مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ علي آل محسن
عن الكاتب :
وُلد عام ١٣٧٧هـ في مدينة سيهات، التحق بالمدارس الحكومية وبعد إنهاء المراحل الدراسية الثلاثة والتخرج من الثانوية التحق بالجامعة لدراسة الطب، ولكنه تركها عام ١٣٩٨ للهجرة إلى مدينة قم المقدسة لطلب العلوم الدينية. عاد إلى القطيف عام ١٤٠٥هـ ومن ثم هاجر إلى النجف الاشرف مطلع عام ١٤١٦هـ وحضر البحث الخارج عند فقهائها وعلمائها البارزين، من مؤلفاته: دليل المتحيرين في بيان الناجين، الردود المحكمة، من هو خليفة المسلمين في هذا العصر وغيرها

ما الدليل على استحباب البكاء على الإمام الحسين؟

قال بعض المخالفين: يقول الشيعة: إن البكاء على الحسين مستحب! فهل هذا الاستحباب مبني على دليل أم على هوًى؟! وإذا كان على دليل فما هو؟! ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذي تزعمون أنكم أتباعهم؟!

إن البكاء على الإمام الحسين عليه السلام سواء أكان ناشئاً عن دليل صحيح أم كان منبعثاً عن هوى فإنه ليس بقبيح، وليس بمحرَّم، بل هو فعل حسن؛ لأن الشيعة إنما يبكون على رجل يكفي أنه سيِّد شباب أهل الجنة، مضافاً إلى أنه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، الذي قد ثبت بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحبّه؟

ولو أنا سمعنا برجل شريف قُتل مظلوماً أشنع قتلة، وقُتل معه أبناؤه وإخوته، وأصحابه، بغير حق، ورُضَّ جسمه الشريف بالخيول بعد قتله، وجعل رأسه على رأس رمح طويل يطاف به من بلد إلى بلد، ثم سبُيت نساؤه وبناته وأخواته المصونات، يتصفّح وجوههن الشريف والوضيع، وبكينا على هذا الرجل بدل الدموع دماً لما كنا ملومين في ذلك، فكيف به إذا كان من سادات المسلمين، بل من سادات أهل الجنة؟

إن رسول الله صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل قتله بسنين كثيرة، وأحاديث أهل  السنة التي يعتد بها هذا المخالف تدل على ذلك.

 

فقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: «لا يدخل عليَّ أحد»، فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل، فقال: إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: تحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم، قال: إن أمَّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها (كربلاء)، فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أحيط بحسين حين قتل قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء، قال: صدق الله ورسوله، أرض كرب وبلاء. (المعجم الكبير 3/108، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني بأسانيد).

وأخرج أيضاً بسنده عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، أنه سافر مع علي رضي الله تعالى عنه، فلما حاذى نينوى، قال: صبراً أبا عبد الله، صبراً بشط الفرات، قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: هل أغضبك أحد يا رسول الله؟ ما لي أرى عينيك مفيضتين؟ قال: قام من عندي جبريل عليه السلام، فأخبرني أن أمتي تقتل الحسين ابني، ثم قال: هل لك أن أريك من تربته؟ قلت: نعم، فمد يده فقبض، فلما رأيتها لم أملك عيني أن فاضتا. (المعجم الكبير 3/176، قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 7/90: رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل وأبو يعلى بسند صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد، أبو يعلى، والبزار، والطبراني، ورجاله ثقاة، ولم ينفرد نجي بهذا).

 

وأخرج أيضاً بسنده عن عائشة، قالت: دخل الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فنزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منكب، ولعب على ظهره، فقال جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبه يا محمد؟ قال: يا جبريل، وما لي لا أحب ابني، قال: فإن أمَّتك ستقتله من بعدك، فمدَّ جبريل عليه السلام يده، فأتاه بتربة بيضاء، فقال: في هذه الأرض يقتل ابنك هذا يا محمد، واسمها الطف، فلما ذهب جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتربة في يده يبكي، فقال: يا عائشة، إن جبريل عليه السلام أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطف، وأن أمتي ستفتتن بعدي، ثم خرج إلى أصحابه، فيهم علي، وأبو بكر، وعمر، وحذيفة، وعمار، وأبو ذر رضي الله تعالى عنهم وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أن فيها مضجعه. (المعجم الكبير 2/113).

وأخرج البوصيري بسنده عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في بيتي، فجاء الحسين يدرج، قالت: فقعدت على الباب، فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت: ثم غفلت في شيء فدبَّ، فدخل فقعد على بطنه، قالت: فسمعت نحيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت فقلت: يا رسول الله ما علمت به. فقال: إنما جاءني جبريل عليه السلام وهو على بطني قاعد، فقال لي: أتحبه؟ فقلت: نعم. قال: إن أمَّتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يُقتل بها؟ قال: فقلت: بلى. قال: فضرب بجناحه، فأتاني هذه التربة. قالت: فإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول: ليت شعري من يقتلك بعدي؟!

 

قال البوصيري: رواه عبد بن حميد بسند صحيح، وأحمد بن حنبل مختصراً عن عائشة أو أم سلمة على الشك. (اتحاف الخيرة المهرة 7/90). إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

فإذا كان النبي صلى الله عليه وآله بكى على الإمام الحسين عليه السلام قبل مقتله بسنين كثيرة، فإن من بكى عليه سلام الله عليه بعد ذلك فقد تأسَّى برسول الله صلى الله عليه وآله، وهذا كافٍ في ثبوت استحباب البكاء على الإمام الحسين عليه السلام.

إن أئمة أهل البيت عليهم السلام أمروا شيعتهم بالبكاء على الإمام الحسين عليه السلام، والروايات الدالة على ذلك كثيرة:

منها: ما رواه ابن قولويه بسنده عن أبي جعفر عليه السلام، قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما السلام دمعة حتى تسيل على خدِّه، بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذىً مسَّنا من عدوّنا في الدنيا بوَّأه الله بها في الجنة مبوَّأ صدق، وأيما مؤمن مسَّه أذى فينا، فدمعت عيناه حتى تسيل على خدّه من مضاضة ما أوذي فينا، صرف الله عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. (كامل الزيارات: 201).

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعته يقول: إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي عليهما السلام، فإنه فيه مأجور. ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل له، قال: ومن ذكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله عزَّ وجل، ولم يرضَ له بدون الجنة.

ومنها: ما رواه أيضاً بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: إن الحسين عليه السلام مع أبيه وأمّه وأخيه في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعه يُرزَقون ويُحبَرون، وإنه لعَنْ يمين العرش متعلق به، يقول: يا ربِّ أنجز لي ما وعدتني، وإنه لينظر إلى زوَّاره، وإنه أعرف بهم، وبأسمائهم، وأسماء آبائهم، وما في رحالهم، من أحدهم بولده، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له، ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: «أيها الباكي لو علمتَ ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت»، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة.

 

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تحث على البكاء على الإمام الحسين عليه السلام، وترغب فيه. وأما قول المخالف: «ولماذا لم يفعل ذلك أحد من أئمة أهل البيت الذين تزعمون أنكم أتباعهم؟!» فجوابه: أنه يكفي أن النبي صلى الله عليه وآله فعله كما مرَّ في الروايات الصحيحة التي رواها أهل السنة أنفسهم، ومع ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا نحتاج إلى النظر في فعل باقي أئمة أهل البيت عليهم السلام.

هذا مضافاً إلى أن أهل البيت عليهم السلام مارسوا البكاء عمليًّا، وحسبك الروايات الدالة على بكاء الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فهي مستفيضة.

فقد روى الشيخ الصدوق في الخصال بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: ولقد بكى [الإمام زين العابدين عليه السلام] على أبيه الحسين عليه السلام عشرين سنة، وما وُضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: يا ابن رسول الله أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك، إن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابناً، فغيَّب الله عنه واحداً منهم، فابيضَّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حيًّا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي، وأخي، وعمي، وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟! (الخصال: 518).

وفي حديث آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاؤون خمسة: آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، وعلي بن الحسين عليه السلام.

إلى أن قال: وأما فاطمة عليها السلام فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة، فقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، وكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء، فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليه السلام فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يوسف: 86]، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة. (الخصال: 272).

وروى ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن أبي هارون المكفوف، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السلام، قال: فأنشدته، فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقة -، قال: فأنشدته: امرُرْ على جَدَثِ الحسينِ، فَقُلْ لأعظُمِهِ الزكيَّةْ... قال: فبكى، ثم قال: زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف الستر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السلام شعراً فبكى وأبكى عشراً كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كُتبت له الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كُتبت لهما الجنة، ومن ذُكر الحسين عليه السلام عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرضَ له بدون الجنة. (كامل الزيارات: 208).

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على ما قلناه.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد