(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ - إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ - وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (الزخرف 26 - 28).
الآيات الثلاث تتحدث عن صلابة العقيدة، ورسوخ أصالتها في نفس إبراهيم عليه السّلام فيما اقتص اللّه من خبره مع أبيه وقومه، وفيها لمح إشاري إلى أن قريش وهي من ذرية إبراهيم عليه السّلام قد كان من الأولى لها أن تتبع ملة إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين.
ففي الوقت الذي تدعي قريش محاكاة الآباء، وتقليد الأسلاف، فلماذا تنحرف عن ملة أبيها ذي الحنيفية الغراء، هذا الأب الذي أعلن عن عقيدته جهارًا في التوحيد، وقاسى من أجلها محاولة القتل والتحريق، وقام بسبيلها بالهجرة والسياحة في الأرض، حتى هجر أباه، ونبذ قومه، وصك الجميع بالبراءة من الوثنية وعبادتها، وجابههم صراحة (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُون)َ.
فالعقيدة الاشراكية عند قريش يبرأ منها أبوهم، ولم يقلد أباه ولا قومه فيما يعتقدون، فلماذا يقلدون هم إذن، إنها حجة بالغة، ومحاججة بلسان القوم ولغتهم في نسف العبادة التقليدية الموروثة، فيا لها من صرخة تهز كيان المشركين وهم في ذروة الأحكام، ونشوة الاعتداد بالآباء، إذ يتبرأ من فوقهم الابن الضعيف في ظل الأب القوي، والعشيرة المتطاولة المتكاثرة من عقيدة الجميع، ويعلنها حقيقة بديهية في جموع الوثنيين والثنويين: (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) إنه الإقرار المطلق بالعبودية للّه ابتداء، وبالعبادة له خالصة، وبالتفويض إليه هداية، بسبب فطري يفرضه الدليل الاستقرائي لمسيرته في الحياة وبعد الممات.
إنه أبدعه وخلقه وأنشأه، ثم إذا شاء أنشره، فهو المنفرد بالعبادة والألوهية، وهو الكفيل - وحده - بالهداية وسنن الرشاد، بحكم أنه الخالق المبدع المصور.
أما التمكين من هذه الهداية فيما أبان من دلائل وحدانية وعلائم ربوبيته، وهما إشارتان في تقوم الخلفية الداخلية عند الإنسان. وبتقويم هذه الخلفية يتبلور الدين الحق، وإذا وصل الإنسان إلى الدين الحق لم تتحقق الهداية فحسب بل الهداية ولازمها من الخشوع والخشية والإنابة.
ويبدو أن أصل ذلك عند إبراهيم كلمة التوحيد التي فاه بها لسانًا واعتقدها جنانًا، فكانت الثّبات واليقين والمبد ، لأنها لغة الأعماق في ذاته، وسنة الكون بمتطلباته، وقد أثابه اللّه على ذلك أن جعل هذه الكلمة باقية في عقبه رغم تعاقب الأجيال والأزمنة تكريـمًا له، واستجابة لدعائه فيما اقتصه اللّه تعالى من قوله: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) «1».
فالنبوة والولاية والإمامة في ذريته، فموسى وعيسى ونبينا محمد صلوات اللّه عليهم أجمعين من ذريته، وهم عقبه وأبناؤه الحقيقيون يؤمنون بكلمة التوحيد لأبيهم إبراهيم، ويا لها من منزلة رفيعة: أن تبقى هذه الكلمة متوارثة في ذرية هذا الأب الموحد، معينًا من الهداية لا ينضب، وشعلة من الحق لا تخبو، يرجع فيها إلى الطريق من ضل، وإلى التوحيد من أشرك، وإلى اليقين من شك، يبشرون بها حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها، ولقد كان التوحيد معروفًا قبل إبراهيم، ولكنه تأصل وتأطر واستقر بعد إبراهيم، كلمة باقية في عقبه إلى يوم الدين.
ووصلت هذه الكلمة إلى الأبناء، فكيف كان استقبال الأبناء لرسالة الآباء؟ هذا ما تجيب عنه حقائق الأعمال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة : 124 .
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد الريشهري
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد مغنية
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مدى قدم الشيعة في التفكير الفلسفي والكلامي في الإسلام
أمثال لقمان في الأمّة الإسلامية
دورة هرمونية يومية للرجال
عندما تصبح أخلاق الغرب لعبة إيديولوجية
بقاء الروح في القرآن
لماذا سيصبح التشيع مذهبًا عالميًّا
القرآن وسبل تربية المجاهدين وتشجيعهم على الجهاد (1)
الإمامة وفكرة العصمة
المعرفة
إبراهيم وقومه والتوحيد