بعد المأساة الكبرى التي حصلت في يوم العاشر من محرم 61 هـ، بدأ الفصل الثاني من كتاب النهضة الحسينية وهو الذي كتبته السبايا بحبر آلامها ومداد أحزانها. ونتناول باختصار قضية كانت ولا تزال مدار أخذ ورد بين الباحثين والكتّاب وما عرف بقضية الأربعين، وتعني أن ركب الأسارى قد أخذ من كربلاء في اليوم الحادي عشر من المحرم إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، ثم عاد من الشام إلى كربلاء ليصل بالرأس في العشرين من صفر في نفس السنة، مستغرقًا في ذلك أربعين يومًا!
وفيما ذهب بعض الباحثين إلى أن قبول هذا المعنى والقول بإمكانه هو من باب (حدث العاقل بما لا يكون) رأى آخرون بأنه ممكن ليس هذا فحسب بل هو واقع وتصدقه الأحداث والأرقام التي ساقوها للبرهنة على كلامهم.
ثم إن الذين نفوا إمكانية الأمر لم يتفقوا على نتيجة واحدة، ففيما احتمل البعض أنهم استغرقوا شهوراً في الذهاب والمجيء - ولم يحددوا عدد الأشهر- رأى بعض آخر أن الرجوع إلى كربلاء في شهر صفر ربما كان في سنة أخرى أي (سنة 62هـ) لا في نفس السنة.
وينبغي الإشارة إلى أن سفر السبايا كان متوقعاً من البداية، فيما أخبر عنه الإمام الحسين عليه السلام "شاء الله أن يراهن سبايا" كما نقله في اللهوف.
ويظهر أن المشكلة الأساسية التي تعترض قبول أن تتم هذه الرحلة خلال أربعين يومًا هي الأمور التالية:
1/ أن هناك قولاً بأن ابن زياد بعدما حملت السبايا إليه في الكوفة، وأشبع غروره في عرضهن على أهل الكوفة، أرسل إلى يزيد بن معاوية يسأله عن ماذا يصنع بهن؟ وهل يرسلهن إليه في الشام أو ماذا؟ ومع فرض هذه المسافة حتى لو كانوا يستخدمون رواحل البريد فإن هذا يقتضي على الأقل أسبوعاً من الذهاب ومثله من العودة[342] فهذه أربعة عشر يومًا.
2/ إن الطريق الأعظم وهو المسمى بالسلطاني مع كثرة المنازل التي مروا بها فيه، وبقاؤهم في بعضها أياماً سيستغرق على الأقل شهرًا من الزمان (إن لم يكن شهرين كما قال بعضهم) حتى يصلوا إلى الشام، فإذا أضفنا إليها أسبوعين فهذه 44 يوماً وهم لا يزالون لم يصلوا إلى الشام.
3/ لقد بقي ركب السبايا في الشام مدة تتراوح بين عشرة أيام وشهر من الزمان، فإذا أضيفت إلى المدة السابقة يعظم الإشكال والسؤال، ويبقى زمان العودة من دمشق إلى كربلاء وهو أيضاً يعظّم الإشكال.
وقد قدمت عدة أجوبة، منها ما ذكره المحقق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية وهو يؤكد حصول السفر والعودة خلال أربعين يومًا ويقدم في تاريخ المراقد ما يشبه الدليل التفصيلي للرحلة بحسب الأيام والمناطق، ونختصره في الأمور التالية:
الأول: إن ركب السبايا لم يبق فترة طويلة في الكوفة، بل انطلق منها باتجاه الشام في اليوم التاسع عشر من محرم، أي بعد نحو أسبوع من قدومهم للكوفة، ولا نعتقد أن ابن زياد كان يحتاج إلى أن يستشير يزيد بن معاوية في كل خطوة يخطوها (فلا شخصية ابن زياد كانت بهذا النحو من الخضوع والانتظار ولا يزيد كان يطالب ابن زياد بمثل ذلك، فإنه أطلق في يديه حرية التصرف وكان يريد النتيجة وهي القضاء على الحسين عليه السلام وجعله عبرة لمن يعتبر). نعم لا مانع من قبول ما ذكره بعضهم من أن ابن زياد قد أرسل إلى يزيد في الشام رسولاً يخبره بالنصر، وقيل إنه زجر بن قيس فأخبره بذلك ولكن هذا لا يحتاج إلى أن يذهب ويرجع ويأتي بالجواب.
الثاني: إن الطريق الذي سلكه ركب السبايا في الذهاب يختلف عنه في العودة، فقد سلكوا في الذهاب الطريق السلطاني والغرض منه واضح وهو أن يستعرضوا في المناطق والمدن انتصارهم، ويتفرج الناس في هذه المناطق على مصير من يثور على السلطة الأموية هذا إذا كان بمستوى شخصية الحسين عليه السلام، ومع ذلك حصل له ولأنصاره من القتل ولنسائه من السبي ما حصل، فما ظنك بمن يكون أدنى منه منزلة؟
إلا أنهم في طريق الرجوع لم يكونوا بحاجة إلى هذا فقد انتفى هذا العامل، بل لقد حصل متغير جديد وهو تنصل يزيد من قتل الحسين عليه السلام واتهامه ابن زياد بأنه تسرع في الأمر ولم يكن ذلك عن أمر يزيد، وبناء على ذلك فقد كان يريد يزيد التخلص من ركب السبايا بأسرع ما يمكن حتى يغلق هذا الملف، فكان يحتاج إلى طريق أكثر اختصاراً وقليل النظارة والمناطق فاتخذوا طريق بادية الشام باتجاه العراق، وهو الطريق الذي يسميه المرحوم السيد الأمين بطريق عرب عقيل فقد نقل الطبسي عن صاحب الأعيان في كتابه «.. والمشهور أنّهم وصلوا إلى كربلاء في العشرين من صفر، ومنه زيارة الأربعين الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام للحسين عليه السلام.. وقد يستبعد ذلك بأنّ المسافة بين العراق والشام تقطع في نحو من شهر، ولابدّ يكونوا بقوا في الشام مدّة، فكيف يمكن استيعاب الذهاب والإياب والبقاء في الشام، والذهاب للكوفة والبقاء فيها أربعين يوماً؟ !ويمكن دفع الاستبعاد بأنّه يوجد طريق بين الشام والعراق يمكن قطعه في أسبوع لكونه مستقيماً، وكان عرب عقيل يسلكونه في زماننا، وتدلّ بعض الأخبار على أنّ البريد كان يذهب من الشام للعراق في أسبوع، وعرب صليب يذهبون من حوران للنجف في نحو ثمانية أيّام فلعلّهم سلكوا هذا الطريق وتزوّدوا ما يكفيهم من الماء، وأقلّوا المقام في الكوفة والشام، واللّه أعلم».
الثالث: وهو مفتاح القضية الأساس، أننا عندما ننظر إلى طريقة الأسفار وسير القوافل في تلك الأزمنة، سنجد أنها تتوافق تمامًا مع ما تؤكده الروايات القائلة بأنهم وصلوا إلى دمشق أول صفر، وبقوا فيها نحو تسعة أيام ثم غادروها باتجاه كربلاء على الطريق المذكور فوصلوها خلال تسعة أيام.
وبيانه: أن معدل سرعة الناقة في الساعة هو عشرون كيلو متراً، بحسب مقاييس هذا الزمان، ومعدل سير الناقة في اليوم والذي يكون حدود ثمان ساعات (قد تبدأ في السحر أو بعده لا سيما في أيام الحر) سيكون 160 كيلومترا في اليوم.
وربما يكون قد اختلط على بعضهم الأمر في تقدير أنه كم يقطع الإنسان من المسافة في كل يوم، إذ توجد روايات تفيد بأنه بريدان وبأنه إذا قطع ذلك فقد شغل يومه، أو تعبير بياض يوم وقدروا مشيه في اليوم نحو ثمانية فراسخ والتي تعادل ٤٤ كيلو متراً. لكن هذا التقدير صادق في المشي دون الانتقال على ظهور الجمال، والتي - هي مثلما تقدم-ـ يصل ما تقطعه إلى حوالي 160 كيلومتراً. (كمعدل متوسط).
ويترتب على هذا أنه لو فرضنا أن الطريق السلطاني الذي اختاره الأمويون في طريق الذهاب يصل إلى 2100 كيلومترًا، فإنه بتقسيمه على ما ذكر من معدل ما تقطعه النياق من مسافة وهو 160 كيلومترًا أو تزيد قليلاً، فسيكون الناتج أنه يمكن قطع هذه المسافة في 13 يوماً وهو يتفق مع المعطيات التي تذكر تاريخيًّا من أنهم وصلوا إلى دمشق أول صفر، لأنه عندما يضاف 13 يوماً إلى اليوم 19 من محرم حيث خرجوا من الكوفة ستكون النتيجة منسجمة.
ونفس الكلام حينما نطبقه على طريق العودة الذي نفترض أنه كان عبر بادية الشام وهو ما تكلم عنه السيد الأمين فإنه مع افتراض كونه بحدود الألف كيلومتر أو تزيد، مع ملاحظة ما تقطعه النياق في اليوم 160 كيلومتراً، يتناسب مع المذكور من أنهم خرجوا يوم 11 صفر سنة 61 هـ ووصلوا يوم العشرين من نفس الشهر وهو الموافق لمرور أربعين يوماً على شهادة الإمام عليه السلام.
الرابع: أن طريق الذهاب وهو كما أفاده المحقق الكرباسي يمر بحوالي 37 منزلاً وقرية ومحلاً، لم يكن استقبال الناس فيه على منهج واحد فإن المؤرخين كما ينقلون أن بعض المدن والمناطق قد رحبت بالجند الأموي واحتفت بوصولهم، وزودتهم بالميرة والماء وما يحتاجون إليه فإن هناك من القرى والبلدات ما كان على عكس ذلك، إذ أبدى أهلها تعاطفاً مع السبايا والأسارى، وشتموا الجنود ورموهم بالأحجار وأزعجوهم عن البقاء في مناطقهم، وبطبيعة الحال هذا سوف يسرع في عملية طي الطريق، لا سيما إذا كان الموقف السلبي في تلك القرى والبلدات تجاه الجند الأموي يشكل نسبة عالية قد تصل إلى أربعين في المائة من مجموع تلك البلدات والقرى.
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
شعراء عائلة المؤمن: لأبكينَّك شعرًا
مقدار ما سُلبَ من نساء أهل البيت (ع)
زينب (ع) شاهدة النهضة
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (1)
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
ليلة وحشة زينب (ع)
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (1)
ما جدوى إقامة الشعائر الحسينيّة؟