لا يتكوّن الميراث الحضاري مرّة واحدة، إنّما يتكوّن ويقوى ويتسع تياره، ويتأصّل أكثر في الأرض وفي نفوس المؤمنين، كلّما يمرّ به جيل أو يمتدّ به الزمن.
وهذا الميراث العقائدي والحضاري الكبير يشمل الإيمان بالله، والرسول، والقيم، والولاء لله وللرسول ولأوليائه، والأخلاق، والقيم، والسلوك، والحبّ، والبغض، والأعراف والتقاليد، وحتى المصطلحات، والشعارات... وهي تنتظم في حقول من حياة الإنسان.
وليس من الممكن ـ إطلاقاً ـ أن تتكوّن كل هذه الكنوز العقائدية والحضارية في حياة الجيل مرّة واحدة، وإنّما تتحوّل من جيل إلى جيل، يستلمها كل جيل ليسلّمها إلى الجيل اللاحق، وخلال هذا الانتقال والعبور عبر الأجيال يزداد هذا الميراث عمقاً وأصالةً ورسوخاً ووضوحاً.
ونحن نلاحظ في القرآن هذا التماسك والارتباط بين أجزاء ومراحل هذه المسيرة العقائدية والحضارية الكبرى، ونلاحظ تأكيد القرآن على الارتباط بهذه المسيرة، بشكل عام ومن دون تفرقة، وأنّ هذه المسيرة بمجموعها هي الإسلام، ولن يقبل الله تعالى غيره من الإنسان.
(قُلْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْناَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنّبِيّونَ مِن رَبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، [ آل عمران : 84-85 ].
(قُولُوا آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِن رَبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِن آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهتَدَوا وّإِن تَوَلّوْا فَإِنّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ * صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ). [ البقرة : 136-138 ].
وليس معنى ذلك أن نأخذ نحن اليوم ديننا من التوراة والإنجيل، وإنّما المقصود أنّ هذه المسيرة مسيرة واحدة، وأنّنا نؤمن بالله والأنبياء جميعاً، لا نفرّق بينهم، وأنّ حلقات هذه المسيرة مترابطة ومتماسكة، وأنّ هذه المسيرة التي تمرّ عبر الأجيال والقرون هي الإسلام الذي لا يرتضي الله للإنسان غيره ديناً.
ومن يرتبط بهذه المسيرة الربّانية على وجه الأرض فقد اهتدى، ومن تولّى عنها فهو في شقاق وحرب، وليس بينهما فاصل وبرزخ، وهذه المسيرة هي الصبغة الإلهية التي يجب أن تصبغ حياة الإنسان وتاريخه، وعقله، وعواطفه، وسلوكه، وتحركه، وسلمه، وحربه، بلونها الخلص، وأنّ للحضارة الربانية التي يتوارثها المؤمنون في الأرض لوناً خاصاً ومتميزاً عن سائر الألوان الجاهلية.
فاقرأ هذه الآيات المباركات من سورة الأنعام:
(وَتِلْكَ حُجّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَن نَشَاءُ إِنّ رَبّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاً فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَا كانُوا يَعْمَلُونَ * أُولئِكَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هؤُلاَءِ فَقَدْ وَكّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ * أُولئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [ الأنعام : 82-90 ] .
أرأيت كيف يتماسك أطراف هذا الميراث الإلهي الكبير، وتتجاذب أجزاؤه وترتبط مراحله ببعض، وكل نبي يرث هذا الميراث من نبي مرسلٍ قبله، وكل أمّة من المؤمنين ترث هذا الميراث من أمّة مؤمنة قبلها. رسالة واحدة، وهدى واحد، وولاء واحد، وشريعة واحدة، وحبّ واحد، وسِلم واحد، وحرب واحدة، وخلق واحد، وصنعة واحدة، وإسلام واحد... وعناءٌ واحد، وابتلاءٌ واحد، ومحنة واحدة من لدن آدم (عليه السلام) إلى إبراهيم (عليه السلام) إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (أُولئِكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ).
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
د. سيد جاسم العلوي
الشهيد مرتضى مطهري
السيد عباس نور الدين
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
الشيخ حسين مظاهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
بصدد التنظير لقول عربي مستحدث في نقد الاستغراب (1)
التّعامل مع سلوك الأطفال، محاضرة لآل سعيد في بر سنابس
القلب المنيب في القرآن
ماذا يحدث للأرض لحظة اختفاء الشمس؟ الجاذبية بين رؤيتين
{وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟
أطفال في يوم الفنّ العالمي يزورون مرسم الفنّان الضّامن
ملتقى الأحباب، جمعيّات القطيف تتكاتف لخدمة الأيتام
تجربتي في إدارة سلوكيات الأطفال، كتاب للأستاذ حسين آل عبّاس
الفروق الحقيقيّة بين المكي والمدني