علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سيد جاسم العلوي
عن الكاتب :
كاتب ومؤلف في العلوم الفيزيائية والفلسفية، حاصل على البكالوريوس و الماجستير في علم الفيزياء من جامعة الملك فهد للبترول و المعادن حاصل على الدكتوراه من جامعة درهم (بريطانيا) في الفيزياء الرياضية.

التطور التاريخي لفيزياء الجسيمات الأولية (1)

يبحث العلماء في مكونات المادة بهدف الوصول إلى مكوناتها الأساسية والتي تمثل اللبنات الأولى في بناء العالم الطبيعي. لم يكن الوصول إلى هذه المكونات الأساسية حلمًا يراود علماء الطبيعة بل كان حلم الفلاسفة أيضًا. كان أرسطو يعتقد أن المادة تتكون من أربعة عناصر أساسية هي التراب، والماء، والهواء، والنار. وهذه العناصر المكونة لمادة الكون تتصف بالاتصالية التي تعني أنه ليس للمادة مكون نهائي، فتقطيع المادة إلى جزيئات صغيرة يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية دون أن نصل إلى حد نهائي من المادة لا يقبل القسمة ويكون بمثابة المؤسّس الأول للبناء المادي. في المقابل شيّد الفيلسوف اليوناني ديمقريطس مذهبه الذّريّ الذي يقوم على أساس انفصال المادة، أي أن المادة مكونة من ذرّات يفصل بينها خلاء وهذه الذرات غير قابلة للانقسام فهي المادة الأولية في البناء المادي. ولقد أثبت العلم الحديث بما لا يدعو مجالًا للشك صحة النظرية الذرية.

 

في العام 1897 اكتشف طمسن J.J Thomson الإلكترون (–e) وقد استخدم للكشف عن هذا الجسيم أنبوبًا في أحد أطرافه شعيرات حارة تنبعث منها هذه الإلكترونات. وبسبب الشحنة السالبة التي تحملها هذه الإلكترونات فإنه يمكن تسريعها باستخدام مجال كهربائي نحو شاشة فسفورية تضيء في اللحظة التي يصطدم بها الإلكترون. لقد أدرك رذرفورد أن هذه الإلكترونات يجب أن تنبعث من الذرات، وفي العام 1911 أثبت بأن هذه الذرات لها بناء داخلي، ففي المركز توجد النواة وهي ذات شحنة موجبة وتتركز فيها غالبية كتلة الذرة تدور حولها الإلكترونات سالبة الشحنة.

 

لقد اقترح هذا النموذج الشمسي للذرة بناءً على الطريقة التي انحرفت بها إشعاعات ألفا، وهي جسيمات موجبة الشحنة، عندما سلطها رذرفورد على رقيقة معدنية من الذهب. وظل الاعتقاد بأن الذرة مكونة من نواة بداخلها جسيمات تحمل شحنات موجبة تسمى البروتونات (p) سائدًا حتى العام 1932 عندما اكتشف جيمس شادويك James Chadwick من أن النواة تضم جسيمات أخرى لها تقريبًا نفس كتلة البروتون ولكن ليس لها شحنة سميت بالنيوترونات (n).

 

في العام 1928 دمج بول ديراك Pual Dirac معادلات النظرية الكوانتية Quantum Theory مع معادلات النسبية الخاصة Special Relativity وجاءت المعادلات المدمجة بخاصية غريبة. لقد استطاع ديراك أن يبرهن على أن الجسيمات كالإلكترون له كتلة ويحمل شحنة سالبة يمثل حلاً لهذه المعادلات الأساسية، ولكنّ لهذه المعادلات حلاً آخر باستبدال فقط الإشارة السالبة للإلكترون بأخرى موجبة، مما يعني إمكانية وجود جسيم آخر له نفس كتلة الإلكترون ولكنه يحمل شحنة موجبة.

 

كان ديراك الأول في التاريخ العلمي الذي يتنبأ بوجود جسيم بطريقة نظرية بحته. إن هذا الاكتشاف يفترض أن كل جسيم له نقيضه الذي يتفق معه في الكتلة ويختلف معه في الشحنة. وبالفعل وفي العام 1932 وهو نفس العام الذي اكتشف فيه النيوترون، استطاع أندرسون Anderson باستخدام الغرفة الغيمية Cloud Chamber التي تبين المسار الذي يسلكه الجسيم بواسطة الصور الفوتوغرافيه. ويوجد في هذه الغرفة الغيمية مغناطيس قوي يؤثر على حركة الجسيمات. فالجسيم الذي يحمل شحنة موجبة يتحرك إلى الأسفل والجسيم الذي يحمل شحنة سالبة يتحرك إلى الاعلى. لاحظ أندرسون أن جسيمات تتحرك إلى الأسفل ولكنها ليست بروتونات لأن مسارها رقيق يشبه مسار الإلكترونات وبطريقة خاصة أثبت أن هذا الجسيم مضاد للإلكترون anti electron وسمي بالـ (بوزوترون +positron  e). وبعد ثلاث سنوات من اكتشاف البوزوترون اكتشف الفيزيائي البريطاني باتريك بلاكيت Patrick Blackitt أن البوزوترون والإلكترون يمكن أن يتكوّنا عندما تختفي أشعة جاما ذات الطاقة العالية بعدما تمر من خلال رقيقة من الرصاص، وكان ذلك أول برهان عملي على تحول الطاقة إلى كتلة وفقا لمعادلة أينشتين الشهيرة: E=mc2

 

حيث E  تمثل طاقة الجسم، و m تمثل كتلته و c سرعة الضوء. كما أن الإلكترون عندما يلتقي بالبوزوترون يفنيان وينتجان أشعة جاما في عملية عكسية.

 

لقد اعتبر أينشتين الكتلة ”طاقة مكثفة”، فالكتلة والطاقة يمثلان وجهين لعملة واحدة أو مظهرين لحقيقة واحدة. فعلى ضوء النظرية النسبية فقد العالم صفة الثبات المطلق، فما كان يعد من الثوابت والمسلمات في الفيزياء الكلاسيكية أصبح ثباته نسبيًّا. فكتلة الجسم المتحركة تزداد بمقدار طاقة حركتها أي أن الجسم إذا تحرك بسرعة معينة فإن طاقته الحركية تزيد من مقدار كتلته، فالكتلة بحسب التحليل النهائي للعلم هي “طاقة مكثفة”. وقد أثبتت التجارب صحة هذه النظرية أيضًا عبر الانشطار النووي الذي يتم عندما تتعرض نواة ذرة ثقيلة كاليورانيوم 235 لقذائف من النيوترونات تنقسم على أثرها الى نواتين صغيرتين مجموع كتلتيهما أقل من كتلة النواة الأصلية ويعطي هذا الفارق في الكتلة طاقة قدرها 200 ميغافولت لكل حادثة انشطار. وكان لهذا الاكتشاف أثره الكبير على مسيرة التاريخ البشري على مختلف الأصعدة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد