الشيخ محمد صنقور ..
ما هو المراد من الغثاء في قوله تعالى في سورة المؤمنون: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(1) ومن هم المعنيون في هذه الآية المباركة؟
الجواب:
يُطلَقُ الغُثاء ويُرادُ منه ما تحملُه السيول من أوراقِ الشجرِ وأغصانها اليابسة وما يطفو على الماء من النفايات والأطعمة الفاسدة والحيوانات النافِقِة والأخشاب المهشَّمة وما أشبه ذلك وعليه فالمرادُ من قوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً﴾ هو أنَّه تعالى أهلكهم بالصيحة فأصبحوا جُثثًا هامدة، فصار شأنُهم شأنُ الغُثاء والنفايات التي تكنسُها السيول إذا مرَّت من جهتها.
ففي الآية استعارةٌ بحسب اصطلاح علماء البلاغة، وذلك لأنَّ في الآية تشبيهٌ، فالمشبَّه هي جُثث الظالمين بعد هلاكِهم، والمشبَّه به هو الغُثاء والكُساحات التي تطفو على الماء وتحملُها السيول، ولأنَّ الآية حذفتْ اسم المشبُّه وهي جُثث الظالمين وصرَّحت بالمشبَّه به وهو الغُثاء لذلك فهذا التشبيه من نوع الاستعارة التصريحيَّة، والغرض من التشبيه بيانُ واقع حالِهم الذي صاروا إليه بعد هلاكِهم، والإشارةُ إلى امتهانِهم وتحقيرِهم وأنَّ ما كانوا عليه من النعيم والترف لم يرعو حقَّه لله تعالى فكان جزاؤهم هذا الامتهان، يقولُ الله تعالى يصفُ حالهم قبل الهلاك: ﴿وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(2).
وأمَّا مَن هم المعنيُّون من هذه الآية المباركة فهم وإنْ لم يتمَّ التصريحُ بهويَّتهم إلا أنَّ الآيات التي وقعت هذه الآيةُ في سياقها أفادت أنَّ هولاء الذين أهلكهم الله تعالى بالصيحة كانوا في القرن الذي تلا عهدَ نوحٍ (ع) قال تعالى بعد تفصيلٍ لأحوال قوم نوح: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾(3) وأقربُ الأقوام زمنًا بعهد نوحٍ (ع) هم قومُ عاد ثم جاء بعدهم قومُ ثمود، والذين أخبر القرآنُ عن أنَّ الله تعالى أهلكهم بالصيحة هم قومُ ثمود كما قال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾(4) إلى قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(5). وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾(6) إلى قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾(7) وأصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح (ع).
فقبيلةُ عاد وهم قوم هود وإنْ كانوا أقربَ زمنًا(8) إلى قوم نوح (ع) إلا أنَّ هلاكهم لم يكن بالصيحة وإنَّما كان بريحٍ عاتيةٍ كما قال تعالى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾(9) فالذين كان هلاكُهم بالصيحة وكان أقربَ الأقوام عهدًا بقوم نوح (ع) هم قبيلةُ ثمود قومُ صالح (ع)(10) ولذلك فالمُستقرَبُ هو أنَّهم المعنيُّون من هذه الآية من سورة المؤمنون: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ نعم لا يُمكن الجزمُ بذلك فلعلَّ المعنيِّين من الآية هم مِن الأقوام الذين جاؤوا بعد نوح(ع) ولم يتصدَّ القرآن لبيان أحوالِهم وهويَّة الرسولِ الذي بُعث إليهم.
ثم إنَّ القرآن الكريم قد أخبر عن أنَّ الله تعالى قد أهلك أقوامًا غير ثمود بالصيحة كقوم شعيب وقوم لوط قال تعالى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(11) وقال تعالى عن قوم لوط: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾(12) لكنَّهم ليسوا هم المعنيِّين ظاهرًا من قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وذلك لبُعد زمنِهم عن عهدِ نوحٍ (ع) بقرونٍ متمادية والحال أنَّ الذين عنتهم الآية من سورة المؤمنون كانوا قريبي عهدٍ بزمن نوح (ع) كما هو واضحٌ من الآيات التي وقعتْ هذه الآية في سياقها.
ـــــــــــــ
1- المؤمنون/41.
2- المؤمنون/33.
3- المؤمنون/31-32.
4- الأعراف/73.
5- هود/66-67.
6- الحجر/80.
7- الحجر/83.
8- قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
9- الحاقة/6.
10- قال تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
11- هود/94.
12- الحجر/73-74.
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
الشيخ نجم الدين الطبسي
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
عدنان الحاجي
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
شبهة امتناع الإمام الصادق عن استلام الخلافة
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}
العالم قبل الظهور
الأدوار الزينبية
الإمام الصادق (ع) والتصدي لتيار الغلاة
في رثاء الصّادق عليه السّلام
الصادق (ع) في آراء العلماء (1)
عقيلة الوحي
المراد من العلم النافع
ما هي حقيقة الذكاء؟ وكيف نزيده قوّة؟