الشيخ حسين المصطفى ..
جعل الإسلام "الحرية" حقاً من الحقوق الطبيعية للإنسان، فلا قيمة لحياة الإنسان من دون حرية، وحين يفقد المرء حريته، يموت داخلياً، وإن كان في الظاهر يعيش ويأكل ويشرب، ويعمل ويسعى في الأرض.
ولقد بلغ من تعظيم الإسلام لشأن "الحرية" أن جعل السبيل إلى إدراك وجود الله تعالى هو العقل الحر، الذي لا ينتظر الإيمان بوجوده بتأثير قوى خارجية، كالخوارق والمعجزات ونحوها قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} - {... أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} - {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} - {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ...}.
فالإنسان مستقل فيما يملكه ويقدر عليه؛ لا يفرض عليه أحدٌ سيطرته، بل يأتي هذه الأمور، راضياً غير مجبر، مختاراً غير مُكْرَه.
وهذه الحرية من أعظم ما آمن به الإسلام، ففي الصحيح عن عبد الله بن سنان، قال: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ -جعفر الصادق (ع)- يَقُولُ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ، إِلَّا مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِه بِالْعُبُودِيَّةِ وهُوَ مُدْرِكٌ، مِنْ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ" (الكافي: ج ٦ ص ١٩٥).
وقال: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً ولَا أَمَةً وإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ" (الكافي: ج ٨ ص ٦٩).
وعندما نقرأ وثيقة حقوق الإنسان، تقول: "إنّ جميع البشر مولودون أحراراً، ومتساوون في الكرامة والحقوق. وقد وهبوا العقل والضمير، وعليهم أن يعملوا تجاه بعضهم بعضاً بروح الأخوة".
وهذا النص يؤكد على ناحيتين مهمتين ترتبطان بالحرية حقاً وواجباً:
1. أنّ الحرية تُولد مع الإنسان، ويُولد معها التساوي في الكرامة.
2. ضرورة التعامل مع الناس بروح الأخوة كواجب لصيانة هذه الحرية وحفظها عن التعدي على الآخرين.
ومن المفاخر أن تجد هذين المضمونين مؤكدَّين بلسان الإمام علي (ع) في أكثر من موضع من نهجه الخالد فيقول: "لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً".
فهو (ع) يقول: الحرية خُلقت فيك منذ خلقك الله، وهي هبة الله فلا تبددها بالخضوع والعبودية لغيرك. فأن تكون حرّاً هو أن تملك إرادتك في داخل كيانك حتى لو كنت في زنزانة، أمّا إذا كنت لا تملك إرادتك فأنت عبدٌ حتى لو كنت في رحاب الصحراء، فقضية الحرية ليست قضية جسد يمكن أن يتحرك كما يشاء أو لا، بل هي قضية إرادة تتصلّب وتقوى وتركز الموقف حتى لو كانت الدنيا تضغط عليها.
وفي التأكيد على الناحية الثانية يقول (ع) في وصيته لولده الإمام الحسن: "يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ".
وهذا النص يتفوق على جوهر ما ورد في نص وثيقة الحقوق بإلزام الشخص بمعاملة غيره معاملة النفس، وهي مرحلة أأكد من مرحلة الأخوة وأهم.
وقد وضع الإمام علي (ع) لذلك مخططات، منها:
أ. "عَاتِبْ أَخَاكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَارْدُدْ شَرَّهُ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِ". أي اجعل مكان عتابه بالقول والفعل، الإحسان إليه والإنعام في حقّه، فإنّهما أنفع في دفع شرّه عنك، وعطف جانبه إليك. قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذا الَّذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَميمٌ}.
ب. "ازْجُرِ الْمُسِيءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ". أي إذا كافأت المحسن على إحسانه أقلع المسيء عن إساءته طلباً للمكافأة. وأخذ هذا المعنى إبراهيم بن العباس الصولي فقال: إذا كان للمحسن من الثواب ما ينفعه، وللمسيء من العقاب ما يقمعه، بذل المحسن ما عنده رغبة، وانقاد المسيء للحق رهبة.
لقد استوعب شعور الإمام (ع) بالحرية المطلقة جملة مشاعره، فكان حراً حتى في شعوره بالعبودية لخالقه، فهو لا يعبده إلا عبادة الأحرار، وذلك قوله: "إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ".
وأهم شِعب الحريات شعبتان: حرية الدين والعقيدة، وحرية التعبير عن الرأي.
الشعبة الأولى: حرية الدين والعقيدة:
وهي من أهم أسس الإسلام ومبادئه، {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}؛ فهذه الآية تلزم المسلمين على عدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام لأنَّ الإكراه يحمل معه ابتداء حكم البطلان استناداً لهذه الآية التي ذكرناها. فعندما تصر الجماعات الإسلامية على اعتناق كافة الناس ضمن إداريات حدودها، الدين الإسلامي فهي لا تطبق الإسلام كدعوة وهداية جاء به رسول الله (ص)، وإنما تطبق "الإسلام السياسي" الذي تحاول فرض سيطرته على الناس كافة واستغلالهم وسلب خيراتهم باسمه.
وهناك آية أخرى تعبر عن فكر واضح ورصين ضمن قاعدة حرية المعتقد: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} أعطى الله حرية الجحود والكفر للناس إن شاءت ذلك ضمن قناعاتها الفكرية.
فهو باستطاعته هدايتها وإيمانها وان لم تؤمن فهو غني عنها؛ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.. فالله تعالى بمحض عدالته ورحمته يأمر رسوله بعدم إكراه الناس على الإيمان؛ فالإيمان محصور بذات الله وقناعات الناس.
فلماذا إذن تصر الجماعات الإسلامية على محاربة الناس وقتلهم وترهيبهم ضمن دوافع دينية مع وجود هذه الآيات التي تدعو إلى حرية المعتقد والإيمان وهي لا تتماشى مع أفكارهم وإعمالهم المشينة؟!
لقد كان للإمام علي (ع) اليد الطولى في نشر هذا مبدأ الحرية والمحبة: "وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ".
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا