الخطيب: الشيخ عبد الجليل بن سعد
المكان: مسجد الإمام الحسين (ع) بالحليلة
التاريخ: ١١ أبريل ٢٠٢٥م ــ الموافق ١٢ شوال ١٤٤٦هـ
مضمون الخطبة:
تتناول هذه الخطبة طبيعة النفس البشرية القابلة للتلوّن والتحوّل بحسب الظروف والمواقع، وتُسلّط الضوء على أمثلة معاصرة من حياتنا اليومية تُبيّن كيف يتبدّل سلوك الإنسان وشخصيته في مواقف مختلفة، وتربط هذه الظواهر بالحكم الشرعي ومقاصده في الوقاية من الانحرافات.
قال تعالى:
﴿وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ صدق الله العلي العظيم.
واحدة من حقائق النفس العجيبة: قابليتها للتلون بتلون الواقع والموقع، وبتلون الحال والظرف. بعض الناس لا يستطيع أن يرى نفسه في شخصية واحدة. قد تقول لي: الناس لا تستطيع تمييزه.
أنا أؤكد أن بعض الناس هو نفسه لا يستطيع تمييز نفسه، وهو لا يعرف شخصيته الحقيقية أو حقيقة شخصيته. هو ممّن يتفاجأ من نفسه؛ ففي كل يوم وفي كل وضع له شخصية.
الشخصية قابلة للتلونات، وهناك تلونات محسوبة معروفة، وأخرى غير محسوبة. ويُعتبر تلوّن الشخصية واحدًا من الاشتغالات المهمة للعلوم الإنسانية اليوم.
علم النفس، علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي ترى تلوّن الشخصية من القضايا الواسعة في هذا الحقل وذاك، وخصوصًا في هذا العصر.
في هذا العصر، ما عاد تلون الشخصية أمرًا خافيًا؛ فالإنسان يخطو خطوة واحدة، قبل الخطوة تكون له شخصية، وبعدما يخطو الخطوة أو الخطوات، يظهر بشخصية مختلفة.
نأتي للأمثلة:
اليوم يتحدثون عن "شخصية القيادة"، أي قيادة السيارة.
يقول لك: الإنسان إذا قاد السيارة، واستقلّ بمركبته، في الواقع ترك شخصيته الرزينة في البيت وخرج بشخصية مختلفة. لذلك يُدرس سلوك القيادة.
يقول لك: غضب القيادة، يعني غضب يختلف عن سائر أنواع الغضب الذي يعرفه الإنسان في حياته. استهتار القيادة؛ هذا نفسه الإنسان الذي في البيت يخاف أن يضع يده على مقبض كهربائي فيه عطب، يخاف أن يمدّها عليه، هو نفسه يركب السيارة ويسرع سرعة الموت!
فأين الخوف؟! الخوف من الموت أين ذهب؟!
هو نفسه هذا الشخص، لكن بعد أن يقود السيارة، تصبح له شخصية أخرى.
بهيمية القيادة: نتكلم عن غضب القيادة، استهتار القيادة، و"بهيمية القيادة". سابقًا، عندما تأتي بسيارتك على الطريق، تتفاجأ أحيانًا ــ خصوصًا في أيام ما كانت الدواب الأهلية كثيرة ــ بدابة رابضة في وسط الشارع، فتضطرّ أن تتوقف، ويقف السير خلفك، وتعطي بوري حتى تنهى هذه الدابة.
اليوم، في كثير من الأحيان، ترى الخط متوقفًا، تتأمل إلى الأمام، وإذا بشابين واقفين في وسط الشارع، كما تقف البهيمة، يتناجون، غير مبالين بمن خلفهم. نسميها: بهيمية قيادة. يركب، وتصير عنده شخصية مختلفة.
شخصية أخرى تظهر على البعض، ليس فقط على الأطفال، بل حتى على الكبار، مع الألعاب الإلكترونية. حين يبدأ باللعب، تصبح له شخصية مختلفة:
ألفاظ قبيحة، وهذا أقلّها. أكثر من ذلك: هو يصدق نفسه في مواجهة، ويكسر الشاشة! تبدو منه حركات، بالنسبة للناظر من بعيد، لا شكّ أنها حركات جنون، هذا أقلّها! بل أصبحت الألعاب الإلكترونية هدرًا للأموال.
صار هذا الطفل أو المراهق، الذي إذا أخذ مئة ريال من والدته وذهب للبقالة، إذا اشترى بخمسين، يرجع خمسين، وإذا اشترى باثنين وخمسين، يرجع ثمانية وأربعين. أمين، لكنه يسرق بطاقة والدته أو أخيه من أجل أن يتحصّل على ألعاب جديدة!
وهناك شخصية تظهر أيضًا في المجموعات والجروبات، ما يسمى بالقروبات. نفس هذا الإنسان الذي في مجلس العائلة يستمع للكبير ويُقدّر، والذي في جلسة الشباب الحيّة والاستراحات يناقش بشكل بسيط، ثم ينكسر أمام حجة الآخر... هذا نفسه في المجموعات لا يقنعه شيء، لجوج! هناك شخصية، وهنا شخصية مختلفة.
شخصية مختلفة تأتي للبعض أيضًا: يتكلم عنه الناس جميعًا ويقولون إنه لا يعرف الظلم، ولا يُعرف عنه الظلم.
تسألهم: فلان كيف؟
يقولون: فلان حساس من الظلم، لا يمكن أن يغلط على أحد عنده إنسانية.
فلان من أنصار المظلومين ومن أعوانهم.
لكنه أكبر ظالم!
ما عرف الظلم إلا مع زوجته، ظالم خالص!
فما استطاع أن يحافظ على شخصيته الاجتماعية، فإذا جاء أمام هذه الضعيفة، تحوّل إلى شخصية صعبة!
هذا الاستعراض، أيها السادة، هو الذي يجعلنا ويساعدنا أن نفهم ما وراء الأحكام الشرعية.
بعض المثقفين يحاول أن يجادل في بعض الأحكام. يقول لك: لماذا يمنعون من اللهو؟ من أين جاء الشرع بمنعنا من الغناء أو القمار؟
نقول: لأن الإنسان في ساعة القمار يصبح شخصية منكرة، ولأن الإنسان في لحظات اللهو تتغشاه شخصية لا عهد له بها، ولا يملك معها أمرًا.
هنا يجادل، لكن من يعطونك ــ علماء النفس ــ مثال السيارة، ومثال الألعاب الإلكترونية، ومثال مجموعات الواتساب وغيرها، ويفسّرون كيف أن الشخصية المفاجئة تؤدي إلى جرائم، اضطرّ القانون أن يضع محكمة خاصة للجرائم الإلكترونية.
تقول: ما شاء الله! هذا أمر تحدث به الشارع قبل هذه العلوم بمئات السنين.
الشرع، عندما يمنعك من التشبّه، يقول لك: انتبه يا شباب في لبسك، في قصتك، في هندامك، في لغتك، في لهجتك... لا تتشبّه بالجنس الآخر؛ لأن التشبه بالجنس الآخر سيُغيّر من شخصيتك.
واليوم، من أين جاءت هذه الميول؟ ميول تبديل الشخصية، تبديل الجنس، من أين جاءت؟ بدايتها: تشبّه.
الشرع يمنعك: لا تتشبّه بالمختلف معك في الدين، لا تطبّق ثقافته. لتكن لك ثقافة مستقلة، لأنك لا تأمن أن تتلبّس بشخصيته. نعم، لا تأمن من ذلك.
نسأل الله سبحانه وتعالى الإصلاح لنا ولجميع أبنائنا وبناتنا وإخواننا، ونسأله الهداية، ونسأله حسن الخاتمة والعاقبة، ونسأله البصيرة النافذة، والتي بها نستطيع أن نتحصّل على المنعة، والمناعة، والحصانة، والقوة، والفهم، والتدبر، والإحساس الصادق مع أنفسنا.
وخير ما نختم به الكلام: الصلاة والسلام على خير الأنام وآله الكرام، محمد وآل محمد.
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد جعفر مرتضى
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ حسين الخشن
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
(ما تنكّر من عرش بلقيس)، الدّيوان الشّعريّ الثّالث لتهاني الصّبيح
(كتابك هديّتك) مبادرة ثقافيّة في صفوى
مصادر تفسير القرآن الكريم (3)
من هم الخالدون؟
أدم الطّهارة يدمْ عليك الرّزق
الإمام الصّادق (ع) البحر اللامتناهي
الإمام الصادق (ع) أبو المذاهب بشهادة أئمتها (2)
الإمام الصّادق: سراج سماء المعارف
دور الإمام جعفر الصادق (ع) في تمتين العلاقات مع الآخر
العامل الأول لانطلاق مسيرة التقدّم في المجتمع