الليلة الرابعة من محرم 1446 هـ
آية الله السيد منير الخباز
هل صدرت من النبي محمد (ص) اجتهادات خاطئة؟
المركز الإسلامي (ميشيغان)
بسم الله الرحمن الرحيم
"فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ".
آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.
موضوعنا في هذه الليلة حول اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله: هل كان النبي يجتهد فيما لا نص فيه؟ أم أن ليس للنبي فرصة للاجتهاد! وهل كان اجتهاد النبي صلى الله عليه وآله معرضًا للخطأ والصواب كاجتهاد سائر المجتهدين أم لا؟ حتى نتناول هذه النقطة نتحدث في محورين:
المحور الأول: حول العصمة.
المحور الثاني: حول الأدلة التي أقيمت على أن النبي كان يجتهد شأنه شأن سائر المجتهدين الذين قد يصيب اجتهادهم وقد يخطئ.
نجي إلى المحور الأول: ما هي العصمة؟ ما هي مجالات العصمة؟ ما هو الدليل على هذه العصمة في هذه المجالات؟ العصمة لها تعريفات ثلاثة عند علمائنا:
التعريف الأول: أن العصمة هي الدرجة العالية من التقوى والنزاهة. السيد المرتضى علم الهدى يعرف العصمة بأنها لطف الله يفعله في العبد (إمامًا أو نبيًّا) فيمتنع العبد باختياره عن فعل القبيح. يعني العصمة كمال روحي، إذا حصل عليه النبي أو الإمام، فلا داعي عنده لفعل القبيح، بل الداعي دائمًا لفعل الحسن. هذا التعريف الأول يتلاءم مع قوله تبارك وتعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا". قلوبهم طاهرة، لا يوجد فيها أي رغبة وأي داعي نحو القبيح، بل الطهارة تدعو إلى الفعل الطاهر وإلى الفعل الصادق.
التعريف الثاني: أن العصمة هي عبارة عن الاستغراق في الله، فالمعصوم لا يرى إلا الله، ولا يفكر إلا في الله، ولا يلتفت لأمر خارج عن الإطار الإلهي. هو مستغرق وفانٍ في الله تبارك وتعالى. هذا المعنى قد يعبر عنه ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام: "ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه"، يعني أنا مستغرق في الله في تمام أفعالي، في تمام حركاتي وسكناتي.
التعريف الثالث: أن العصمة نوع من العلم. العصمة هي نوع من العلم، العصمة عبارة عن انكشاف الواقع أمام الإنسان، أن ينكشف الواقع بكل أسراره، بكل حقائقه، بكل دقائقه، الواقع منكشف أمام هذا الإنسان، لأن الواقع منكشف أمامه لا يصدر منه إلا ما هو مطابق للواقع، أي فعل يفكر فيه تنكشف عواقبه تنكشف حقيقته تنكشف أسراره. العصمة نوع من العلم وانكشاف الواقع بكل حقائقه. هذا التعريف الذي ذكره السيوري في "اللوامع الإلهية" تبناه السيد الطباطبائي صاحب "تفسير الميزان" قدس سره. العصمة علم، كيف العصمة علم؟ اقرأ القرآن، القرآن عندما يقول: "وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا"، الكتاب فهمنا، علمك الكتاب، علوم القرآن في قلب النبي، علمه الحكمة، النبي لا يفعل إلا الحكمة، شنو هذا العلم الزائد؟ لا هو كتاب ولا هو حكمة. "أنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم"، ما هو هذا العلم الآخر؟ الذي لا هو الكتاب ولا هو الحكمة؟ العلم الآخر هو العصمة، انكشف له الواقع بأسراره وحقائقه فلا يفعل إلا ما هو صواب، ولا يفعل إلا ما هو واقع. وهذه الآية يؤكدها قولٌ آخر في القرآن وهو قوله تبارك وتعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"، كيف يكون الرسول شهيدًا على الناس؟ كله شهيد على المؤمنين، شهيد على الأمم. كيف تكون الشهادة؟ الشهادة تقتضي العلم، لا يمكن أن يكون شهيدًا على كل أعمال الناس إلا إذا كان له علم بأعمال الناس، بحقائق القلوب، حتى يكون شهيدًا عليهم.
إذاً الآيات القرآنية ترشد إلى أن العصمة نوع من العلم. أيضًا الروايات الشريفة، عندما نقرأ روايات صحيحة عن الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، مثلاً في تفسير قوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآئِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِۦ مَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ عَلِىٌّ حَكِيمٌ"، "وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ". ما معنى روحًا من أمرنا؟ الإمام الصادق في صحيحة أبي بصير يقول: "الروح خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل، هو مع النبي يخبره ويسدده". يعني هذا لا ينفك عن النبي، دائمًا الواقع منكشف إلى النبي لأن الروح معه يخبره ويسدده، وهو مع الإمام من بعده، مع الإمام على نهج النبي محمد صلى الله عليه وآله. لدينا أيضًا رواية أخرى صحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام، يتحدث عن ما أعطي للحجة من نبي أو إمام، يقول بأنه: "السابقون السابقون قال رسول الله، وخاصة الله من خلقه، قد جعل الله فيهم"، يعني في الحجج، "خمسة أرواح، منها أنه أيده بروح القدس، يطلعهم، يكشف لهم الواقع، وبه عرفوا الأشياء". إذاً هناك نوع من العلم اقترن معهم ولازمهم تنكشف به الحقائق والأشياء. إذاً هذه تعريفات العصمة، تعريفات ثلاثة.
نجي الآن إلى مجالات العصمة، وين العصمة؟ وين يكون النبي معصوم؟ هل النبي معصوم عصمة مطلقة أو معصوم عصمة جزئية في بعض الموارد دون بعض؟ وين معصوم؟
عندنا عدة مجالات :
المجال الأولى: العصمة في التبليغ: النبي معصوم في تلقّي الوحي وفي تبليغه، لا يخطئ، لا ينسى، هو معصوم في تلقي الوحي وتبليغه، وهذا مما يحكم به العقل بالضرورة، لابد أن يكون النبي معصومًا في تلقي الوحي وتبليغه. لماذا؟ لأن الهدف من العصمة، ما هو؟ الهدف من البعثة؟ لماذا النبي بعث؟ الهدف أن يصل الدين إلى الناس، "هُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ"، الهدف وصول الدين. كيف نضمن وصول الدين إذا لم يكن النبي معصومًا؟ لا يمكن ضمان وصول الدين للناس إلا إذا كانت الوسيلة وسيلة لا تخطئ ولا تنسى، إذا كانت الوسيلة معصومة فهناك ضمان لوصول الدين إلى الناس، إذاً لابد أن يكون النبي معصومًا في تلقي الوحي وتبليغه حتى يضمن وصول الدين إلى الأمة. لذلك جاءت الآية المباركة قالت: "عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِۦٓ أَحَدًا () إِلَّا مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍۢ فَإِنَّهُۥ يَسْلُكُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِۦ رَصَدًا () لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا"، ما يقدر الرسول يتخلف أبداً؟ خلفه وأمامه رصد يرصدون فهمه وتبليغه، تلقيه وتبليغه، فهو معصوم في مجال التبليغ. "وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلْأَقَاوِيلِ() لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ () ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ"، إذاً هذه النقطة محسومة عند المسلمين.
نأتي إلى المجال الثاني، مجال فعل المعصية: ترضى أن النبي يسمع الوحي وبلغه تمامًا، ولكن هل يمكن أن يفعل معصية؟ مثلاً، هل يمكن أن يفعل ذلك؟ لا، كما أنه معصوم في تلقي الوحي وتبليغه، هو معصوم عصمة سلوكية، لا يصدر منه الذنب، لا صغير ولا كبير، معصوم في مطلق سلوكه بلا معصية، لا صغيرة ولا كبيرة. لماذا؟ لو كان النبي ممن تصدر منه المعصية لن يتحقق الهدف من بعثته، الهدف من بعثة النبي أن تنقاد الناس إليه وأن تستجيب له وأن تثق بشخصيته، حتى يستطيع من خلال ذلك أن يطبق العدالة وينشر الدين. لو كان النبي ممن يعصي، لسقط محله في القلوب ولم تبقى للناس ثقة بشخصيته ولم تركن إلى دعوته، وهذا يعني أن الهدف من بعثته يتخلف، ونقض الهدف من البعثة قبيح على الله تبارك وتعالى، بما أنه بعث وكان هدفه من البعثة أن تنقاد الناس إليه، فلا بد أن يهبه العصمة السلوكية حتى يحقق انقياد الناس إليه وثقتهم بشخصيته. لذلك قال تبارك وتعالى: "وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ" يقصد الأنبياء، "وَٱجْتَبَيْنَٰهُمْ وَهَدَيْنَٰهُمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ "، وقال: "هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلْأُمِّيِّنَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ"، كيف يزكيهم؟ وهو ليس بزكي؟ كيف يزكيهم وهو يفعل المعصية؟ "وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ".
نأتي إلى المجال الثالث: ما يسمى بالقضايا التدبيرية. هل النبي معصوم في تدبير الدولة؟ االنبي يقضي بين الناس، النبي يصدر قرار السلم وقرار الحرب، النبي يبرم معاهدات مع المشركين ومع اليهود، النبي مثلاً يقوم بتفريق الزكاة على الأسهم الثمانية، هل النبي معصوم في مجال الإدارة، إدارة الدولة؟ هل هو معصوم؟ أو يمكن أن يخطئ في إدارة الدولة؟ هذه قضايا إدارية، قضايا تدبيرية. معصوم، كما هو معصوم في التبليغ، كما هو معصوم في سلوكه، معصوم في إدارة الدولة، معصوم في مجال القيادة. لماذا؟ لأن القيادة هي تطبيق للدين. طيب، النبي ما يقدر يقرر السلم والحرب والمعاهدات والعمل إلا أن يكون ذلك تطبيقًا للدين. أوضح مورد لتطبيق الدين هو القضايا الإدارية، أوضح مورد لتطبيق التشريع السماوي هو القضايا الإدارية، إذًا المسألة، مسألة حساسة أن يكون النبي في القضايا الإدارية مخطئًا مع أن القضايا الإدارية تحتاج إلى تطبيق للدين بحذافيره. لماذا؟ فلأوضح لك هذه النقطة: أنت عندما تقرأ قوله تعالى: "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ"، يعني الهدف من بعثة الأنبياء تحقيق العدالة، إقامة القسط، يعني تحقيق العدالة، تحقيق العدالة يتوقف على الإدارة العادلة، ما تقدر تحقق عدالة بدون إدارة عادلة. إذا القضايا الإدارية التي تصدر من النبي هي تحقيق للهدف من بعثته وهي إقامة القسط وتحقيق العدالة، فلا يمكن أن يحقق هذا الهدف وهو العدالة مع كونه ممن يخطئ وينسى ويزل ويسهو إلى غير ذلك. لا يمكن أن تتحقق العدالة إلا إذا كان معصومًا في القضايا الإدارية.
لذلك شوف القرآن الكريم عندما يأمر بطاعة النبي يأمر بها مطلقًا، ما يفصل: "وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ"، ويقول: "وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"، و"وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"، هذه الأوامر: "وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" مطلقة. تجي عندك مثلًا فكرة يقول لك لا: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" يعني في الأوامر، يعني إذا صدر من النبي أمر طاعة، أما إذا ما صدر منه أمر، مجرد فعل فعله أو تقرير صدر منه، لا يجب إطاعته!. "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ" يعني إذا صدر من الله أمر، "أَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" يعني إذا صدر من الرسول. طيب، ما صدر من الرسول الأمر، ولكن فعل فعلاً، هل يدخل تحت الآية: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ"؟ لم يصدر منه فعل، صدر منه تقرير، هل يدخل تحت الآية: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ"؟ هل "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" في الوحي وفي القضايا الإدارية أيضًا؟ نعم، الآية مطلقة. هل الآية "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ" تريد أن تقول على المؤمنين اتباع الرسول فيما يصدر منه قول، فعل ،تقرير، أمر، نهي؟ في مجال التبليغ، في القضايا الإدارية، في كل ما يصدر منه على المؤمنين اتباعه، هذا معنى "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ".
لماذا؟ أنا أشرح لك هذه النقطة: أولاً، إذا تلاحظ أن الآية قرنت إطاعة النبي بطاعة الله. يعني الله يطاع فقط بأمره؟ الله يعني لا يطاع إلا إذا صدر منه الأمر، لو لا؟ كل ما يصدر من الله من قول أو أمر أو إخبار فهو حق وواقع يتبع. كما أن إطاعة الله مطلقة، إطاعة النبي مطلقة، ثانياً: الآية عندما فرضت التنازع، ما فرضت التنازع مع النبي، جعلت النبي دائمًا مرجعًا وليس طرفًا في النزاع: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَٰزَعْتُمْ فِى شَىْءٍۢ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ"، يعني الرسول مو طرف نزاع، الرسول دائمًا مرجع، الرسول دائمًا هو الحكم، لا يكون الرسول طرفًا للنزاع. شنو معنى هذا الكلام؟ معناه أن الرسول دائمًا على صواب، معناه أنه لا يصدر منه إلا الصواب، فلذلك لا يدخل طرفًا في النزاع وإنما يكون مرجعًا وحكمًا عند النزاع. هذه قرينة ثانية.
قرينة ثالثة: إذا تشوف ذيل الآيات كلها تفترض الفوز: "وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"، "وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقًا"، "وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ". "تُرْحَمُونَ" "فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا" هذا كله يدل على ماذا؟ يدل على أن الآية مطلقة، يعني من يتبع الرسول هذا "فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"، من يتبع الرسول "فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم" بدون تفصيل. والله يتبع الرسول في خصوص الأوامر التبليغية، أما في القضايا الإدارية لا!. الآية مطلقة من كلتا الجهتين. ولذلك لم يقل: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما بلغكم عن السماء". أطلق الآية: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ"، "وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا". يعني هناك فرق بين الأمر بطاعة العلماء وبين الأمر بطاعة الرسول، الأمر بطاعة العلماء محدود، ما يطاع العالم مطلقًا. الأحاديث عند قول مثلًا ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "مجاري الأمور بيد العلماء، أي علماء؟ أمناء الله على حلاله وحرامه"، أي عالم؟ العالم الذي هو أمين لله على حلاله وحرامه. إذاً طاعة العالم مقيدة بأن يكون عالـمًا أمينًا على حلال الله وحرامه، بينما الله أمر بطاعة الرسول مطلقًا بلا قيد، وهذا معناه أن الرسول على صواب فيما يصدر منه من قول أو فعل أو تقرير، في مجال تبليغ الدين أو في مجال القضايا الإدارية.
نجي إلى المجال الرابع والأخير في العصمة: وهو القضايا الشخصية: طيب، الرسول الآن ما عنده تبليغ للدين، ولا عنده قضايا إدارية، عنده قضايا شخصية، تعامل الرسول مع زوجته، هل يخطئ؟ الرسول يتعامل مع زوجته، هل يخطئ؟ هذه قضية شخصية، لا هي قضية سماوية ولا هي قضية إدارية. يتعامل الرسول مع زوجته في البيت، هل يخطئ؟ هل يخطئ الرسول في تشخيص القبلة؟ يريد يصلي إلى جهة مكة، يخطئ يصلي مثلًا إلى جهة تبوك؟ هل يخطئ الرسول في تشخيص القبلة؟ هل يخطئ الرسول! يظن أنه مدين وهو ليس مدين؟ يظن الرسول أنه مدين لفلان من الناس بأموال، هو مو مدين، هو مشتبه، مخطئ؟ هل يخطئ الرسول صلى الله عليه وآله في حديثه عن القضايا الطبية؟ افترض الرسول عندنا عدة أحاديث صدرت عن الرسول في قضايا الطب، الرسول مثلًا يقول: "تناولوا الحبة السوداء فإنها شفاء من كل داء، تناولوا العسل فإنه شفاء"، هل يخطئ في ذلك؟ ما جاي يبلغ الدين الآن، وما جاي يقوم بقضية إدارية، جاي يخبر عن قضية طبية، هل يخطئ في ذلك؟ هذه كلها تسمى القضايا الشخصية، هل أن الرسول كما هو معصوم في مجال التبليغ والإدارة، هل هو معصوم في القضايا الشخصية أيضًا؟ في تعامله مع زوجته؟ ما يخطئ؟ في تشخيص القبلة وين؟ ما يخطئ؟ في تعامله مع الناس ما يخطئ؟ هل أن الرسول معصوم حتى في القضايا الشخصية أم لا؟ طبعًا المعروف بين علماء الإمامية هو هذا، الرسول معصوم عصمة مطلقة حتى في القضايا الشخصية، ليش؟ العقل والنقل يرشد إلى ذلك.
أما من جهة العقل، فالعقل يقول: لولا أن الرسول معصوم عصمة مطلقة حتى في القضايا الشخصية، لسقط اعتباره في نظر الناس. لماذا؟ لأمرين:
الأمر الأول: الناس إذا رأوا هذا الرسول يغلط على زوجته زين، ويخطئ بدل ما يريد يدخل على زوجته، يدخل على امرأة أجنبية، غلطان دخل بيت امرأة أجنبية بدل ما يدخل إلى بيته مثلًا، يخطئ في تعامله مع زوجته، يخطئ في تشخيص الأمور، إذا شافوا الناس الرسول هكذا، يقولون من المحتمل كما أخطأ في تعامله مع زوجته، من المحتمل أنه أخطأ عندما قال لنا صلوا هكذا، وحجوا هكذا، وصوموا هكذا، محتمل بعد، طبيعة الإنسان يشكك في ذلك. طبيعة الإنسان، المرتكز الوجداني لدى الإنسان، إذا رأى شخصًا يخطئ في تعامله مع زوجته، يخطئ في تعامله مع الناس، يحتمل أنه يخطئ أيضًا حتى في مجال تبليغ الوحي، حتى في مجال تبليغ تعاليم السماء. يعني احتمال الخطأ ينسحب حتى إلى مجال التبليغ، وإذا انسحب الاحتمال حتى إلى مجال التبليغ، سقط اعتباره كرسول، الهدف من بعثته أن يصل الدين إلى الناس، ولا يصل الدين إلى الناس إلا إذا وثقوا وثوقًا تامًا بأنه لا يخطئ. فإذا رأوه أنه أخطأ حتى في القضايا الشخصية، انسحب احتمال الخطأ حتى في الأمور الدينية، وإذا احتملوا خطأه في الأمور الدينية، لم يصل إليهم الدين على واقعه، لأنهم لا يثقون بالرسول وثوقًا تامًا.
الأمر الثاني: النفور، شخص يغلط يوميًا، يشتغل غلط، هذا موجب لنفرة الناس منه وعدم انقيادهم إليه، وعدم التفافهم حول رايته. والنفور منهم يمنع من تحقيق الهدف من الرسالة، الهدف من الرسالة إقامة العدالة، وإقامة العدالة تتوقف على رصيد شعبي، الهدف من الرسالة إقامة العدالة، وإقامة العدالة تحتاج إلى التفاف جماهيري، إلى رصيد شعبي كبير، إلى وثوق تام ممن حوله. وهذا الوثوق لا يحصل إذا كانوا يرون الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ممن يخطئ في القضايا الشخصية التي هي محل مرأى والتفات الناس بالنسبة إليه. هذا الدليل العقلي.
الدليل النقلي: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ () إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ"، أول السورة، سورة النجم، تتحدث عن المشركين: "وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ () مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ"، ووسط السورة يتحدث عن معراج النبي ولقائه بجبرائيل عليه السلام: "أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ () وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ () عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ ()عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰٓ() إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ". هذه كلها تحكي كيف أن النبي رأى جبرائيل عدة مرات في مواقع متعددة: لكن هذا لا يعني أن قوله: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ () إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ"، هاتين الآيتين خاصتين بالخطاب مع المشركين، ناظرتين لتبليغ الوحي؟ لا! هذه السورة أخبرت عدة إخبارات:
الإخبار الأول: خطاب مع المشركين، "وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ () مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ".
الإخبار الثاني: "وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰٓ".
الإخبار الثالث: "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ".
هذا إخبار عام، لا موجب لتقييده وتخصيصه، يعني "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ" فقط في تبليغ الدين؟ "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ" فقط في القضايا الإدارية؟ لا، هذه آية عامة مطلقة، لا موجب ولا داعي لتخصيصها. "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ"، يعني هذا الإنسان صاغه الله كما أراد الله. شوف هذه الأبيات للأزري رحمه الله، يقول: قلب الخافقين ظهرًا لبطن فأرى ذات أحمدٍ فاصطفاها، لم يكن أشرف النبيين حتى علم الله أنه أزكاها.
نحن الآن نقول: الله خلق الإنسان لكي يصل إلى الكمال، وتاليها أكمل الناس وهو الرسول! يغلط وينسى ويضل وما يفهم وينسى أحياناً، أين الكمال! الله خلق الإنسان لكي يصل إلى الكمال، إذاً لابد يعطينا نموذجًا وصل إلى أعلى درجات الكمال وأسماها، ولا يوجد أنموذجاً أولى، وأجلى وأوضح من النبي محمد. إذاً "إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَىٰ"، يعني صاغه الله كما أراد، صاغه الله طاهرًا، نزيها مرآة لله، مرآة للواقع، لذلك أمر بطاعته طاعة مطلقة، قال: "أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ"، انتهينا من المحور الأول.
نأتي الآن إلى المحور الثاني: في اجتهاد الرسول.
نحن إذا قلنا إن العصمة نوع من العلم، وإن العصمة معناها انكشاف الواقع بحقائقه وأسراره، إذاً من الطبيعي أن الرسول لا يخطئ، لأن من كان لديه العلم بالواقع بأسراره وحقائقه لن يخطئ، هذا أمر طبيعي. فإذا كانت العصمة نوعًا من العلم، إذا لا معنى له نبحث: هل كان النبي مجتهدًا غير معصوم عالم؟ بعد، العصمة نوع من العلم، والواقع منكشف أمامه، فمن كان عالـمًا وقد انكشف الواقع له فلا معنى لأن يجتهد، ولا يتصور ثمرة لهذا البحث بأنه مجتهد أو غير مجتهد. إذًا أين يأتي هذا البحث، يأتي هذا البحث عند من ينكر أن النبي معصوم عصمة مطلقة، الذي لا يقول بأن النبي معصوم عصمة مطلقة، كما في الفريق غير الإمامي، أو من يقول إن النبي معصوم، لكن ليس لديه علم مطلق، هو الذي يبحث: هل أن النبي يجتهد أو لا يجتهد؟ وإلا إذا يقول عصمة مطلقة، أو يقول لديه علم مطلق، إذاً بالنتيجة لا معنى لهذا البحث ولا ثمرة فيه. فإحنا نأتي الآن، نفترض أن النبي ليس معصومًا عصمة مطلقة، هل كان النبي يجتهد فيخطئ أم لا؟ هناك فكرة: أن النبي له شخصيتان: شخصية سماوية وهو أنه رسول، وشخصية بشرية، "إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ"، بما أنه بشر؛ إذًا في ما لا نص فيه يكون مجتهدًا، كل شيء لا يرى الرسول نصًّا من السماء فيه، يقوم بعملية الاجتهاد، فيدرس المصلحة العامة، وعلى ضوء دراسته للمصلحة العامة يجتهد، والاجتهاد معرض لماذا؟ للخطأ والصواب، فهو كسائر المجتهدين.
وشوف مثلًا بعض المسلمين يروي هذه الرواية: أن النبي صلى الله عليه وآله لما جاء إلى بدر، قبل معركة بدر، وصل إلى منطقة بدر، نزل في مكان.
- قال له الحُباب بن المنذر: يا نبي الله!، أرأيت هذا المنزل الذي نزلته، أهو منزل أنزلك الله إياه، فليس لنا أن نقدم ولا نؤخر، أم هو الحرب والمكيدة؟ يعني هذا المكان الذي نزلته بأمر من الله، أم هو حرب ومكيدة؟
- قال النبي: بل هو الحرب والمكيدة.
- قال له الحباب ابن المنذر: إذاً ليس هذا بمنزل لك، انهض وانزل في قليب أدنى من القوم، يعني أقرب غدير، أقرب جدول ماء إلى القوم، انزل فيه.
- فقال النبي: أشرت بالرأي، نعم المشورة، وقام وغير المكان.
إذاً معناه النبي كان شنو؟ اجتهد وأخطأ، تبين أن المنزل الذي نزل فيه ليس بمنزل صالح للحرب، ثم انتقل منه، لما نبهه الحباب بن المنذر، انتقل منه إلى منزل آخر. طبعًا هذه مروية في كتب أهل السنة، ويرويها ابن إسحاق في سيرته بدون سند أصلًا، يعني رواية مرسلة، لا سند لها، وابن إسحاق ما أدرك النبي، فكيف يروي رواية بدون سند، بدون واسطة؟ إذاً هذه الرواية لا قيمة لها عندنا، لأنها رواية مرسلة.
أو تجيك مثلًا رواية أخرى، أن النبي لما هاجر إلى المدينة، من مكة إلى المدينة، رآهم يلقحون النخل، المدينة أرض زراعية، يلقحون النخل. قال: لو لم تلقحوه لكان صالحًا، يعني إذا ما تلقحوه هم يثمر النخل، لكن ما أثمر النخل، تركوا التلقيح، فالنخل لم يثمر، بل خرج شيصًا، يعني نواة التمر، خرجت شيصًا، لا ثمرة، فجاءوا إلى النبي قالوا: يا رسول الله، نحن اتبعناك، وبعدين طلعت النتيجة علينا وبالًا، ما أنتج النخل ولا أثمر!. قال: أنتم أعرف بأمور دنياكم، طيب ليش تتدخل في الأمور! إذا هم ما أعرف بأمور دنياهم؟ لماذا تدخلت أولًا؟ هذه الرواية وإن رواها مسلم في صحيحه، وبسند صحيح عند إخواننا أهل السنة، إحنا كموقف منها، أبدًا أبدًا لا نقبل الرواية. لماذا؟ أولًا الرسول معصوم، ثانيًا، افترض أنه ليس معصومًا، هل يتدخل فيما لا يعنيه؟ ما هذا الفضول! يتدخل في أمور الناس وهو لا يعلم بها؟ ثم يتراجع ويقول: أنتم أعلم بأمور دنياكم؟ ثالثًا، الرسول لما ذهب إلى المدينة كان عمره خمسين سنة، يعني خمسين سنة ما يعرف أبسط ثقافة يعرفها أهل الحجاز، أهل الحجاز أبسط ثقافة يعرفونها، أن النخل لا يثمر حتى يلقح، يعني هذا الموضوع البسيط كان يجهله وعمره خمسين سنة، ويقول لهم: لو لم تلقحوه لكان صالحًا؟ هذا شيء غير متصور. إذاً مثل هذه الروايات التي لم يرويها أئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين، روايات لا تتناسب مع عظمة شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله.
ولكن من يرى أن النبي كان يجتهد ويخطئ، يستدل ببعض الآيات القرآنية، نقرأها سريعًا، الآية الأولى، الآية التي افتتحنا بها المحاضرة: "فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ"، البعض يقول: وشاورهم في الأمر، يعني الرسول كان يحتاج للمشورة، والمشورة نوع من الاجتهاد، يعني الرسول كان يجتهد عبر المشورة، فإذا وصل إلى الرأي الصائب نتيجة الاجتهاد، عزم وتوكل على الله. لا، ليس معنى الآية هذا، الرسول أُمِرَ بالمشورة: "وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ"، لكن ما أُمِرَ بالمشورة لأنه يحتاج إلى المشورة، إنما أُمِرَ بالمشورة كمظهر من مظاهر اللطف. لماذا؟ لأمرين:
الأمر الأول: أولًا، هذه الآية ما تقصد خصوص المؤمنين وأهل الرأي: "وَشَاوِرْهُمْ"، يعني خصوص المؤمنين وأهل الرأي والحذاقة؟ لا، تتكلم عن معاملة الرسول مع سائر المسلمين، إذا تقرأ الآيات اللي قبلها، كلها تتحدث عن كل المسلمين: "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ"، "يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضْعَٰفًا مُّضَٰعَفَةً"، "وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ"، "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ"، "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ"، كل الآيات تتحدث عن كل المسلمين. هذه الآية أيضًا تتحدث عن كل المسلمين، "وَشَاوِرْهُمْ"، يعني المسلمين جميعًا، وليس خصوص أهل الرأي والحذاقة من المؤمنين، حتى تكون الآية دالة على أن النبي يحتاج إلى المشورة. أبدًا.
والأمر الثاني: أن الآية تصدرت بقوله: "فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ"، أنت بعثت رحمة، قال تعالى: "وَمَآ أَرْسَلْنَٰكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَٰلَمِينَ"، أنت بعثت رحمة، لأنك بعثت رحة لابد أن تتحلى بمظاهر الرحمة دائمًا. كيف أتحلى بمظاهر الرحمة؟ "فَٱعْفُ عَنْهُمْ"، رحمة، "ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ"، رحمة، "وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ"، رحمة. إذاً هذه مظاهر للرحمة: "فَبِمَا رَحْمَةٍۢ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لَٱنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ"، إظهارًا للرحمة، "ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ"، إظهارًا للرحمة، "وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلْأَمْرِ"، إظهارًا للرحمة. إذاً الأمر بالمشورة لا لحاجة النبي إلى المشورة، بل لأن المشورة مظهر من مظاهر الرحمة. ولأجل ذلك قال: "فَإِذَا عَزَمْتَ"، ما قال: فإذا اقتنعت بالرأي. لو كان محتاجًا للمشورة، لقالت الآية: فإذا اقتنعت بالرأي فتوكل على الله. لا أبدًا، قالت: "فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ". إذاً هذه الآية ما لها علاقة بالاجتهاد.
نجي إلى الآية الثانية، الآية الثانية قوله تعالى: "عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ"، النبي لما أراد أن يخرج إلى غزوة تبوك، مجموعة من المسلمين قالوا: يا رسول الله، ائذن لنا أن نرجع، ما نروح وياك، أنت روح مع مجموعتك إلى المعركة وخلينا، ائذن لنا أن لا نخرج معك، فأذن لهم. نزلت هذه الآية: "عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ"، طبعًا التفسير الموجود عند إخواننا أهل السنة: أن النبي اجتهد فأخطأ، اجتهد ورأى أن الإذن صواب، فأذن، ثم عاتبه الله، وقال: "عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ". إذاً هذا اجتهاد خاطئ. لا! هذه الكلمة "لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ"، ظاهرها البدوي العتاب، لكن واقعها المرادي الجدي هو التحذير من وجود فئة المنافقين. قال، أضرب لك مثال من القرآن نفسه، القرآن يقول، الله يخاطب عيسى بن مريم عليه السلام: "وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ () مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِۦٓ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ"، يعني الله ما يدري أن عيسى ما قال؟ يدري أو ما يدري؟ فالله يعلم أن عيسى ما قال، إذا كان الله يعلم أن عيسى ما قال، لماذا يقول له: "ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ"؟ يقولون ظاهرها الاستفهام، لكن واقعها ليس استفهامًا، بل بيان للحقيقة، أراد الله أن يبين أن ما نسبه هؤلاء لعيسى أنه يقول: أنا وأمي إلهان، نسبة غير صحيحة، أراد أن يبين أن النسبة غير صحيحة، صاغها بصيغة الاستفهام. أيضًا هنا أراد الله أن يبين أن في المسلمين فئة من المنافقين، فيها ضرر، كيف يبين هذه الفئة؟ بينها بصيغة العتاب: "عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَٰذِبِينَ".
ما هو دليلنا على أن هذا مجرد تحذير وليس عتاب؟ دليلنا أن إذن الرسول كان صوابًا، ما كان خطأ. لأن الرسول لو لم يأذن لهم وخرج هؤلاء مع الرسول، ستكون المعركة فاشلة، لأنهم منافقون، سيبثون الفتن، سيبثون الأراجيف، سيخسرون المعركة. النبي كان صائبًا في الإذن لهم بالرجوع، كان يريد الحفاظ على وحدة الصف، ويريد الحفاظ على الروح القتالية للمسلمين والمؤمنين، فأذن لفئة المنافقين أن يتراجعوا عن المعركة حتى لا يخسر المعركة. والدليل على أن إذن الرسول صائب هو القرآن نفسه، القرآن بعد هذه الآية صوب كلام النبي، قال: "وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَٰعِدِينَ () وْخَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا"، هو القرآن يقرر أن فعل النبي كان في محله، لو خرج هؤلاء مع النبي، لا أفسدوا. "لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُواْ خِلَٰلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّٰعُونَ لَهُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ () لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلْأُمُورَ". إذاً ما فعله النبي من عدم الإذن كان أمرًا صائبًا كما يقول القرآن، فكيف يعاتب على أمر صائب؟ كيف يوبخ على أمر صائب صدر منه صلى الله عليه وآله؟ إذاً هذه الكلمة "عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ"، صيغة عتاب، لكن واقعها تحذير من وجود فئة المنافقين، كما في قوله تعالى: "وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ".
نأتي للآية الأخيرة: "عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ () أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ ()وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ() أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ ٱلذِّكْرَىٰٓ () أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ() فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ () وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ () وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَىٰ () وَهُوَ يَخْشَىٰ () فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ". يعني تعرض عنه والرواية التي يرويها أخواننا أهل السنة أن رجلاً اسمه ابن ام مكتوم مكفوف البصر يسأله مسائل شرعية ويطلب الهداية، النبي أعرض عنه وأين ذهب؟ ذهب لمجموعة من أغنياء المشركين يتحدث معهم، فنزلت السورة توبيخًا للنبي على ما صنع. أنت إذا تجي إلى هذا اللسان، هذا اللسان ما يحتمل أنه خطاب للرسول، غير محتمل أبدًا، لأن هذا مو عتاب ولا شفقة، هذا توبيخ، تقريع. "أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ() فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ" هذا توبيخ وتقريع هذا ليس عتاب، والله نأتي نحسن القضية ونقول هذا عتاب وشفقة عليه، كيف عتاب وشفقة! نحن عرب!، هذا اللسان ليس لسان عتاب، هذا لسان توبيخ وتقريع، والعمل الذي صدر عمل يتنافى مع أهداف الدعوة، من أعظم أهداف الدعوة هو التصدي للفقراء وهدايتهم، من أعظم أهداف الدعوة اللطف بالمؤمنين والإقبال عليهم.
يعني هذا العمل، لو كان صادرًا من النبي، لكان ذنبًا، وليس خطأ، ليس فقط خطأ، بل ذنب!، هذا العمل، وهو الإعراض عن المؤمنين والتصدي للأغنياء بلا مبالاة بتزكيتهم، هذا العمل ذنب لأنه منافٍ لأهداف الدعوة، وهذا العمل منافٍ لأهم أهداف الدعوة المحمدية. وهذه الآية لا تلتقي مع قوله تعالى: "لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ "، أين العزة وأين الرأفة والرحمة، وهو يعرض عن المؤمنين ويتجه لبعض الأغنياء من المشركين؟ أو قوله تبارك وتعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ". إذا نحن نقول: هذه الآية لم تنزل في الرسول، نزلت في بعض صحابته. والنبي إذا جلس علم مجموعة من الصحابة، مو النبي فقط يتصدى، أيضًا صحابته كانوا يتصدون لتبليغ الأحكام ولهداية الناس. أحد الصحابة هو الذي صدَّ عن المؤمن وأقبل على الغني المشرك، فجاءت هذه السورة توبيخًا. والدليل على أنها ليست توبيخًا للنبي أنها جاءت بصيغة الغائب: "عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ () أَن جَآءَهُ ٱلْأَعْمَىٰ"، قل له: يا رسول الله. "وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ".
إذا انتهينا وصلنا إلى أن نحن نعتقد أن النبي معصوم، المعصوم ما يجتهد، لا يحتاج يجتهد، ولو اجتهد ما يتصور فيه الخطأ. نحن أصلاً الموضوع الاجتهاد منفي عندنا، لكن لو لم نقل بذلك، فالنبي لا يصدر منه اجتهاد أو اجتهاد خاطئ، والأدلة التي أقيمت على ذلك أدلة غير تامة. ولذلك ترى عندنا علماء الإمامية موقف، يعني حتى من الروايات الصحيحة التي تسيء لشخصية النبي. شوف الآن، عندنا رواية صحيحة في كتب الشيعة، رواها الشيخ الصدوق عليه الرحمة وغيره، وهذه الصحيحة، أن النبي صلى ركعتين، فلما انصرف، يعني قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال له ذو الشمالين، رجل اسمه ذو الشمالين، قال له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء! أم أنت نسيت، فصليت ركعتين؟ والصلاة كم؟ أربع ركعات. فقال رسول الله لمن حوله: أصدق ذو الشمالين؟ يعني هذا الكلام صحيح؟ أنا صليت ركعتين؟ قالوا: نعم يا رسول الله، صليت ركعتين، فأقام وأكمل الصلاة. يعني مو بعد أعادها لا أكملها، أكمل الصلاة، هذه الرواية صحيحة السند وموجودة عندنا عند الشيعة، لكن علمائنا يقفون منها موقف الرفض يقولون هذه الرواية لا نقبلها وإن كانت صحيحة في السند. لماذا؟ أولًا الرسول معصوم، ثانيًا، تجاوزنا العصمة، هل من المعقول! أكمل البشر، أقرب البشر إلى الله، يسهو في صلاته؟ أقرب البشر إلى الله لا يدري كم صلى، ويسأل، فيقال له: صليت ركعتين، مشتبه أنت! ويعود ويكمل الصلاة؟ هل ينسجم هذا مع أقرب الخلق إلى الله؟ هل ينسجم هذا العمل مع من هو منصهر في الصلاة، حتى قال: "أحب من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وقرة عيني الصلاة"؟ هل ينسجم هذا مع قوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ () ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ "؟ يعني النبي ليس من هؤلاء؟ هل النبي يدخل تحت قوله تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ() ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"؟ يعني بدل ما يدخل في قوله: "قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ () ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَٰشِعُونَ"، يدخل في قوله: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ() ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"؟ هل هذا ينسجم مع النبي وقد كان النبي قطعة من الصلاة؟ فانياً في الصلاة؟ لا، ذائباً في الصلاة.
وإذا أقبل شهر رمضان، ربط الحزام، وشد الحزام على بطنه، وانشغل بالصلاة ليله. فيقال: يا رسول الله، أنت أشرف الخلق، سيد أهل الجنة، لك الشفاعة الكبرى. فيقول: "أفلا أكون عبدًا شكورًا؟". الصلاة، لذلك يا إخوان، الاهتمام بالصلاة، نبهوا أبناءكم على الصلاة. ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع"، ورد عن الإمام الصادق: "إنا لنأمر أبناءنا بالصلاة لخمس، فمروا أبناءكم بالصلاة لسبع"، اسحبوا أطفالكم إلى المسجد، اسحبوا أطفالكم إلى المراكز، حتى يتعلموا على أجواء الصلاة، وحتى يعيشوا مع الصلاة. الإمام أمير المؤمنين كان يصلي، والحرب قائمة على قدم وساق، والسهام تنفذ إلى جسده، فلا يبالي بها. فيقال: يا أبا الحسن، هذا وقت صلاة؟ قال وعلام نقاتلهم؟، إنما نقاتلهم لأجل الصلاة. الصلاة انصهر بها الأئمة صلوات الله عليهم.
ولذلك ترى سيد الشهداء في حرارة القتال يوم عاشوراء، وعلى لهيب الرمال يوم عاشوراء، وهو يقول: "اطلبوا من هؤلاء القوم بعض الوقت لنصلي لربنا، إني لا أريد أن أخرج من هذه الدنيا"، يقول له أبو ثمامة الصيداوي، "حتى أصلي معك". وتقدم الحسين يصلي يوم عاشوراء، في وقت الحرب، في سعر القتال، والسهام تترى عليه كرش المطر، الحسين ما ترك الصلاة! وما ترك التنفس في الصلاة!. ولذلك أنت تقرأ في زيارة الحسين: "أشهد أنك قد أقمت الصلاة"، يعني أنت مع الصلاة حتى في الحالات الحرجة، أنت مع الصلاة، حتى في وقت القتال وشدة الحرب، أنت مع الصلاة، "أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة". الإمام الحسين عليه السلام، منذ أول مسيرته، هو مع الصلاة. لما وصل إلى الأرض، الحسين يسير من مكة إلى الكوفة، جاء إليه الطرماح، قال: "نسير بك طريقًا لا يدخلك الكوفة ولا يرجعك إلى المدينة"، قال: "تفضل". سار الطرماح أمامه، وهو يسير خلفه، إلى أن وقف فرسه في الأرض. الإمام استبدل فرسه بفرس آخر، فلم يتحرك. استبدل الفرس بفرس ثالث، فلم يتحرك. قال: "أصحابي، ما اسم هذه الأرض؟" قالوا: "تسمى نينوى". قال: "هل لها اسم غير هذا؟" قالوا: "تسمى وادي الفرات". قال: "هل لها اسم غير هذا؟" قالوا: "تسمى كربلاء". حينئذ تنفس الصعداء وقال: "انزلوا، انزلوا، ها هنا مناخ ركابنا، ها هنا محط رحالنا، ها هنا تقتل رجالنا، ها هنا تذبح نساؤنا، ها هنا تسبى نساؤنا، ها هنا يصعد الشمر على صدري، ها هنا، ها هنا". وهو يتلو الأخبار، وزينب العقيلة تستمع إليه، تستمع إلى صوته، وقد أصابها شيء من الجزع والحزن، وهي تسمع هذه الكلمات من الحسين. نزل الحسين نصب الخيام، أعدَّ معسكره، خرجت العقيلة زينب من الخيمة، وإذا بالجيوش قد أحاطت بالحسين من كل جانب ومكان، أقبلت بأبي هي وأمي إلى أخيها أبي الفضل العباس: "أخي أبا الفاضل، أرى أن القوم قد أحاطوا بنا"، ما هي إلا أيام، هذا يوم خامس محرم، لكن يوم العاشر جاء، وإذا بزينب واقفة على جسد أبي الفضل، تنادي: "أخي عباس، من لنا بعدك!"
وأعظم ما يشجي الغيور دخولها على مجلسٍ ما بارح اللهو والخمر. يا الله، اللهم بحق العقيلة زينب، بحق أبي الفضل العباس، اللهم تقبل أعمالنا، اشف مرضانا ومرضى المؤمنين والمؤمنات، اقض حوائجنا وحوائج المؤمنين والمؤمنات، اللهم عجل فرج وليك وابن أوليائك، واكتب له النصر والظفر، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضيين عنده، وارحم أمواتنا وأمواتكم وأموات المؤمنين والمؤمنات، وإلى أرواح الجميع ثواب الفاتحة تسبقها الصلوات.
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد باقر الصدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد جعفر مرتضى
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
الشهيدة بنت الهدى
الشيخ محمد صنقور
السيد عباس نور الدين
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
حسين حسن آل جامع
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان