لقاءات

أمل الفرج: القصيدة الحسينيّة أنصع ألوان الشّعر، وأشدّها بقاءً وجدانيًّا

"القصيدة الحسينيّة أنصع ألوان الشّعر، وأشدّها بقاءً وجدانيًّا، فهي سيّالة وجارية لا تعرف قوس النّهاية، ولا تضمحلّ دلالاتها، ولا تنتهي ثقافتها، وستبقى مخيّلاتها تغني الأدب والمكتبات". للقصيدة الحسينيّة الأثر الرّوحيّ الكبير في ذواتنا، فهي تحاكي صدق المشاعر، وتتخطى النّشاط اللّغوي والتّعبيريّ، لتكون رسالة مقدّسة، حروفها تضجّ بجماليّة خاصّة، وهذه الجماليّة قلّ صانعوها، فهي تعطي حياة للقصيدة، تجعلك تعيش الحدث وكأنك موجود داخله، وهذا ما تبدع به الشّاعرة الأستاذة أمل الفرج، التي حاورتها (نسرين نجم) حول القصيدة الحسينيّة وخصائصها...

 

الشّعر هو لغة الرّوح، هو الصّلاة في محراب الكلمة، برأيك إلى أيّ مدًى يعبّر الشّعر بشكل عامٍّ عن خلجات النّفس وهويّتها وعاطفتها، بخاصّة عندما يتعلّق الأمر بمناسبة واقعة الطف؟ ألا ترين هنا، بأنه في حال دخلت العاطفة سيطرت على كل ما عداها؟

(لم يكن الشّعر يومًا ما شيئًا طارئًا.. أو لونًا خافتًا.. بل كان ولا يزال حاجةً ملحّةً تسكن الرّوح، ومكابدةً أعمق من كونها نشاطًا لغويًّا وتعبيريًّا، أمّا إن كان الشّعر في الحسين عليه السّلام، وفي واقعة الطّفّ، فهنا سيكون للشّعر كلمته وديمومته وحرارته الأخرى، فذاتيّة الموقف في كربلاء، لا يمكن إقصاؤها أو إبعادها عن العاطفة، فالتّداخل العاطفيّ يجعل من القضيّة الحسينيّة حيّة ومستمرّة وفائقة الحضور.. لأنّ الشّعر الحسينيّ بعاطفة وجوده، وأنسنة اقترافه، قد اكتنز زخمًا أدبيَّا عاليًّا جدًّا، وأعطى الأدب ثراءً كبيرًا، والعاطفة هي المحرّك الأوّل في الشعر والدّافع الأكبر لتعاطيه).  

 

عرف عنك أستاذة أمل أنّك شاعرة أهل البيت (ع) ماذا يعني لك هذا اللقب؟ وماذا تعني لك شخصيات كربلاء شعريًّا؟

(لقبٌ عظيمٌ أسعى لأكونه حقًّا.. وحيث تبقى كربلاء شيئًا مفصليًّا في تجربة كلّ شاعر، ويبقى الشّعر في الحسين وقعًا مغايرًا، فهو يشكّل هُويّةً وانتماءً وحضورًا، ولأنّ ارتكاب البوح الحسينيّ يبتني على حرارة الحدث، فيخلق منها مسيرة ضوء أخرى، ترى في شخصيّات كربلاء ذواتًا ملهمةً، قادرةً على صنع تجربةٍ نازفةٍ بالوعي والاتّساع، فشخصيّة كزينب عليها السّلام، تتفرّعُ وتتشجرُ حيويّةً ورمزيّةً تُغرق الشّعر، فضلاً عن تجارب الشعراء).      

 

في ظلّ انتشار وسائل التّواصل، وارتفاع منسوب التّشويه الشّعري والانحراف الفكريّ، كيف يمكن أن نحافظ على القصيدة الحسينية؟

(القصيدة الحسينيّة أنصع ألوان الشّعر وأشدّها بقاءً وجدانيًّا، فهي سيّالةٌ وجاريةٌ لا تعرف قوس النّهاية، ولا تضمحلّ دلالاتها، ولا تنتهي ثقافتها، وستبقى مخيّلاتها تغني الأدب والمكتبات، وإن امتلأت الدنيا بالتّشويه الشّعري، فحاضنو الشّعر الحقّ ومريدوه، يميّزون ويتمايزون، والشّعراء الحقيقيّون يأثّثون جمالاً ووعيًا وولاءً، ولتبقى القصيدة الحسينية سيّدة الأدب ونصّ الحياة، يتوجّب ممارستها بقدسيّةٍ كقدسيّة الشّخوص، وعمق المأساة، والمحافظة على رمزيّتها وثورتها وامتدادها الزمنيّ، وحيوية وقعها).

 

ما بين الماضي والحاضر، كيف اختلف الشّعر الحسينيّ؟ وأي مبادىء أو قوانين يجب أن تراعيها القصيدة الحسينية؟

(اتّسع الحسين واتّسعت معطيات البوح في الزمن المعاصر عمّا سبقه، فلم تعد كربلاء بقعةً جغرافيّةً حوت حدثًا عظيمًا فقط! بل تجاوزت حدودها وتخطّت رقاب السماوات، والتّعاطي مع قضايا السّماء يستلزم العروج القلبيّ والعلوّ الرّوحيّ، ولأنّ كربلاء  غير خاضعةٍ للحصر في قيمها وأهدافها واستغراقها في السموّ، فالكتابة حيالها أشبه بالوحي، ولربّما روح القدس كان يؤزّ الشّعراء الحسينيين لاستنطاق ملحمة الحسين بأرقى أشكالها، فلا حدود ولا مبادئ ولا قوانين من الممكن أن تستوعب قضيّةً كقضيّة كربلاء، فقط هو التسامي في العلوّ والتّعالي في السموّ، والاشتغال على وضع القلب / الشّعر مكانه!).

 

لديكم الكثير من القصائد الحسينيّة التي توقّفنا عند عناوين البعض منها "كربلاء تسبيحة الله"، "للحسين ذاكرة خارج النّص"، "كربلاء مصبّ الحب". كم هو مهمّ اختيار عنوان للقصيدة؟ وهل تؤمنين بأنّ القصيدة تقرأ من عنوانها؟ أم أنّك تتقصّدين المفاجأة داخل النّصوص الشّعريّة؟

(العناوين الجاذبة والشّائقة ليست محض اختيار عشوائيّ عند الشّاعر، فعمليّة انتخاب عنوان ما لنّص ما.. لا تخلو من تجاذب فكريّ وخياليّ ولغويّ، فبعض العناوين قد تشكّل عالـمًا شعريًّا مموّجًا، وقد تستهلك من تفكير شاعرها الكثير.. لأنّ العنوان بصمة النّص وبوّابة عبوره، فهو يعتمل في وجدان الشّاعر كاعتمال القصيدة ذاتها من فعل الإبداع والاجتذاب اللّغوي وسحب المتلقّي، وإنْ تنجحْ في خلق متلقّين لدخول النصّ من خلال العنوان، فأنت من الإبداع والمهارة بمكان).   

 

تلعب العناوين كما ذكرنا دورًا في جذب القارىء، وكذلك التّعبيرات الجماليّة، ما هو دور الشّعر العموديّ في إعطاء القصيدة بريقًا خاصًّا بها؟

(في الشّعر الحسينيّ يتعالق النّصّ بالشّخوص والحدث والتّاريخ وحرارة الموقف وامتداديّة الحدث، ويتعاطى كلّ ذلك بصدقٍ وشجىً طاغٍ، وهذا لا يستوعبه إلا شعرٌ تأصّل في وجوده، فمهما اتّجه البوح الشّعريّ الحسينيّ، وأخذ منحى الحداثة، ستكون القصيدة العموديّة متسيّدةً وضاربةً في عمق الوجدان، وباقية ما بقي الحسين، فلم نرَ قصائد خالدة إلا تلك الخليليّة التي تنتظم مصرَّعة في شكلٍ عموديٍّ مُتقن).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد