من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

من سيرة الإمام الكاظم عليه السلام

هو الإمام السابع من أئمّة أهل البيت، ولد بالأبواء، وهو مكان بين مكّة والمدينة في شهر صفر سنة 128 من الهجرة، واستشهد في بغداد بالسم في سجن هارون الرشيد سنة 183، ودفن في الجانب الغربي من بغداد، وتعرف اليوم المدينة التي فيها قبره الشريف بالكاظميّة نسبة إليه، وأمه حميدة البربرية، وكنيته أبو إبراهيم، وأشهر ألقابه الكاظم، لكظمه الغيظ، وصبره على ظلم الظالمين. وعاش مع أبيه 20 سنة، وبعده 35.

 

كان أجل أولاد الإمام الصادق قدراً، وأعظمهم محلاً، وأبعدهم في الناس صيتاً، ولم ير في زمانه أسخى منه، ولا أكرم نفساً، وكان يبلغه عن الرجل أنه ينال منه، فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يضرب المثل بصرر الأموال التي يتصدق بها، حتى قيل. عجباً لمن جاء‌ته صرة موسى، فشكا الفقر!. ومر برجل فرآه كئيباً، فسأله عن السبب؟. قال: لحقتني الديون من أجل حقل زرعته بطيخاً، وقثاء، وقرعاً، فلما استوى الزرع وقرب الخير جاء الجراد فأتى عليه، ولم يبق منه شيئاً، فذهب الزرع، وبقيت الديون. فأعطاه الإمام ما كان يأمله من زرعه، فوفى ديونه، وبقيت معه فضلة، جعل الله فيها البركة، كما حدّث صاحب الزرع.

 

وكان كآبائه وأجداده يتفقد الفقراء، ويحمل إليهم في الليل الطعام والمال، وهم لا يعرفونه، وكان يقول في سجوده: اللهم قبح الذنب من عبدك، فليحسن العفو من عندك، ومن دعائه: اللهم إني أسألك الراحة عند الموت، والعفو عند الحساب.

 

مع علي بن يقطين

 

كان علي بن يقطين مقربًا عند هارون الرشيد، يثق به، وينتدبه إلى ما أهمه من الأمور، وكان ابن يقطين يكتم التشيع والولاء لأهل البيت (ع)، ويظهر الطاعة للرشيد، وفي ذات يوم أهدى الرشيد إلى ابن يقطين ثياباً أكرمه بها، وكان في جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب.

 

فأرسل علي بن يقطين الثياب ومعها الدراعة إلى إلامام الكاظم، ومعها مبلغ من المال، ولما وصلت إلى الإمام، قبل المال والثياب، ورد الدراعة إليه على يد رسول آخر غير الذي جاء بالمال والثياب، وكتب الإمام إلى علي بن يقطين احتفظ بالدراعة، ولا تخرجها من يدك، فإن لها شأناً ، فاحتفظ علي بالدراعة، وهو لا يعرف السبب.

 

وبعد أيام سعى بعض الواشين إلى الرشيد، وقال له: إن ابن يقطين يعتقد بإمامه موسى بن جعفر، ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة، وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمته بها، فاستشاط الرشيد غضباً، وأحضر علي بن يقطين، وقال له، ما فعلت بتلك الدراعة التي كسوتك بها؟. قال: هي عندي في سفط مختوم، وقد احتفظت بها تبركاً، لأنها منك. قال الرشيد: ائت بها الساعة. وفي الحال نادى على بعض غلمانه، وقال له: اذهب إلى البيت، وافتح الصندوق الفلاني تجد فيه سفطاً، صفته كذا، جئني به الآن.

 

فلم يلبث الغلام، حيت جاء بالسفط، ووضعه بين يدي الرشيد. ففتح الرشيد السفط، ونظر إلى الدراعة كما هي فسكن غضبه، وقال لعلي: ارددها إلى مكانها، وانصرف راشداً، فلن أصدق عليك بعدها ساعياً، وأمر له بجائزة سنية ثم أمر أن يضرب الساعي ألف سوط، فضرب 500، ومات قبل إكمال الألف.

 

مع الرشيد

 

وللإمام الكاظم مع هارون الرشيد أخبار كثيرة وطويلة ذكرها الشيخ الصدوق في «عيون أخبار الرضا» منها أن الرشيد قال له: كيف جوزتم للناس أن ينسبوكم إلى رسول الله، ويقولوا لكم: يا أبناء رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنما ينسب المرء إلى أبيه، لا إلى أمه؟!. فقال له الإمام: لو أن النبي نشر، وخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟. قال الرشيد: سبحان الله وكيف لا أجيبه؟. قال الإمام: ولكنه لا يخطب إليّ ولا أجيبه. قال الرشيد: ولمَ؟. قال الإمام: لأنه ولدني، ولم يلدك.

 

ولو تدبر هارون الرشيد القرآن الكريم لم يسأل الإمام هذا السؤال، وينكر هذا الإنكار، فإن الله سبحانه قد سمّاهم أبناء الرسول قبل أن يسمّيهم بذلك أحد من الناس، حيث قال عزّ من قائل: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّـهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) وقد اتّفق المسلمون بكلمة واحدة أن النبي دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين، فكان علي نفس النبي، وكانت فاطمة نساءه، وكان الحسن والحسين أبناءه. فإن كان للرشيد وغيره من اعتراض على نسبة آل البيت إلى الرسول الأعظم، فهو اعتراض ورد على الله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

 

ومنها: أن الرشيد كان ينقله من سجن إلى سجن، حتّى دس إليه السم، فسجنه أولاً بالبصرة عند عيسى بن جعفر، ثم سجنه عند الفضل بن الربيع، ثمّ عند الفضل بن يحيى، ثمّ عند السندي بن شاهك الذي حصل السم على يده، وأرسل الإمام إلى الرشيد من سجنه هذه الرسالة: «يا هارون ما من يوم ضراء انقضى عني إلّا انقضى عنك من السراء مثله، حتى نجتمع أنا وأنت في دار يخسر فيها المبطلون».

 

أجل، لقد خسر هارون وآباؤه وأبناؤه، كما خسر من قبل يزيد بن معاوية وآباؤه وذووه، وكان الفوز دنيًا وآخرة لموسى بن جعفر وآبائه وأبنائه، سلام الله وصلواته عليهم أجمعين.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد