دأبت الكتب التي عنيت بفقه القرآن وآيات الأحكام أن تبدأ بسورة الفاتحة، ولا نعلم إدراجها في هذا الباب، إلا أنه يحتمل وجهين:
الأول: التبرك بإيراد السورة باعتبارها فاتحة الكتاب الكريم، فكما ابتدأ اللّه بها في كتابه، فقد ابتدأ بها المصنفون في أحكامه، ولا اعتراض لنا على هذا الوجه لأنه مظهر من مظاهر التيمن، وإن خالف سنن المنهج الموضوعي.
الثاني: أن من بين آيات السورة المباركة، آيات للأحكام، ولا مجال لاعتبار ذلك، إذ لا حكم شرعيًّا بها في الاصطلاح الدقيق للأحكام، شأنها بذلك شأن أية سورة أخرى لا ذكر فيها لحكم، أمّا الأحكام التي فرعها الفقهاء باعتبار آخر فهي لا تتعلق بالسورة ذاتها، وإنما مجالها الروايات والأحاديث والسنن وهي شيء والقرآن شيء آخر، أي إن الفاتحة بحد ذاتها ليست حكمًا في أمر أو نهي أو استحباب أو كراهة أو إباحة، أما الجزئيات في التفريع، والروايات في وجوب تلاوتها في الصلاة، وأن البسملة آية منها، أو ليست بآية على رأي آخر، وحكمها في الجهر والإخفات، وموقعها من الترك أو الإتيان: فكلها أحكام متعلقة بالسنة لا بالكتاب، فهي تستمد من أدلة خارجية وتستنبط في ضوء قواعد مستقلة، أي أن تلك الأحكام التشريعية قضايا متعلقة بالسورة، لا نابعة من صميمها.
نعم استفاد المحقق الأردبيلي (ت : 953 ه) من بعض آيات السورة ما يلي:
أ - الاستدلال على راجحية التسمية عند الطهارة بل عند كل فعل إلا ما أخرجه دليل «1».
ب - استظهر رجحان قول بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، عند كل فعل للخبر المشهور: كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد فهو أبتر وأجزم «2».
ج - في قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، يدل على وجوب تخصيصه تعالى بالعبادة، إذ حاصله قولوا: نخصك بالعبادة ولا نعبد غيرك، فيجب العبادة والإخلاص فيها حتى يحسن الأمر بالقول، ويكونوا هم الصادقين في القول (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يدل على عدم جواز الاستعانة في العبادة بغيره تعالى «3».
د - وفي قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، يستدل على مشروعية الدعاء بل على استحبابه مطلقًا «4».
ويجاب عما تقدم: إن استفادة هذا الرجحان بالنسبة للتسمية والحمد إنما عرف من خلال الأخبار والروايات الدالة عليه لا من الآيات.
وأما اختصاص العبادة باللّه تعالى فلا ينافش به أحد... وأما الاستعانة: فهي على قسمين: ما كان منها منحصرًا باللّه تعالى بما هو إله في ذاته فلا يشركه بها أحد، وما كان استعانة بين العباد بالوسائل المشروعة لتحقيق الأغراض الدينية أو الدنيوية، مما يعد تماسكًا واتحادًا وقوة فلا مانع في ذلك بدلالة قوله تعالى: وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى «5».
أما مشروعية الدعاء واستحبابه فلا يخلو من ظهور «6» ويدل عليه قوله تعالى (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) «7».
وقوله تعالى (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) «8» وغيرهما من الآيات مضافًا إلى تضافر الروايات فيه.
وقد استفاد الطبرسي (ت : 548 ه) من قوله تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) دلالة على وجوب الشكر على نعمه «9». ولا مانع من هذا بل المقتضي هو ذلك، إلا أن هذا وأمثاله ليس من الفروع المستفيضة التي استفادها الفقهاء ورتبوا عليها آثار الأحكام بل هي أحكام تشريعية ولكن لا دلالة من أصل السورة عليها، كالبحث في البسملة، ووجوب الفاتحة التعييني، أو التخيير بينها وبين سورة أخرى في أداء الصلاة الواجبة والمستحبة، وحكم الجهر بها والإخفات، وترجمة الفاتحة والاستغناء عنها بلغة أخرى، مما هو أحكام فقهية تطول وتقصر.
إن أمثال هذه المباحث وإن كانت أحكامًا إلا أنها لا تنطلق من داخل السورة، بل تتعلق بها هامشيًّا، فهي غيرها، وهي امتداد لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأردبيلي، زبدة البيان: 4.
(2) المصدر نفسه: 4.
(3) المصدر نفسه: 5.
(4) المصدر نفسه: 6.
(5) المائدة: 2.
(6) الطباطبائي اليزدي، تفسير آيات الأحكام: 1 / 49.
(7) البقرة: 186.
(8) النمل: 62.
(9) الطبرسي، مجمع البيان: 1 / 23.
الشيخ جعفر السبحاني
السيد عباس نور الدين
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد هادي معرفة
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مبدأ التّشيّع وتاريخ نشأته
السر المفقود للنهوض بالمجتمع
زمانيّة التّنظير وجغرافيّته
صور علومنا الذهنيّة (1)
دنيا عليّ عليه السّلام (1)
مقاطع تراثيّة للفنّان علي الجشّي تستعيد ماضي المنطقة ذاكرةً وذكريات
مقارنة بين القرآن والنظريّات العلميّة
من فقه القرآن الكريم
القول بغير علم!
العادات الأربع لأكثر الناس نجاحًا في الحياة، محاضرة للقرقوش في مجلس الزّهراء الثّقافيّ