إن القرآن الكريم الذي يدعو إلى التفكير والاستنتاج الفكري ويعتبر التفكير عبادة، ولا يرى أصول العقائد صحيحة إلا بالتفكير المنطقي، يهتم بموضوع أساسي وهو أن زلات البشر الفكرية من أين تأتي؟ وأين تقع جذور الأخطاء والضلالات؟ فإذا أراد الإنسان أن يفكر صحيحًا بحيث لا يصادف خطأ وانحرافًا ماذا عليه أن يعمل؟.
قد ذكر في القرآن الكريم عددًا من الأمور باعتبارها موجبات الأخطاء والضلالات وعللها نذكرها كما يلي:
1- الاعتماد على الظن بدل العلم واليقين:
يقول القرآن الكريم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ..} (الأنعام//116). يخالف القرآن الكريم في آيات كثيرة اتباع الظن بشدة، ويقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ...} (الإسراء/36).
وقد أصبح من المسلّم اليوم من الناحية الفلسفية أن أحد العوامل الرئيسية لحدوث الأخطاء والاشتباهات هو هذا. وقد قرر ديكارت من بعد القرآن بألف عام وجعل هذا أول أصوله المنطقية وقال: لا أرى كل شيء حقيقة حتى يكون لي بديهيًّا، وأحذر من العجلة وسبق الذهن والميول، ولا أقبل إلا المتميز الواضح إلى حد بحيث لا يبقي فيه شك (1- سير حكمت در أوربا، الجزء الأول).
2- الرغبات والميول النفسية:
إذا أراد الإنسان أن يحكم بصورة صحيحة عليه أن يكون محايدًا في الموضوع الذي يفكر حوله، أي أنه يحاول أن يكون باحثًا عن الحقيقة ويخضع للأدلة والوثائق كالقاضي تمامًا الذي ينظر في أضبارة عليه أن يكون محايدًا بالنسبة لطرفي الدعوى. فإذا كان القاضي طرف الأدلة التي لمصلحة الطرف الآخر وضد ذلك الطرف بصورة تلقائية، وهذا ما يسبب خطأ القاضي.
فإذا لم يحتفظ الإنسان بحياد نفسه تجاه نفي موضوع أو إثباته، وتكون رغبته النفسية تنحاز إلى جهة تدور عقربة فكره تلقائيًّا وبدون أن يشعر نحو ميوله النفسية ورغباتها. ولهذا يعتبر القرآن هوى النفس كالظن أحد عوامل الزلل، يقول في سورة النجم: {.. إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ ..} (النجم/23).
3- العجلة:
إن كل حكم وإبداء رأي يحتاج إلى بعض الوثائق اللازمة، وما زالت الوثائق الكافية للقضية لما تجتمع، فكل إبداء رأي بصورة عجلة يؤدي إلى الزلة، ويكرر القرآن الكريم إشارته إلى قلة مادة البشر العلمية وعدم كفايتها لبعض الأحكام الكبيرة، ويعتبر إبداء القطع بعدًا عن الاحتياط. فمثلاً يقول: {.. وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء/85).
وقال الأمام الصادق عليه السلام: إن الله خص عباده وأدبهم في آيتين من القرآن، أحداهما: أن لا يصدقوا بشيء ما لم يحيطوا به علمًا (العجلة في التصديق) والأخرى: أن لا ينكروا ويردوا شيئًا ما لم يحيطوا به علمًا إلى مرحلة اليقين (العجلة في الإنكار).
وقال الله في آية: {..أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ..} (الأعراف/169). وقال في آية أخرى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (يونس/39).
4- التمسك بالسنّة والنظر إلى الماضي:
إن الإنسان بحكم طبيعته الأولى عندما يرى فكرة أو عقيدة خاصة كانت موضع قبول الأجيال الماضية يتقبلها تلقائيًّا دون أن يعطي مجال التفكير لنفسه، فالقرآن ينبه على ألا تقبلوا متقبّلات الماضين وموارد تصديقهم قبل قياسها بمقياس العقل. وليكن لكم استقلال فكري أمام مصدّقات الماضين، ففي سورة البقرة يقول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}.
5- النزعة الشخصية:
إن إحدى موجبات زلل الفكر الأخرى هي التمسك بالشخصيات (النزعة الشخصية) فالشخصيات التاريخية العظيمة أو المعاصرة يتركون أثرًا على أفكار الآخرين وإراداتهم من ناحية عظمة نفوسهم، وفي الحقيقية أنهم يحتلون فكر الآخرين وإراداتهم، فالآخرون يفكرون بما يفكر هؤلاء، ويقررون بما يقرر هؤلاء، ويفقد الآخرون أمامهم استقلالهم الفكري والإرادي.
فالقرآن الكريم يدعونا للاستقلال الفكري، ويعتبر التقليد الأعمى من العظماء والشخصيات موجبًا للشقاء الأبدي. ولذا فهو ينقل عن لسان الذين ضلوا عن هذا الطريق بأنهم يقولون يوم القيامة: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} (الأحزاب/67).
الشيخ فوزي آل سيف
محمود حيدر
السيد منير الخباز القطيفي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشهيد مرتضى مطهري
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان