (يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم) (1). ويقول في موضع آخر بعد ذكر التوراة والإنجيل: (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا) (2).

 

وبيانًا لاشتماله على حقيقة شرائع الأنبياء يقول: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) (3). وفي احتوائه على سائر الأشياء يقول: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء) (4).

 

ومختصر ما في الآيات السابقة: أن القرآن يحتوي على الحقائق المبينة في الكتب السماوية وزيادة، وفيه كل ما يحتاج إليه البشر في سيره التكاملي نحو السعادة من أسس العقائد والأصول العملية.

 

القرآن كتاب دائم

 

القرآن ينص على تمامية كلامه وكماله، فيقول: (إنه لقول فصل . وما هو بالهزل) (5). وهكذا تكون المعارف الحقة، حقيقة خالصة وواقع محض، والأصول الأخلاقية والقوانين العملية التي بينها القرآن هي نتيجة تلك الحقائق الثابتة، ولا يتطرق إليها البطلان ولا تنسخ بمضي الأعوام والقرون، يقول تعالى: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (6).

 

ويقول: (وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (7). ولا يخفى أن أبحاثًا كثيرة كتبت حول أحكام القرآن وأنها دائمة لا تختص بوقت من الأوقات..

 

القرآن مستقل في دلالته

 

القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلم به الناس، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة وليس فيه خفاء على المستمعين. ولم نجد دليلًا على أنه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله. أما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن أي إنسان عارف باللغة العربية بإمكانه أن يدرك معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي.

 

وبالإضافة إلى هذا نجد في كثير من الآيات يخاطب طائفة خاصة كبني إسرائيل والمؤمنين والكفار، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس (8) ويحاججهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو كانوا في شك أنه من عند الله تعالى. وبديهي أنه لا يصح التكلم مع الناس بما لا مفهوم واضح له، كما لا يصح التحدي بما لا يفهم معناه.

 

وزيادة على هذا يقول تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) (9). ويقول: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا) (10). تدل الآية على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم والتدبر يرفع ما يتراءى بالنظرة الأولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح أن الآيات لو لم تكن لها دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للتدبر والتأمل، كما لم يبق مجال لحل الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل.

 

وأما ما ذكرنا من أنه لا دليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن، فلأننا لم نجد هكذا دليل لذلك إلا ما ادعاه بعض من أننا في فهم مرادات القرآن يجب أن نرجع إلى ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ما أثر عنه وعن أهل بيته المعصومين عليهم السلام.

 

ولكن هذا ادعاء لا يمكن قبوله، لأن حجية قول الرسول والأئمة عليهم السلام يجب أن تفهم من القرآن الكريم، فكيف يتصور توقف حجية ظواهره على أقوالهم عليهم السلام. بل نزيد على هذا ونقول: إن إثبات أصل النبوة يجب أن نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند... وهذا الذي ذكرناه لا ينافي كون الرسول والأئمة عليهم السلام عليهم بيان جزئيات القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لم نجدها في ظواهر القرآن، وأن يكونوا مرشدين إلى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية:

 

(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (11). (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (12). (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) (13). (هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (14).

 

يفهم من هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل الشريعة، وهو المعلم الإلهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم السلام هم خلفاء الرسول في ذلك. وهذا لا ينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الأحقاف: 30.

(2) سورة المائدة: 48.

(3) سورة الشورى: 13.

(4) سورة النمل: 89.

(5) سورة الطارق: - 14 . 15.

(6) سورة يونس: 32.

(7) سورة السجدة: 42.

(8) أمثال يا أيها الذين كفروا ويا أهل الكتاب ويا بني إسرائيل ويا أيها الناس.

(9) سورة محمد: 24.

(10) سورة النساء: 82.

(11) سورة النحل: 44.

(12) سورة الحشر: 7.

(13) سورة النساء: 64.

(14) سورة الجمعة: 2 .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد