
الوسوسة تعبير عربي عن إيصال الفكرة أو التضليل بطريقة خفيّة وكأنّها همس في الأذن، ونحن لا نعرف التركيبة التكوينية والنظام الطبيعي الذي تقوم الوسوسة عليه، كلّ ما نعرفه من خلال النصوص الدينية هو أنّ الشيطان لديه القدرة على إثارة أفكار في عقولنا أو ميول ما في نفوسنا، وهذا لا يعني أنّه موجود في داخلنا، فقد يكون خارجاً عنّا ولديه قدرة بث الفكرة أو الميل المنحرف في نفوسنا، بل إنّ الشياطين منهم الإنس ومنهم الجنّ، والإنس ليسوا في داخلنا كما هو واضح، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ (الأنعام: 112)، وقال تعالى: ﴿ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ﴾ (الناس: 4 ـ 6).
فالشيطان موجود إمّا جسماني لطيف كما ذهب إليه بعض المتكلّمين المسلمين وقال به أمثال الشيخ محمّد تقي مصباح اليزدي من المعاصرين، أو روحاني ظلماني كما ذهب إليه صدر الدين الشيرازي، وهو مخلوق لديه القدرة على بث الأفكار والتزيينات والتخويفات والأماني في الإنسان، كما يبث صديقٌ فكرةً ما في عقل صديقه ويمنّيه بها، لكن كيف يكون ذلك بالتفصيل تكويناً فهذا ما لم يتمّ التوصّل إليه بشكل علمي حاسم. وأمّا التفسير القائل هو (وجود عالم للشيطان مثل عالم المثال مثلاً ويقوم بإفاضة الوسوسة على الإنسان)، فهو ليس تفسيرًا لعملية الوسوسة، بل هو شرح لإطارها العام، أمّا كيف يتم ذلك بطريقة تفصيلية، فهذا ما نجهله.
وقد استخدم القرآن الكريم تعبير (القرين) أحياناً في حقّ الشيطان، فكأنّه ملازم للإنسان عندما ينحرف الإنسان عن الصراط السويّ، قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ (الزخرف: 36 ـ 38)، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا﴾ (النساء: 38)، وقال سبحانه: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ﴾ (ق: 27 ـ 28)، وقال سبحانه: ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ (فصلت: 25).
وتعبير القرين الوارد في بعض حالات الوسوسة يفيد أنّ هذا الشيطان كأنّه يلازم الإنسان، والملازمة والمقارنة تعبير كنائي عن كثرة خطور أو ميول هذا الإنسان لفعل السيّئات، فأولئك الذين أكثروا من السقوط الديني والأخلاقي يفسحون المجال للشيطان في أن يصبح ملازماً لهم، فيتورّطون في القرين الذين يوسوس لهم باستمرار، لهذا نجد تفكيرهم وميولهم يغلب عليهما الانحراف، ولهذا عبّرت بعض الآيات المتقدّمة بأنّ القرين كان نتيجة البُعد عن ذكر الرحمن ونتيجة كون الإنسان مسبقاً في ضلال، فمرحلة قرينيّة الشيطان للإنسان مرحلة عالية من الوسوسة تنتج عن استسلام هذا الإنسان للوسوسات المتفرّقة مسبقاً، بحيث يلتهمه الشيطان بعد ذلك، أمّا أولئك الذين رفضوا وسوسات الشياطين فإنّهم لا يمارسون الاتباع لهم حتى يكون كأنّهم مستسلمين أمامهم، فيصبح الشيطان قريناً لهم وصاحب سلطان عليهم باختيارهم واتّباعهم له.
قال سبحانه: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (إبراهيم: 22)، وقال تعالى: ﴿ِإنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (الحجر: 42)، وقال عزّ من قائل: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ (النحل: 98 ـ 100).
فهذه الآيات تجعل للشيطان سلطاناً على الإنسان في حالة اتباع الإنسان له، فليس هذا بسلطانٍ قهري، بل هو سلطانٌ اختياري، فالإنسان هو الذي أعطى الشيطان السلطنة على نفسه باتّباعه له، ولو شاء لتاب إلى الله وثار على سلطانه هذا وخلعه، ليجده حينذاك غير متسلطن عليه تكويناً، وإنّما صار سلطاناً عليه عندما فسح هو بالمجال له في أن يتحكّم به ويصبح قريناً ملازماً له، وبهذا المعنى تنتفي كلّ تلك المعارضات المفترضة بين الآيات وتُفهم سياقات النصوص بشكل صحيح وسليم فليلاحظ ذلك جيداً....
شتّان بين المؤمن والكافر
الشيخ جعفر السبحاني
معنى (عول) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
فاطمة الزهراء (ع) تجلٍّ للرحمة الإلهيّة المحمّديّة
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (2)
إيمان شمس الدين
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
الموعظة بالتاريخ
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
كلام عن إصابة العين (1)
الشيخ محمد هادي معرفة
الدلالة الصوتية في القرآن الكريم (1)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
صفات الأيديولوجي؛ معاينة لرحلة الفاعل في ممارسة الأفكار (7)
محمود حيدر
مجلس أخلاق
الشيخ حسين مظاهري
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
لـمّا استراح النّدى
شتّان بين المؤمن والكافر
معنى (عول) في القرآن الكريم
فاطمة الزهراء عليها السلام من المهد إلى اللّحد
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
فاطمة الزهراء (ع) تجلٍّ للرحمة الإلهيّة المحمّديّة
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (2)
من كنوز الغيب
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
معنى (ملأ) في القرآن الكريم