قال الله الحكيم في كتابه الكريم: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ). «1»
ويشير قبل هذه الآيات في بيان تعريف التوحيد والإشارة إلى وحدة ذات الحقّ القدسيّة في جميع الشؤون والأمور، فيقول جلّ شأنه: (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ). «2»
فهذه الآيات تُبيِّن بوضوح أنّ منطق القرآن هو الدعوة إلى التوحيد، ذلك التوحيد المحض الخالص في جميع الشؤون دون شائبة، والدعوة إلى المعاد، أي أنّ مبدأ ومعاد جميع العوالم والكائنات ومن جملتها الإنسان منحصران في الذات القدسيّة الربوبيّة، فالمقصد والمقصود في جميع الأمور - التكوينيّة والتشريعيّة أو غيرهما - هو الله سبحانه، له الطاعة لا يشركه فيها سواه، وهو الحاضر والناظر والمهيمن والمسيطر على جميع الموجودات، وهو الذي له مع كلّ موجودٍ معيّة ذاتيّة وصفاتيّة وأسمائيّة.
وعليه، فينبغي الخضوع أمام ربٍّ ودود ورحيم بهذه الصفات، والقيام بعبادته ودعائه على الدوام، والانقطاع عن كلّ ما سواه وكلّ من عداه، وإيكال زمام أمور الدين والدنيا والآخرة إليه سبحانه، فذلك هو النهج القويم، والعمل وفق أساس عالم الخلقة، وتبعيّة الإنسان للحقّ والحقيقة، لا للأوهام والخيال والشكّ والريب.
وليست الشهادة في اللغة العربيّة بمعنى مُطلق بيان العلم، بل هي بمعنى الحضور، ولأنّ الشاهد ينبغي أن يكون حاضراً ليشهد على ما حضره وعاينه، فقد دُعي كلام هذا الشاهد شهادةً، وجميع مشتقّات هذه الكلمة كالشَّهيد والشَّاهِد والمَشْهُود وغيرها هي من هذا القبيل، أي أنّها تستبطن جميعاً معنى الحضور، وهي لهذا تستعمل بهذا اللحاظ في المعاني والمقاصد المختلفة.
وعليه، فالآية القائلة: (قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) تُنبئ أوّلًا أنّ دعوة القرآن هي للتوحيد الخالص لأنّها مشفوعة بقوله: (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)؛ فيعلم أنّ دعوة هذا الكتاب الإلهيّ إنّما هي لهذا النوع من التوحيد.
وتنبئ ثانياً بعدم اختصاص القرآن بأفراد وزمان النبيّ الأكرم، بل هو شامل كذلك لجميع الأزمنة والعصور، كما أنّه لا يختصّ بالناطقين بالعربيّة، بل هو حجّة في جميع الألسن واللغات، لأنّه بتصريحه بكلمة (وَمَن بَلَغ)َ فقد جعل الإنذار والوعيد الإلهيّ موجّهاً لكلّ فرد من أفراد البشر يصله القرآن ومحتواه، واعتبر الحجّة الإلهيّة تامّة عليه، سواء بلغته آيات القرآن بالعربيّة أم مترجمة بلغة أخرى، مكتوبة له أم مقروءة، مشافهةً أم بالبثّ الإذاعيّ وأمثال ذلك.
وقد وردت في القرآن الكريم نظائر لكلمة شهيد وأمثالها، مثل (رَقيب وحَفيظ ومُحِيط) في شأن الله تعال ، كما في قوله: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). «3»
ومثل: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ). «4» ومثل: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ). «5». ومثل: (إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً). «6»
ونظير الآيات المباركة في سورة الأنعام في دعوة القرآن الكريم إلى التوحيد الخالص والمطلق للذات الأحديّة المقدّسة في جميع الشؤون هناك آيات في سورة يونس تماثلها في المضمون.
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). «7»
ويتّضح ممّا ذكر أنّ القرآن حجّة علينا نحن الذين أطللنا على الوجود بعد نزوله بأربعة عشر قرناً، نحن الذين نعيش في منطقة جغرافيّة تختلف عن منطقة نزوله، بل هو حجّة مستمرة إلى يوم القيامة وعلى جميع نقاط الأرض، ولا مفرّ ولا مهرب من قبوله والعمل به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الآيات 17 إلى 19 ، من السورة 6 . الأنعام.
(2) - الآيات 12 إلى 16 ، من السورة 6 . الأنعام.
(3) - الآية 117 ، من السورة 5 . المائدة.
(4) - الآيتان 53 و 54 ، من السورة 41 . فصّلت.
(5) - الآية 57 ، من السورة 11 . هود.
(6) - الآية 1 ، من السورة 4 . النساء.
(7) - الآيات 104 إلى 107 ، من السورة 10 . يونس.
السيد محمد باقر الصدر
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
كشكول الشيخ البهائي
سلامة القرآن من التحريف (1)
المحنة في المفهوم القرآنيّ
مدرسة أهل البيت عليهم السلام في وجه التحريف
مكانة التوكّل في التمهيد للظهور
نعم، أنا مع تمكين المرأة، ولكن...
لماذا يتجنّب النّاس الأعمال التي تتطلّب جهدًا؟
بصدد التنظير لقول عربي مستحدث في نقد الاستغراب (2)
بصدد التنظير لقول عربي مستحدث في نقد الاستغراب (1)
التّعامل مع سلوك الأطفال، محاضرة لآل سعيد في بر سنابس