الشيخ محمد صنقور ..
المعروف أنَّ النبيَّ إبراهيم (ع) هو من كسَّر الأصنام إلا أنَّه حين سُئل عن ذلك أجاب قائلاً: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ فهل كذبَ إبراهيمُ "ع" لينجوَ من الهلاك؟ وهل يخافُ الأنبياء في اللهِ لومةَ لائم؟!
ليس في جواب إبراهيم (ع) لقومه ما هو كذب، لأنَّه علَّق الإخبار عن نسبة تكسير الأصنام إلى كبيرهم على نطقِهم، وهذا معناه أنَّ كبيرهم ليس هو من حطمهم إذا لم ينطقوا، فهو لا يدَّعي أنَّ كبيرَهم قام بتحطيمهم.
فمساق جواب إبراهيم (ع) هو مساقُ إخبارنا عن التارك للصلاة "إنَّ زيداً هذا يُصلِّي لو كان إبليسُ يصلِّي، فلأنَّ المخَاطَب يعلم أنَّ إبليس يستحيلُ في حقِّه أنْ يُصلِّى لذلك لا يكون إخبارنا بأنَّ زيداً يُصلِّي كذباً، رغم أنَّه لا يصلِّي واقعاً، ومنشأ عدم صحَّة وصف هذا الخبر بالكذب هو أنَّه عُلّق على أمرٍ معلوم الانتفاء.
وكذلك لو قال البريىء المتَّهم بالقتل: إنَّه قتل زيداً لو كان الذئب أكلَ يوسف، فإنَّ إخباره عن وقوع القتل منه لا يُعدُّ كذباً ولا إقراراً بالقتل لأنَّه علَّق إخباره بارتكاب القتل على أمرٍ معلوم الانتفاء وعدم الوقوع، وهو أكلُ الذئبِ ليُوسف (ع).
وكذلك لو قال نبيٌ من الأنبياء: إنَّه كافر بالله تعالى لو كان لله تعالى ولد، فإنَّ إخباره بأنَّه كافر لا يكون كذباً لأنَّه عُلِّق على أمرٍ مستحيل التحقُّق.
والمتحصَّل: إنَّ قول إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ (1) صيغ على نهج القضية الشرطيَّة، ومن الواضح أنَّ القضايا الشرطية يكون فيها الجزاء معلَّقاً وموقوفاً على تحقُّق الشرط، ومعنى ذلك أنَّه متى ما كان الشرط منتفياً فإنَّ الجزاء يكون مثله منتفياً.
والشرط في الآية المباركة هو نطق الأصنام، والجزاءُ هو الإخبار عن كبيرهم أنَّه مَن قام بتحطيمهم، وحيث أنَّ الشرط وهو نطق الأصنام منتفٍ ومستحيل التحقُّق لذلك فإبراهيم لا يدَّعي أنَّ كبير الأصنام هو مَن حطَّمهم.
وبتعبير آخر: إنَّ إخبار إبراهيم عن تكسير كبير الأصنام للأصنام لم يكن إخباراً فعلياً وإنَّما كان إخباراً معلَّقاً، وهذا يقتضي أنَّه لا يدَّعي تحقُّق مضمون خبره إذا لم يكن المُعلَّق عليه متحقِّقاً، وحيث أنّ المعلَّق عليه وهو إمكانيَّة نطق الأصنام مستحيل التحقُّق لذلك فهو لا يدَّعي وقوع مضمون خبره حتى يكون خبرُه كاذباً.
وهذا الذي ذكرناه هو معنى ما رُوي عن الإمام الصادق (ع) حين سُئل عن قول الله عزَّوجلَّ في قضيَّة إبراهيم (ع): ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ قال: ما فعلَه كبيرُهم، وما كذبَ إبراهيم (ع)، قيل وكيف ذاك؟ فقال: إنَّما قال إبراهيم (ع) ﴿فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ فإنْ نطقوا فكبيرُهم فعل، وإنْ لم ينطقوا فكبيرُهم لم يفعل شيئاً، فما نطقوا وما كذَبَ إبراهيمُ (ع)" (2)
ففي الآية تقديم وتأخير ومؤدَّاها هو فاسئلوهم : إنْ كانو ينطقون فقد فعلَه كبيرهم.
وأما لماذا خاطب إبراهيمُ قومَه بهذه الكيفية ولم يعترف لهم بأنَّه مَن كسَّر الاصنام ابتداءً فذلك لغرض تحفيز عقولِهم على التنبُّه إلى أنَّهم يعبدون ما لا ينطق وهو ما يُنافي التعقُّل، ولذلك حينما خاطبهم بهذا الخطاب فهموا غرضَه وما يرمي إليه ولم يفهموا من كلامه الإنكار قال تعالى: ﴿فَرَجَعُوا إلى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ / ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ﴾(3)
فهو إذن لم يكن بجوابه الذي ردَّ به عليهم خائفاً من الإقرار بتكسيرِ الأصنام، لأنَّهم كانوا يعلمون بأنَّه هو مَن كسَّر الأصنام، وكان قد هدَّدهم صريحاً بأنَّه سوف يُحطِّم أصنامهم كما قال الله تعالى مُخبِراً عنه : ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾(4)
ــــــــــــــــــــ
1- سورة الأنبياء آية رقم 63.
2- الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 ص 104.
3- سورة الأنبياء آية رقم 64/65.
4- سورة الأنبياء آية رقم 57.
الشيخ محمد جواد مغنية
محمود حيدر
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (1)
انتظار المخلّص بين الحقيقة والخرافة
تلازم بين المشروبات المحلّاة صناعيًّا أو بالسّكّر وبين خطر الإصابة بمرض الكلى المزمن
أسرار الحبّ للشّومري في برّ سنابس
الميثاق الأخلاقي للأسرة، محاضرة لآل إبراهيم في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (9)
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟