من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

مدى قدم الشيعة في التفكير الفلسفي والكلامي في الإسلام

منذ اليوم الذي انفصلت الأقلية الشيعية عن الأكثرية السنية  كانت الشيعة تقيم الاحتجاج مع مخالفيها في النظريات التي كانت تتبناها، والخاصة بها.

 

صحيح أن الاحتجاج ذو طرفين، والمتخاصمان شريكان في دعواهم، ولكن الشيعة كانت تقف موقف الهجوم، والآخرون كانوا في موقف الدفاع، فالذي يقف موقف الهجوم يجب أن يكون قد هيأ الوسائل الكافية للمخاصمة، ومن ثم الحملة والهجوم.

 

وكذا في التقدم الذي حظيت به المباحث الكلامية بصورة تدريجية، في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، فقد وصل في رقيه إلى القمة مع انتشار مذهب الاعتزال، فعلماء الشيعة ومحققوهم، والذين هم تلاميذ مدرسة أهل البيت (ع)، كانوا في المقدمة من المتكلمين.

 

فضلاً من أن متكلمي أهل السنة (1)، من الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم، يصلون في تدرجهم هذا إلى الإمام الأول للشيعة، وهو الإمام علي (ع)، وأما أولئك الذين عرفوا آثار الصحابة، واطلعوا عليها، يعلمون جيدًا أن من بين جميع هذه الآثار التي تنسب إلى الصحابة (وقد دونت أسماء اثني عشر ألفا) لم نجد أثرًا واحدًا يشتمل على التفكر الفلسفي.

 

وينفرد الإمام علي (ع) بخطابه وبيانه المبهر في معرفة الله تعالى، بأنه يتصف بالتفكيرات الفلسفية العميقة جدًّا.

 

لم تكن للصحابة ولا التابعين الذين جاؤوا بعد الصحابة، والعرب بصورة عامة في ذلك اليوم، أية معرفة بالتفكر الفلسفي الحر، ولم نجد في أقوال العلماء في القرنين الأولين للهجرة، نماذج من التدقيق والتتبع، بينما نجد الأقوال الرصينة لأئمة الشيعة، وخاصة الإمام الأول والثامن، تحتوي على كنوز من الأفكار الفلسفية، كما علموا تلاميذهم هذا اللون من التفكير.

 

نعم كان العرب بعيدين عن التفكر الفلسفي، حتى شاهدت نموذجًا منها في ترجمة بعض الكتب الفلسفية اليونانية، المترجمة إلى العربية في أوائل القرن الثاني للهجرة، وبعدها، ترجمت كتب متعددة في أوائل القرن الثالث الهجري من اليونانية والسريانية وغيرها إلى العربية، وآنذاك أصبحت طريقة التفكر الفلسفي في متناول أيدي العموم، ومع هذا الوصف، فإن الكثيرين من الفقهاء والمتكلمين، لم يبدوا اهتمامًا بالفلسفة وسائر العلوم العقلية، والتي وردت إليهم حديثًا، وإن كانت هذه المخالفة في بداية الأمر ذات أهمية، بفضل الالتفات الخاص الذي كانت تبديه السلطة الحاكمة آنذاك لمثل هذه العلوم.

 

ولكن بعد زمن تغيرت الأوضاع والأحوال، فمنعت دراسة هذه العلوم، وألقي في البحر بعض الكتب الفلسفية، وما كتاب رسائل إخوان الصفا وهو من نتاج فكري لعديد من مؤلفين، إلا مذكر بتلك الفترة، فهو خير دليل على كيفية الأوضاع المضطربة في ذلك الزمن، وبعد هذه الفترة، أي في أوائل القرن الرابع الهجري، ظهرت الفلسفة ونمت، على يد أبي نصر الفارابي. وفي أوائل القرن الخامس للهجرة، وأثر مساعي الفيلسوف المشهور أبي علي سينا اتسعت الفلسفة اتساعًا بالغًا، وفي القرن السادس أيضًا، نقح الشيخ السهروردي فلسفة الإشراق، وقد قتل بهذه التهمة، وبأمر من الحاكم صلاح الدين الأيوبي، وبعدها ارتحلت قصة الفلسفة من بين الكثيرين، ولم ينبغ فيلسوف شهير، حتى جاء القرن السابع الهجري، فظهر في الأندلس أطراف الممالك الإسلامية، ابن رشد الأندلسي وسعى في تنقيح الفلسفة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح ابن أبي الحديد، أوائل المجلد الأول.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد