من التاريخ

الإمام الصادق (ع) أبو المذاهب بشهادة أئمتها (2)

الشيخ علي الكوراني

 

عبد الله بن شبرمة قال: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين. قال: لعله يقيس أمر الدين برأيه؟ قال: نعم. قال فقال جعفر لأبي حنيفة: ما اسمك؟ قال نعمان، قال: يا نعمان هل قست رأسك بعد؟ قال كيف أقيس رأسي؟ قال: ما أراك تحسن شيئاً، هل علمت ما الملوحة في العينين والمرارة في الأذنين والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ قال: لا. قال: ما أراك تحسن شيئاً، قال: فهل علمت كلمة أولها كفر وآخرها إيمان؟ فقال: ابن أبي ليلى: يا ابن رسول الله أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها! فقال: أخبرني أبي عن جدي أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال إن الله تعالى بمنه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتا، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجاباً من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ، وإن الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شئ ويسمع الناس بها حلاوة منطقه.

 

قال: فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيما . فقال: إذا قال العبد لا إله فقد كفر، فإذا قال إلا الله فهو إيما . ثم أقبل على أبي حنيفة فقال: يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله (ص) قال: أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله تعالى له اسجد لآدم، فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ. فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه اتبعه بالقياس! زاد ابن شبرمة في حديثه: ثم قال جعفر: أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال قتل النفس. قال: فإن الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة، ثم قال: أيهما أعظم الصلاة أم الصوم؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك؟! اتق الله ولا تقس الدين برأيك)!

 

6 - وسئل أبو حنيفة: (من أفقه من رأيت؟ قال: جعفر بن محمد، لـمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيء له مسائلك الشداد، فهيأت له أربعين مسألة، ثم بعث إليَّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلمت عليه فأومأ إلي فجلست، ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة فقال: نعم أعرفه. ثم التفت إليَّ فقا : ألق على أبي عبد الله من مسائلك، فجعلت ألقي عليه ويجيبني فيقول: أنتم تقولون كذا،  وأهل المدينة يقولون كذا، ونحن نقول كذا، فربما تابعنا، وربما تابعهم، وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشيء! ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا: أعلم الناس، أعلمهم باختلاف الناس). (مناقب آل أبي طالب : 3 / 378 ، وتهذيب الكمال : 5 / 79 ، وسير الذهبي : 6 / 258 ، وكامل ابن عدي : 2 / 132 ، وغيرها).

 

(جاء أبو حنيفة ليسمع منه، وخرج أبو عبد الله يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة: يا ابن رسول الله ما بلغت من السن ما تحتاج معه إلى العصا! قال: هو كذلك، ولكنها عصا رسول الله «صلى الله عليه وآله» أردت التبرك بها، فوثب أبو حنيفة وقال له: أقبِّلُها يا ابن رسول الله؟ فحسر أبو عبد الله عن ذراعه وقال له: والله لقد علمت أن هذا بشر رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأن هذا من شعره، فما قبلته وتقبل عصاه)! (المناقب : 3 / 372).

 

ولو سألت أبا حنيفة: ما دامت هذه عقيدتك في أستاذك، فلماذا أسست مذهباً ضده، وخالفت فقه من تعترف بأنه أفقه الناس وأعلم الناس؟!

 

فلا جواب له، إلا أن يقول إن قلبه أشرب حب ذلك ثم شجعه المنصور!

 

ورويَ أن أم أبي حنيفة كانت أمَة الإمام الصادق «عليه السلام» ففي المناقب: 3 / 372: (قال أبو عبد الله المحدث في رامش أفزاي إن أبا حنيفة من تلامذته، وإن أمه كانت في حبالة الصادق «عليه السلام»... قال: وكان أبو زيد البسطامي طيفور السقاء خادمه وسقاءه ثلاث عشرة سنة. قال أبو جعفر الطوسي: كان إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار من غلمانه). والبحار: 3 / 373.

 

6 - وقال الإربلي في كشف الغمة: 2 / 367: (قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي: هو من عظماء أهل البيت وساداتهم، ذو علم جم، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة وزهادة بينة، وتلاوة كثيرة، يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره، ويستنتج عجائبه، ويقسم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه. رؤيته تذكر الآخرة، واستماع كلامه يزهد في الدنيا، والاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة، وطهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرّية الرسالة.

 

نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من الأئمّة وأعلامهم، مثل يحيى بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وأبي حنيفة، وشعبة، وأيوب السجستاني وغيرهم، وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها. إلى أن قال: وأما مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أنه من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى، صارت الأحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها، تضاف إليه وتروى عنه).

 

7 - وقال الإيجي في المواقف: 3 / 638: (وهما سيدا شباب أهل الجنة كما ورد في الحديث، ثم أولاد أولاده ممن اتفق الأنام على فضلهم على العالمين، حتى كان أبو يزيد (البسطامي) مع علو طبقته سقاء في دار جعفر الصادق رضي الله عنه. وكان معروف الكرخي بواب دار علي بن موسى الرضا، هذا مما لا شبهة في صحته، فإن معروفاً كان صبياً نصرانياً فأسلم على يد علي بن موسى وكان يخدمه، وأما أبو يزيد فلم يدرك جعفراً بل هو متأخر عن معروف، ولكنه كان يستفيض من روحانية جعفر). (الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف / 520).

 

8 - (عن عمرو بن أبي المقدام قال: كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين! قد رأيته واقفاً عند الجمرة يقول: سلوني، سلوني. وعن صالح بن أبي الأسود، سمعت جعفر بن محمد يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بعدي بمثل حديثي)! (سير الذهبي : 6 / 257).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد