عندما أطلت شمس الإسلام على أفق العالم وعم ضوؤه أرجاء الإنسانية، كانت الدنيا تنقسم إلى حاضرتين:
الأولى: هي مجموعة الأمم المتحضرة من قبيل إمبراطورية الروم وفارس، والأمم التي تعيش في حواضر مصر والحبشة والهند والصين. والمرأة في هذه الأمم كان لها حكم الأسير، فهي إنسان بيد أنّه يفتقد إلى حرية الإرادة والعمل، ويحرم من المزايا الاجتماعية العامة، فالمرأة في هذه الأمم لا ترث، ولا يحترم عملها، وهي تبع للرجل في الملبس والمأكل والسكن والزواج والطلاق، ليس لها حق التصرف في هذه الشؤون ولا تملك الاستقلال في المعاشرة والتصرّف بالمال ونظائر ذلك.
المرأة في هذه المجتمعات كانت تابعة للرجل في جميع ضروب النشاط الإنساني لا تستطيع أن تنفلت قيد شعره عن إرادته وولايته، وحين يقع العدوان عليها ليس لها الحق في الشكوى أو التظلّم وإن فعلت لا يعتنى بها، وإنما للرجل أن يقوم بالدعوى لو شاء.
الثانية: مجموعة الأمم والقبائل المتخلفة نظير أهالي إفريقيا وغيرهم من الأقوام المبثوثين في أرجاء المعمورة. هؤلاء لم يعدّوا المرأة إنسانًا أصلًا، فهي عندهم في صف الحيوان ولا تعدو أن تكون وجودًا طفيليًّا في المجتمع، وهي كالجراثيم المضرة غير أن للمجتمع حاجة ضرورية إليها.
المرأة بين هؤلاء الأقوام تقوم بأشق الأعمال وأكثرها وضاعة - في مقياسهم - كالصيد وحمل الأثاث وخدمة الرجال، والتمريض، ورعاية الأطفال، مضافًا إلى أنها كانت تطفئ شهوة الرجل زوجًا كان أو غيره. أما في أوقات القحط والمجاعة، وعند الولائم والضيافات، فكانت تقتل ويقدّم لحمها طعامًا على موائد الضيوف! على هذه الصورة الإجمالية كانت أوضاع العالم في نظرة الأمم والأقوام إلى المرأة حين بزغت شمس الإسلام وأطلّ بنوره على البشرية.
أما وضع العرب في الجزيرة فقد كان ينطوي على خصوصية معينة. فقبائل الجزيرة كانت خارجة عن إطار الأمم المتمدنة الكبيرة في أرض الروم وفارس والحبشة ومصر، وهي في الداخل كانت محصورة بين يهود يثرب وأطرافها ونصارى اليمن والعراق.
هذه القبائل كانت تتخذ الوثنية دينًا، وهي في أعراف الحياة وتقاليدها كانت تجمع بين مؤثرات الأمم المشار إليها، حتى انتهى التفاعل وعلاقات التأثير إلى أن تكون لها خصوصية ينطوي عليها مثالها الحياتي.
وهكذا نخلص إلى أنّ حواضر الروم وإيران والأمم الأخرى كانت تسحق عامة حقوق المرأة، وتنظر إليها تابعًا لإرادة الرجل دون أن تقيم لها وزنًا اجتماعيًّا.
وبتأثير الأخلاق البدوية عدّت المرأة عارًا في نظر قبائل الجزيرة العربية، يثير وجودها النفرة والتشاؤم، حتى أنّ بني تيم بدءوا - لواقعة معروفة مع النعمان بن المنذر أسرت فيها عدّة من بناتهم - بوأد البنات، قبل أن تسري في غيرهم من القبائل.
وبخصوص هذه الرؤية الجاهلية السائدة حول المرأة نقرأ التصوير القرآني: (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ يُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) «1» وعن الوأد يتحدث القرآن في مكان آخر: (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) «2».
في مثل هذا المحيط الذي ترسف فيه المرأة تحت نير الاضطهاد والظلم، جاء الإسلام لينظر إليها بوصفها جزءًا حقيقيًّا في الاجتماع الإنساني وعضوًا كاملًا فيه. لقد حرّر الإسلام المرأة ومنحها الحرية في الإرادة والعمل.
والمرأة في الرؤية الإسلامية ترث تمامًا كما يرث الرجل عن أسلافه وأهله وذوي قرابته كالأب والأخ والعم والخال، سواء أكانت في بيت أبيها أو زوجة لرجل. ولها أن تقوم بما تراه من الأعمال الحياتية شرط أن يكون مشروعًا، وهي حرّة في الاختيار، ولأعمالها قيمة اجتماعية بحيث تنال ما تستحق من الاحترام.
وبالنسبة لما يأتيها من عملها فهو لها؛ ولها الحق الكامل في التظلم والشكوى عبر الرجوع مباشرة إلى المراجع المتخصصة. وحين يصيبها العدوان لها أن تقيم الدعوى والشهود لإثبات حقوقها والمطالبة برد الحيف والظلم عنها.
وليس للرجل أي لون من الولاية والقيمومة والتحكّم على المرأة وهي تقطع المراحل المشار إليها من مسيرها الحياتي. يقول تعالى: (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) «3»، ويقول تعالى: (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) «4».
وإنّ سيرة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) هي المجال التطبيقي الحيوي الذي يزخر بتفاصيل هذه الرؤية الإسلامية إلى المرأة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النحل: 59.
(2) التكوير: 9.
(3) البقرة: 234.
(4) النساء: 7.
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد باقر الحكيم
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان