الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ عبد الجليل البن سعد: المنحرف يتحمل مسؤوليته بالكامل

الليلة الرابعة من محرم 1446 هـ
الشيخ عبد الجليل البن سعد
المنحرف يتحمل مسؤوليته بالكامل
مجلس الرضا (ع) بسيهات

قال الجليل في محكم التنزيل: بسم الله الرحمن الرحيم 

"بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ". آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم، وصدق نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله.

الإنسان عندما يعتاد على الخطر أو يتوقع مشكلة أو أي أمر يمكن أن يعكر صفوه ويهدد أمنه واستقراره، لا شك أنه يرى من مسؤولية نفسه الحماية. لا يلجأ الإنسان في طلب الحماية إلى غيره إلا حينما يكون عاجزاً عن ذلك. بل حتى الذي يطلب الحماية من الآخر هو في الحقيقة يمارس حماية نفسه، لأن من يبحث عن الحمى أو المكان الآمن، أو المأمن، يمارس حماية نفسه، سواء كان يطلب مأمناً مكانياً أو يطلب مأمناً شخصياً من شخص يلتمس فيه القوة والقدرة، أو كان مأمناً إجرائياً يتطلب الإجراء المناسب. فمن هذا المنطلق، نحن نعي أن من مسؤولية كل شخص منا أن يحمي نفسه من الانحراف، ومن هنا يتحمل مسؤوليته بالكامل تجاه الانحراف.

وهذا الناتج لا يمنعنا أو لا ينافي أن نقول بأن الإنسان الذي يريد أن يحمي نفسه هو أمام عملية تحتاج إلى أن يتقدم إليها بعقله، بفكره، وبنفسه. ولذلك فإن عملية الحماية وتحمل المسؤولية مرة تتطلب منك جانباً تدريبياً يقول لك: تدرب على أشياء أنت تعرفها، لكن لا يعني أنك لست بحاجة إلى أن تتدرب عليها. ومرة تتطلب منك جانباً تعليمياً يقول لك: تعلم حتى تستطيع أن تحمي نفسك من الانحراف. فالانحراف الذي يأتي نتيجة الضعف ينبغي أن تمتلك اللياقة المناسبة والدرب المناسب لتكون قادراً عليه. أما الانحراف الذي يأتي من جانب الجهل، فأنت بحاجة إلى التعلم حتى تحصن نفسك تحصيناً معرفياً. من هنا نحن بحاجة إلى الإحاطة بما هو من واجب وبحاجة إلى التدريب والتعليم، وجوانب الإحاطة كثيرة جداً، لكن ما يتناسب مع الوقت المحدود يأمرنا أن نتحدث عن الإحاطة في أشكال ثلاثة وفي دوائر ثلاث.

 

فالإحاطة مرة تكون إحاطة بالشيء، بمعنى الشيء الذي نريد القيام به، وهناك الإحاطة بالنفس، وهناك الإحاطة العملية. الإحاطة العملية هي التي تجعلك بصيراً بالتشريعات والبرمجيات التي من شأنها أن تنقذك من الانحراف. نعود إلى الإحاطة بالشيء في معناه، بمعنى الشيء الذي تريد أن تمارسه. أعتقد أن محاضرتنا الليلة السابقة كانت على صلة بهذه النقطة، والخلاصة التي يمكن أن نجترها من الطرح السابق هي: بالنسبة لمن لم يحضر على الأقل يأخذ الخلاصة. الخلاصة هي أنه مهما كنت أيها الإنسان على درجة من الوعي، يجب أن لا تراهن على وعيك. يجب أن لا تراهن على وضوح الشيء. ووضحنا في الليلة السابقة أن الشيء الواضح ممكن أن تكون النظرة إليه نظرة مشوشة. يمكن أن تصاب العين بالتشوش. فالواضح واضح بذاته، لكن يمكن أن تصاب العين بالتشوش، وهذا لا علاقة له بما يقال: "لا يوجد شيء واضح" إلا إذا كانت هناك رؤية واضحة. هذه فلسفة لا نوافق عليها، لكن أقول: الشيء الواضح لا يغنيك وضوحه، بل أنت بحاجة إلى أن تمتلك عينك استعداد الرؤية الواضحة. إذا كان على العين غشاوة أو الفكر مشوشاً، فلا يمكن أن ترى الشيء بوضوح. لا تراهن على كون هذا الشيء واضحاً. كما ذكرنا، عوامل التشوش كثيرة جداً. قد تأتي فتاة اليوم وتقول: والله، أنا لا أسمح لك أو لا يعجبني أنك تتحدث عن الفتاة التي تمارس الدعاية في السنابات، مثلاً، وهي متزوقة بالمساحيق أو مثلاً تبتسم تلك الابتسامة الناصعة، والابتسامة الجذابة وتعطيك النظرات الخلابة وغيرها. أنا لا أرى أن هذا انحراف. إذا سماحتك ترى هذا انحرافاً، أنا لا أرى هذا انحرافاً. ليس واضحًا عندي أن هذا انحراف. ليس واضحًا لا مشكلة عندنا فيه. لأننا هنا لا نمارس وصاية ولا نريد أن نفرض رقابة على الآخر. نحن نلقي بالنصيحة ومع السلامة. إنما ما نريد أن نقوله: انتبهي لتفكيرك. لا تراهني على الوضوح، ولا وضوح من أول وقفة. أعطيك مثالاً آخر. مثال للأخت العزيزة المتدينة وبنت الأصول لكنها تمارس هذا الشيء. مثال آخر: الآن، الذي يخرج منذ الصباح ويركب سيارته ذاهباً للعمل، أدار محرك السيارة، أو وجه السير إلى الخلف، قاد سيارته إلى الوراء، فاستمع لصوت طفل يصرخ. تم دهسه بسيارته خلف السيارة. هذا عادة عندما يأتي ويعتذر، ماذا يقول؟ يقول: من يخطر في باله أن طفلاً يخرج في هذا الوقت ويجلس تحت السيارة. نحن قبلنا عذره، أم لم نقبل عذره، ليست مشكلة. الأهم أنّه حتى لو قبلنا عذره، هل نعطيه سمة فكرية وعقلية بنفس الدرجة التي نعطيها لذاك الشخص الذي حين يخرج مهما كان الوقت يعطي نظرة خلف السيارة ونظرة أمام السيارة؟ يتأكد إذا كان هناك حيوان أو إنسان. هل نجعلهم بالسمة الفكرية سوية؟ مستحيل.

 

ولذا، أنا عندما أخاطب ابنتي العزيزة، لا أريدها أن تحمل ثقافتي. لا. أنا أقول لها: أتمنى لك سمة فكرية وعقلية بأعلى الدرجات. أنا كإنسان ليس مطلوباً مني أن يموت عندي كل طموح، لا يهم. طموح مادي فليمت، لكن طموحي في عقلي المفترض دائماً أن يكون في تقدم. المفترض أن طموحنا في عقلنا، طموحنا في تفكيرنا، طموحنا في أرواحنا، المفترض دائماً أن يبقى المرء في تقدم من المهد وإلى اللحد.

الخلاصة انه أنا لا أراهن على وضوح الشيء. واضح عندي، ليس واضحًا عندي، لا. قبل أن أقول هو واضح دعني أتذكر بأن عوامل التشويش الفكري كثيرة جداً. عوامل التشويش تكلمنا عنها ليلة أمس لا هي من حيث العدد قليلة، ولا من حيث النوع بسيطة. وقلنا هناك عوامل تشويش داخلي وعوامل تشويش خارجي.

فكما تكون هناك إحاطة بالشيء، هناك أيضًا إحاطة بالنفس. فالإنسان يجب أن يحيط بنفسه. والإحاطة بالنفس تحتاج منا إلى مقاربات واضحة. ولأجل بيان هذا الشيء،  ألفت إلى مثالين غريزيين وأكتفي، وإلا فهذا الموضوع يتطلب من الإنسان مزيداً ومزيداً من النظر والفكر.. مثالان غريزيان للغريزة الجسدية والغريزة الحميمة. الغريزة الجسدية والتي أقصد بها غريزة الجوع مثلاً والعطش. فالإنسان عندما يجوع، يتعامل مع الجوع بقصور معرفي. هذه غريزة. فالأكل مرة نصل له كقرار بتفكير قريب، ومرة بتفكير بعيد. هو غاية من غايات الجوع، لكن غاية من غايات الجوع القريبة أم غاية من غايات الجوع البعيدة؟

 

الإنسان عندما يجوع، يحاول أن يأكل، يبحث عن الطعام لأن الجوع غريزة. وقالوا الأكل غريزة لأن الجوع غريزة. وأساساً لو الإنسان ما جاع ما كان الأكل غريزة. الإنسان عندما يأكل أي طعام لأنه جائع، ويتناول الطعام في أي وقت لأنه جائع. هذا فكر على المدى القريب أم فكر على المدى البعيد؟ خذ المثال المقابل: يجوع الإنسان، وقبل أن يأكل يعالج عدة موضوعات وأسئلة في جزء من الثانية. يفكر على المدى البعيد. ماذا يعني على المدى البعيد؟ يعني يسأل نفسه: أنا أخضع لحمية، فهل يناسبني هذا الطّعام أم لا؟  هذا الطعام حلال أو حرام، أو فيه شبهة. ما الكمية التي يفترض أن آكلها؟ ما نوع الطعام الذي يجب أن آكله؟ في أي وقت يمكن أن آكل؟ هل آكل وأنام، وإذا أكلت أو نمت مباشرة ألا يسبب ذلك انحرافًا صحيًّا؟ لأن هناك انحرافًا صحيًّا، ونحن نتكلم عن الانحراف.

هذا عنده غريزة والأول أيضًا عنده غريزة، لكن ذاك فكر في غريزته، فكر في الغايات القريبة، أما هذا ففكر في الغايات البعيدة. فأنت لمن تعطي السّمة العقلية وسمة التفكير؟ ذاك لأنه يفكر في الغايات القريبة للغريزة فمن الممكن أن يقع في أخطاء وأخطاء كبيرة وعديدة. لماذا؟ هذه الأخطاء هي الانحراف. أين سبب الانحراف؟ أن تفكيره كان على المدى القريب. حين تدير غرائزك بهذه الطريقة فأنت عرضة للانحرافات. ليس لانحراف واحد. للانحرافات. هكذا. أما الذي يناسب صحة البدن وعدم الانحرافات الصحية والمزاجية وغيرها فعندما يحسب الإنسان طعامه حساب الغايات البعيدة. نعم، هكذا.

 تعال إلى العلاقة الحميمة، تعال للغريزة الحميمة. في الغريزة الحميمة، عندما تتهيّئ للإنسان العاطفة والظروف البيئية والأسرية والاجتماعية تمنعه، ماذا يفعل؟ كيف يدير غريزته؟ لو أراد أن يدير غريزته على المدى القريب وبالتفكير القريب، فمعلوم، فالعاطفة والعلاقة الحميمة تحتاج إلى إشباع، صحيح؟ إذًا تحتاج إلى إشباع، يأتي الإنسان ويفكر: أنا في الثالث الثانوي، أهلي لا يزوّجون ولدًا إلا بعد أن يتخرج. وإذا تخرج، يطرحون عليه شروطًا. وإذا تخرج، جلسوا جلسة إحباط معه، متى تتوظف؟ وإذا توظفت، متى تجمع مالاً؟ وساعد بسداد الفواتير، شارك في البيت،  هذا عندما يفكر في العلاقة الحميمة وفي العاطفة على المدى القريب وبالتفكير القريب، ماذا يفعل؟ يلجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك يغرق، ولذلك حين يدري الإنسان تفكيره بالتفكير البعيد والغايات البعيدة يقيس على الغايات البعيدة. يختلف موضوعه. نظرته تختلف. يقول: أنا أعلم أنه سأعيش شيئاً من النشوة، ولكن  سوف أخسر ضميري، وقوة الاتزان وقوة التفكير. فعندما يخسر الإنسان ضميره أو يخسر قوة الاتزان لديه ويخسر قوة التفكير، يبقى شبح مرعب يطارده إلى آخر يوم من حياته.

 

الآن في العيادات النفسية، بعض الاستشاريين يكتبون مذكرات ويطبعونها. أنا قرأت بعضها ولا أنصحك بقرأتها لأنها تكسر القلب. بعض المذكرات عجيبة. امرأة تشكو من أنها في كلّ شهر أو شهرين لا تحب زوجها ليوم أو يومين وتحتاج أن تظل لوحدها في هذه الحالة، وآخر يتذكّر بين الفينة والأخرى علاقته السّابقة قبل الزّواج، لا يقدر على النسيان،  لأن الذي  خسره ليس مالاً، خسر ضميرًا.

بعضهم يعترف: في تلك الأيام القديمة لعب الشيطان لعبته، فصنعت مع ذات رحم ما لا يجوز في رحمها. لاحظ. ولذلك يا عزيزي، اليوم عندنا مشكلة. اليوم نتيجة للزخم الموجود صار بعض الشباب يبحث عن الإشباع حتى مع ذات الرحم. الطبيب الآن، حين يأتيه مريض، يكشف على موضع المرض إذا كان موضع حساس أو غيره. لكن رغم ذلك لا يكشف إلا الموضع الذي يحتاج أن يضع المنظار فيه. نحن هكذا ما لا نستطيع أن نوسع الرقعة ونتكلم لك عن كل شيء.

لذلك تسأل البعض لماذا لم تحتط من قبل؟ فيقول لك: كنت مجنونًا. اليوم هي لحظة الجنون هذه  هي الانحراف. لحظة الانحراف المجنونة هذه يجب أن تحيط بنفسك في سبيل أن تتقيها، فالنفس أمامها طريقان في إدارة الغرائز: طريق المواءمة وطريق المواطنة. الإنسان عندما يجوع، المواءمة للجوع ماذا تعني، غير مهم، المهم أن يأكل، لكن على طريقة المواطنة، لا. يحتاج الإنسان أن يوطن نفسه على التفكير والحسابات الدقيقة. من أين هذا الأكل؟ وكيف آكل؟ وبمقدار كم أكل؟ هل الآن وقت أكل؟ لذا، فالمنحرف شرعياً الذي يأكل في صباح شهر رمضان هذا يدير غريزة الجوع على طريقة المواءمة، لا على طريقة المواطنة. لم يوطن نفسه على الامتثال الشرعي فانحرف. فالذي لا يمتلك المواطنة ينحرف. والذي يقيس على المواءمة فقط ينحرف. هذا شيء طبيعي جداً. الإسلام أمعن في هذه الخطة التربوية، قضية المواءمة والمواطنة. أمعن فيها لأنها خطة تربوية عظيمة جدًّا.

 

لم يشرعها على طريقة المواءمة، لكن شرعها على طريقة المواطنة، الإسلام كان بإمكانه أن يعتمد التاريخ الشمسي لمواسمه، كان يقدر أن يجعل شهر رمضان حسب التاريخ الشمسي. وفق التاريخ الشمسي في أيام البرد لا يتغير. صحيح. كان بإمكانه أن يجعل الحج في أيام الشتاء باعتبار. ماكو شتاء.بإمكانه أن يوقّت الصوم والحج وفق التاريخ الشمسي، لكن يقول لك: عزيزي تفكيرك هذا تفكير مواءمة أو مواطنة؟ مواءمة. تفكيرك هذا يقيس على الغايات القريبة أم على الغايات البعيدة؟ على المدى القريب او المدى البعيد، والشرع أكبر من ذلك وليس هو أكبر من ذلك فقط، إنما جاء ليجعلك كبيرًا، أكبر من هذا التفكير، لذلك صار في الحر حج وصوم، وفي البرد حر وصوم، لتتحمل البرد، وتتحمل الحج أيضًا في كلا الوضعيتين، لماذا لأنه بالتفكير البعيد، وعلى المدى البعيد، أنت توطن نفسك على أشياء كثيرة، وتأتي بعمل مكلف، وتعرف أن النية تتجلى في طبيعة العمل، حين تصير النية إنجازًا، بعض النية صالحة وخيرة، لكن لا تعد إنجازًا، متى تكون النية إنجازًا، إذا كان العمل لا يعمله الّا من وطن نفسه على النية، إنجاز قبل العمل، هي إنجاز صحيح أو ل؟ا هذا لا يحتاج مواءمة، هذا يحتاج مواطنة، نعم هكذا، مثال آخر الطهارة الصوم الحج، تعال للطهارة، الشرع لم يقس الطهارة على المواءمات أبدًا، نضرب مثالًا بالأغسال، بالله عليك كمؤمن ألا يلفت نظرك حين تفتح رسالة عملية أو كتابًا من كتب العبادات، ألا يلفت نظرك كثرة الأغسال المستحبة.

على أدنى مناسبة هناك غسل، أنت تعرف هذه العبادة كيف كانت في الزمن القديم، كان الماء يحمل من خارج المنزل على الكواهل وعلى الدواب، بالنتيجة الطهارة التيكان  يمارسها هؤلاء ليست كما نمارسها نحن مع توفر الماء، إنما بني التشريع على ماذا يا سادة على المواطنة، ولذا ترى أحيانا الإنسان يقع في انحرافات، ليس كلامنا في الانحراف كتابة في مجموعة او في قروب يعلم الناس، هو بالنتيجة يقول هذا الغسل غسل الجنابة لا تتبعوا الفقهاء فيه، لا هناك تنصيف لا شق أيمن ولا شق أيسر، ادخل تحت الدش ثواني واطلع، لان الفقهاء ما يفهمون ذلك باعتبار أنه في ذلك الوقت تمسك الإناء وتصب على نفسك، فيجب أن أن تبدأ باليمين ثم اليسار، أما اليوم فهناك "دش" هناك مضخة فوق رأسك، فالفقهاء ما عندهم تفكير، نقول متى بني الشرع على المواءمة حتى تتكلم بهذا علمت شيئا وفاتك جهلك بأشياء، علمت الظاهر وفاتك الباطن، بهذا المعنى نعم، لذلك المسالة تبنى على المواطنة، ولهذا الله سبحانه وتعالى لماذا كلف الإنسان راحته في بعض الموارد لأجل غايات، نحن نتكلم في الطهارة والماء نعم لأجل غايات بعيدة. إذا تحسب الماء بالغايات البعيدة، ترى نفسك فعلاً ملزمًا بإحضار الماء.  

 

لماذا؟ لأن من الغايات البعيدة النظافة. لو خاطبك إنسان يهتم بالنظافة. إنسان نظيف، وهل الشرع أهون من أمر النظافة؟ النظافة بالغاية البعيدة تعرف بأن الطهارة حملتها والغسل حملته لأجل ماذا؟ النظافة. نعم. هي أمر يجب أن توطن نفسك عليه هذه ليست مواءمة هذه تحتاج مواطنة. بعد التحضر. أنت تعرف أن الإسلام بنى حضارة من ماء، الإسلام بنى حضاره من الماء. لماذا؟ لأنه رفض البداوة حيث لا ماء. قال: أنت ملزم بالماء، وأرض لا فيها ماء يجب أن تهجرها، قضى على البداوة بسرعة خلال عنصر الماء. التحضر ليس بالمواءمة، لا نصل إليها بالتفكير في الغايات القريبة. نصل إليها بالتفكير في الغايات البعيدة. على طريقة المواطنة. لأن التحضر يحتاج إلى مواطنة. ولذا بهذا المقياس، إن شاء الله تقدر أن تهمش وترد على بعض الروايات التي يقرأها الشباب، من قرأ رواية ملوك الرمال لعلي بدر؟  

الذي بيّن في هذه الرواية ماذا؟ جعل للبدوي حجة على النبي، بدل أن يجعل للنبي حجة على البدوي، جعل للبدوي حجة على النبي. يعرض لك بأسلوبه الخلاب الأدبي الأخاذ، يقول: لماذا لا نهتم بالشرع لأنه يكلفنا؟ لا يعرف مجالنا، يكلفنا ماء، وهل في الصحراء ماء، ويريد أن نغتسل، ويريد منا ويريد منا ويريد منا. تعرفون أن بعض الروايات خطيرة، تكلمنا ليله أمس عن عوامل التشويش هذه من عوامل التشويش. فأنت تستطيع أن ترد على هذه الرواية: فرق بين المواءمة والمواطنة. فرق بين غاية التحضر والنظافة التي هي غاية حميدة، لم يقل اغتسل حتى تبقى في باديتك أنت والجيفة. بدرجة واحدة من الرائحة، إنما قال لك اغتسل حتى يخرجك من الرمال، يا ملوك الرمال… كان عندنا النظافة عندنا التحضر عندنا النيه التي تكلمنا عنها، النية لا تكون إنجازاً، إلا إذا كانت على عمل يحتاج إلى مواطنة. صحيح. فهكذا.

 

وهذا شبيه بالفكرة العصرية. التي يطرحها أحد الفلاسفة الألمان، لايبنتز، التي هي فكرة السبب الكافي. فكرة السبب الكافي. وحقيقة، أنا حين أذكر واستشهد، لسنا بحاجة. الفكرة فكرتنا وطرحناها، لكن حين استشهد ببعض الكلمات حتى فقط: أولاً، نأخذ بعض التقريبات التي تكون واضحة جداً. ثانياً، نرى الناس الذين تستهويهم هذه اللغة. ثالثاً، حتى نعيش الفخر مع أنفسنا. لاحظ الناس في القرن 18، أين وصلنا نحن مع النبي صلى الله عليه وآله. تبصّر وانتبه للنقاط، لنا مقاصد، وهذه واحدة من مقاصدنا. على كل حال، لايبنتز يتكلم عن السبب الكافي. تكلم عن الإرادة. يقول: الإرادة والحرية والاستقامة وعدم الانحراف تحتاج إلى السبب الكافي. المنحرف هو الذي يأخذ بالسبب طبعاً لم يعبر بالانحراف، أنا أطبق فكرته، هو الذي يأخذ بالسبب الناقص، الإنسان كلما نزل مع الأسباب الناقصة صار منحرفًا. أما الذي يبحث عن أسباب كافية لفعله، فهذا الإنسان لا يمكن أن يكون منحرفًا. ابحث عن السبب الكافي لفعلك. السبب الذي يبرر له. أصحاب الرأي يعتبرونه مبرراً. عند أصحاب الرأي يعتبر مبرراً. عند مَن لهم حظ من العقل، يعتبر مبرراً. عند ذوي الاختصاص، مبرراً. عند الناس أصحاب السليقة السليمة والأذواق السليمة. هذا يسمى "سبب كافٍ".

ولذا، مهما صعب الأمر، أنت إذا أخذته بالسبب الكافي تعتبر حرًّا وصاحب مدرسة. هذه الليلة أيضاً يلهمنا، ليس فقط لايبنتز، صاحب مدرسة، هذه الليلة وخريج مدرسة أهل البيت عليهم السلام. ماذا يقول؟ أقسمت أن لا أقتل إلا حراً. كان بإمكانه أن يطلب الأمان، ولو طلب الأمان لتشرفوا بإعطائه إياه، نظر إلى السبب الكافي بحث عن السبب، يحتاج إلى مواطنة. كان بإمكانه أن يقضي على الرجل وهو خلف الستارة، لم يفعل. لماذا؟ لأنه في واقع الأمر كان يعمل بنظام المواطنة، لا بنظام المواءمة هكذا يكون الأمر، نعم. ولذلك ننتقل إلى الإحاطة العملية. أذكرها سريعًا، نعم. لاحظ العملية وثالث الإحاطات هذه حساسة. ولحساسيتها تدخل الشارع فيها بثلاثة تدخلات تشريعية.

طرح هذه الاستراتيجية وهذه الخطة هي الاتباع. أنت لا يسعفك دائماً، علمك ومعرفتك، فيجب أن تتبع من هو مأمون. اتبع الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل. البعض يقول: أنا أريد أن اعمل بشكل مستقل. أستقلّ بفكري. لا. تستقلّ بفكرك مع المساوي لك. تقول له لك تفكيرك ولي تفكيري، لكن مع إنسان أعلى منك، يحمل ركامًا من التجارب، أو مأمون من الله عز وجل. أنت  يجب أنتتبعه. واتباعك له دليل على أنك قد وطنت نفسك، ودليل على أنك حر، لأن الأخذ بالوحي أخذ بالسبب الكافي. فتتبع الأمثل فالأمثل، ولذا، ديكارت قارب نصف الحقيقة.  ماذا كان يقول؟

 

يتكلم عن الحرية والاستقامة والإرادة، يقول إن الإنسان بحاجة إلى المعرفة. ربط الإرادة والحرية وعدم الانحراف بماذا؟ بالمعرفة طبعًا هو لم يعبر بعدم الانحراف، فأنا أسقط كلامه على مجالنا لأنه يتكلم عن الحرية والإرادة، والحرية والإرادة تبحثان في هذا المجال، والانحراف يبحث في هذا المجال، على كل حال تكلم عنها وقال وأولها ضرورة عنصر المعرفة لكنه لم يحدد مصادر المعرفة، لا يعرفها لا يعرف مصادر المعرفة، أولاها اتباع الأنبياء واتباع المأمونين على شرع الله عز وجل. نعم، المستكملين للشروط، شروط الأهلية. هكذا. وهناك بعد الروابط الاجتماعية. أيضاً يقول لك: ابنها على أساس الإرادة المقاومة. الإرادة هذه التي تتحكم بها ولا تنحرف. هذه الإرادة أحياناً تحتاج أن تتصل بإرادة مجاورة حتى تكون قوية. تحتاج إلى إرادة من نوع الأخوة. وقال لك: أكثر من اتخاذ الأخوة الصالحين؟ لأنهم يمثلون معزز إرادة بالنسبة لك. يمثلون معزز إرادة. وهذا الكلام الذي أقوله واضح في الذهنية الشعبية. ليس جديدًا. لذلك أنت تأخذ قوى معززة وتأخذ إرادة معززة. ومن هنا صار يستحب الإكثار من الإخوان الصالحين. يوم القيامة يرى الناس، يرى الصالحين أمامة، وآخذ أجرًا وثوابًا يقول أنا لم أعمل شيئًا، أنت عملت أنت لا تدري أن عملك كان لهم يد فيه. الذي يسرج لك المصباح والسراج في الظلمة له أجر او ليس له أجر؟ ولذا، هذه الإرادة المقاومة نحن فعلاً نحتاجها. لذا تعال وانظر إن كل ما ذكرنا ينطبق على شخصية هذه الليلة مسلم بن عقيل حين تأتي إلى الإحاطة بالمعنى كان بصيرًا يدرك الاتجاه الذي اتجه فيه، اعترف له الحسين بذلك.. هو يوصف بالثقة.

ويوصف بالبصير هذه هي النتيجة، إنسان بصير الإنسان على نفسه بصيرة. نعم، عنده هذه البصيرة. كان يحيط بنفسه. كان يحيط بالإحاطة العملية. الأمور واضحة بالنسبة له. لذلك، لم ينحرف قيد شعرة وجلّ عن الانحراف، نعم، لا يمكن أن ينحرف. هذا الخريج المأمون لمدرسة أهل البيت عليهم السلام. لذا الله عز وجل جازاه بماذا؟ جازى مسلم بن عقيل. ما هو الجزاء الذي حصل عليه مسلم، لاحظ كل من قتل في عاشوراء لم يقتل مواسيًا للحسين في كل شيء كمسلم بن عقيل. الحسين رغم أنه وصل إلى الماء، لكنه ما استطاع أن يشربه. نفضه من يده ومات عطشانًا مسلم بن عقيل وضع شفته في القدح، فسقطت ثناياه وما شرب منه شيئاً. الحسين عليه السلام بقي وحيداً. لا أحد يلي خدمته إلا امرأة، وهي زينب. مسلم بنهايته وقفت معه امرأة. نعم، الحسين سلام الله عليه سقط من جواده وذهب جواده بعيداً. مسلم ترجل من جواده وسرح جواده. الحسين قطع رأسه ومسلم قطع رأسه، لكن الحسين هشمت أضلاعه بالخيول. مسلم ماذا جرى له؟ قال اللعين أتبع جسده برأسه فرموا به إلى الأرض وتهشمت أضلاعه.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد