قال تعالى: «قَدْ بَيَّنَّا الْأَيتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» «1». وقال تعالى: «وَفِى الْأَرْضِ ءَايتٌ لّلْمُوقِنِينَ * وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» «2» وقال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَلمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بَآيتِنَا يُوقِنُونَ» «3». وقال تعالى: «وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» «4». وقال تعالى: «وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» «5».
اليقين من صفات العلم، وهو سكون العلم وثباته وإتقانه بانتفاء الشكّ والشبهة عنه بالاستدلال أو الإشراق. ومتعلّقه في هذا الباب مطلق ما يجب الإذعان به من: المُبْدء تعالى، وصفاته، وملائكته، وكُتبه، ورُسله، واليوم الآخر، وجميع آياته، وما أنزله على أنبيائه من شرائعه. وهو بهذا المعنى أشرف صفات النفس وأعلاها وأفضلها وأسماها، وهو الذي عبّر عنه بالاطمئنان في قصّة إبراهيم الخليل؛ فإنّه لمّا استدعى من ربّه أن يريه إحياء الموتى، قال تعالى: «أَوَ لَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لّيَطْمَلِنَّ قَلْبِى» «6». فأقرّ أوّلًا بالإيمان الذي هو التصديق والعلم، ثمّ سأل ما يزداد به الإيمان حتّى يكون يقيناً، وببيانٍ آخر أنّه سأل أن يرتقي بمشاهدة العيان من علم اليقين إلى عين اليقين، وقد ذكر تعالى في الآية الثانية: أنّ الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة لا تنفع كما ينبغي، ولا تكشف عن وجه الحقيقة كما يليق، إلّا لمن تزيّن بهذه الفضيلة النفسيّة والكرامة الإلهيّة. وذكر في الآية الثالثة: أنّ الملاك في اختيار الصفوة من الناس للإمامة وهداية المجتمع الإنساني هو الصبر واليقين، وهما وصفان فاضلان لكلّ منهما تأثير متقابل في الآخر، فالصبر في إقامة أحكام الدين وحدوده يزيد في اليقين، واليقين يزيد في الصبر.
وفي النصوص الواردة عن أهل البيت في المقام ما يغني عن كلّ شيءٍ؛ فقد ورد «أنّ اليقين أفضل من الإيمان» «7»، «فإنّ الإيمان فوق الإسلام، والتقوى فوق الإيمان، واليقين فوق التقوى، فما من شيءٍ أعزّ من اليقين» «8»؛ وذلك لأنّ الإقرار بالشهادتين إسلام، والإذعان بالقلب بعده إيمان، والعمل بالإذعان تقوى، وكمال الإيمان بالعمل يقين.
وأنّ الصادق عليه السلام قال لمن لم يحصل له اليقين: «إنّما تمسّكتم بأدنى الإسلام، فإيّاكم أن ينفلت من أيديكم» «9». وأنّه «لم يقسم بين الناس شيء أقلّ من اليقين» «10». وأنّ اليقين تظهر آثاره وتتجلّى حقيقته في الموقن بأمورٍ أكملها أربعة: التوكّل، والتسليم، والرضا، والتفويض. التوكّل على اللَّه في تنجّز مقاصده عند التوسّل بأسبابها، والتسليم لأحكامه وحكومة ولاة أمره، والرضا بما قضى عليه ربّه في الحوادث الجارية عليه في حياته، والتفويض الكامل في كلّ ذلك بحيث يَرى نفسَه وقدرتَه مضمحلّةً في جنب إرادة ربّه وقدرته، وهذا من مراتب القانتين.
وأنّه «ليس شيء إلّا وله حدّ، وحدّ اليقين أن لا تخاف مع اللَّه شيئاً» «11». وأنّ من صحّة اليقين وتمامه أن لا يرضي الناس بسخط اللَّه، وأن لا يلومهم على ما لم يؤتهم ربّهم؛ فإنّ الأمر بيد اللَّه «12». و«أنّ اللَّه جعل الروح والراحة في اليقين» «13».
و«أنّ العمل الدائم القليل على اليقين أفضل من العمل الكثير على غير يقين» «14». و«أنّ من الكنز الذي كان لغلامين يتيمين تحت الجدار صحيفة فيها ذكر اليقين وبعض آثاره» «15». وأنّ النبي صلى الله عليه وآله نظر إلى شابٍّ في المسجد يخفق ويهوي برأسه مصفرّاً لونه قد نحف جسمه، فقال: «كيف أصبحت»؟ قال: أصبحت موقناً، فعجب صلى الله عليه وآله من قوله، وقال: «إنّ لكلّ يقينٍ حقيقة، فما حقيقة يقينك؟» قال: إنّ يقيني هو الذي أحزنني، وأسهر ليلي، وأظمأ هَو أجري؛ فعزفتْ نفسي عن الدنيا وما فيها حتّى كأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم معذّبون مصطرخون، وكأنّي الآن أسمع زفير النار يدور في مسامعي. فقال صلى الله عليه وآله: «هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالإيمان» ثمّ قال له: «الزم ما أنت عليه» «16».
و«أنّ أوّل صلاح هذه الأمّة كان بالزهد واليقين» «17». وأنّ «خير ما ألقي في القلب اليقين» «18». وأنّ النّبي سأل جبرئيل عن تفسير اليقين، قال: «المؤمن يعمل للَّهكأنّه يراه» «19». وأنّه «كفى باليقين غنىً» «20». وأنّ عليّاً عليه السلام قال: «سلوا اللَّه اليقين، وخير ما دام في القلب اليقين، والمغبوط من غبط يقينه» «21».
و«أنّ اليقين يوصل العبد إلى كلّ مَقامٍ سَنيٍّ» «22». وأنّه ذكر عند النبي أنّ عيسى بن مريم كان يمشي على الماء، فقال: «لو زاد يقينه لمشى في الهواء، فالأنبياء يتفاضلون على اليقين، وكذا المؤمنون» «23». و«أنّ النوم على اليقين خير من الصلاة في الشكّ» «24». وأنّه «إنّما سُمّيت الشبهة شبهةً لأنّها تشبه الحقّ. وأمّا أولياء اللَّه فضِياؤهم فيها اليقين» «25». وأنّه «يجب طرح واردات الأمور بحُسن اليقين» «26».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). البقرة (2): 118.
(2). الذاريات (51): 20 - 21.
(3). السجدة (32): 24.
(4). الأنعام (6): 75.
(5). البقرة (2): 4.
(6). البقرة (2): 260.
(7). الكافي، ج 2، ص 51، ح 1؛ وص 57، ح 3؛ علل الشرائع، ج 2، ص 56، ح 1 عن الإمام الصادق عليه السلام.
(8 ). الكافي، ج 2، ص 52، ح 2؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 136، ح 2 عن أبي الحسن عليه السلام مع اختلاف يسير في اللفظ.
(9). الكافي، ج 2، ص 52، ح 4؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 137، ح 3.
(10). الكافي، ج 2، ص 52، ح 5؛ التمحيص، ص 63، ح 145 عن الإمام الباقر عليه السلام؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 138، ح 4.
(11). الكافي، ج 2، ص 57، ح 1؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 142، ح 6 عن الإمام الصادق عليه السلام ملخّصاً.
(12). الكافي، ج 2، ص 57، ح 2؛ التمحيص، ص 52، ح 99؛ تحف العقول، ص 377 عن الإمام الصادق عليه السلام مع اختلاف يسير في اللفظ.
(13). الكافي، ج 2، ص 57، ح 2، عن الإمام الصادق عليه السلام ملخّصاً.
(14). الكافي، ج 2، ص 57، ح 3؛ علل الشرائع، ج 2، ص 559، ح 1؛ تحف العقول، ص 359 عن الإمام الصادق عليه السلام.
(15). راجع: الكافي، ج 2، ص 58، ح 6؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 152، ح 11.
(16). الكافي، ج 2، ص 53، ح 2؛ المحاسن، ج 1، ص 25، ح 265، عن الإمام الصادق عليه السلام ملخّصاً.
(17). الأمالي، للصدوق، ص 297، ح 333؛ الخصال، ص 79، ح 128، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.
(18). من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 376، ح 5767 عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؛ الأمالي للصدوق، ص 576، ح 788 عن الإمام الصادق عليه السلام.
(19). معاني الأخبار، ص 261، ح 1 عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 172، ح 27.
(20). الكافي، ج 2، ص 85، ح 1؛ التمحيص، ص 61، ح 135، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.
(21). المحاسن، ج 1، ص 248، ح 254؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 176، ح 33 ملخّصاً.
(22). مصباح الشريعة، ص 177؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 179، ح 45 عن الإمام الصادق عليه السلام مع اختلاف في اللفظ.
(23). مصباح الشريعة، ص 177؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 179، ح 45 عن الإمام الصادق عليه السلام مع اختلاف يسير في اللفظ.
(24). نهج البلاغة، ج 4، ص 22، الحكمة 97؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 181، ح 51.
(25). نهج البلاغة، ج 1، ص 89، الخطبة 38؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 181، ح 51.
(26). نهج البلاغة، ج 3، ص 55، الرسالة 31؛ بحار الأنوار، ج 70، ص 181، ح 51.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي المشكيني
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (3)
في مفهوم ولطائف آية: (وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)
في اليقين
فكرة المجتمع في نهج البلاغة
التّعاصر بين العلّة والمعلول
الأشهر القمرية هي الأشهر الطبيعية
السّلامة الشّاملة بالعربيّة، جديد الكاتب مصطفى مهدي آل غزوي
إبراهيم عليه السلام من المذبح إلى الإمامة
فتح صفحة جديدة مع الله تعالى
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (2)