مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشهيد مرتضى مطهري
عن الكاتب :
مرتضى مطهّري (1919 - 1979) عالم دين وفيلسوف إسلامي ومفكر وكاتب شيعي إيراني، هوأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي محمد حسين الطباطبائي و روح الله الخميني، في 1 مايو عام 1979، بعد أقل من ثلاثة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية، اغتيل مرتضى مطهري في طهران إثر إصابته بطلق ناري.

معرفة الله عماد الأخلاق

كما أنّ «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ» (1) تعالى، كذلك هي حجر الزاوية في «إنسانيّة» الإنسان و«أخلاقه»، فلا معنى لها من دون معرفته تعالى، وكلّ المعنويّات لا قيمة لها إلّا في ظلّه تعالى. فـ«الإنسانيّة» و«المحبّة» إذا لم ترجعا إليه تعالى، فهما هباء، ولا يمكن أن تكونا مظلَّة للأخلاق. وأنا لم أرَ أحمق من منطق «برتراند راسِل» ذي الاتّجاه المادّيّ؛ فإنّه يدعو للأخلاق الفاضلة باسم «الإنسانيّة»، من دون ربطها بالله تعالى والروح. إنّه هراء؛ لأنّه ما لم يؤمن الفرد بالله تعالى وما يتبع ذلك، فسينظر لبقيّة الأفراد كما ينظر للشجر أو الخراف.

وقد يقول أحدكم بأنّنا نرى الانضباط الأخلاقيّ في مجتمعات متمدّنة بعيدة عن الله تعالى، فهم لا يكذبون ولا يخونون ولا يتجاوزون الحدود والقانون الموضوع لهم، على الرغم من عدم لجوئهم للدين والأمور المعنويّة، وهذا مُشاهَد في الشعوب الأوروبّيّة والأميركيّة. وحيث إنّ الوقوع أدلّ دليل على الإمكان، نستنتج إمكان بناء الأخلاق حيث تعلو على «الأنا»، بلا حاجة إلى الإيمان بالله ومعرفته. والحقّ أنّي أنا أيضاً كنتُ لفترةٍ أعتقد بإمكانيّة ذلك، حتّى انكشف لي شيء آخر، وهو أنّ «الأنا» المعبودة لها أنواع ومظاهر مختلفة، منها:

 

. الأنا الشخصيّة

وهي أضيق أنواع «الأنا» و«النفس» ومراتبها؛ بمعنى أنّ صاحبها لا يرى في مرآة الحياة سوى ذاته، فهو يعيش وحده، ويسعى لسعادته هو فقط؛ فـ«ذاته» هو محور اهتماماته وغاية خطواته.

 

2. الأنا العائليّة

هي أوسع دائرة من سابقتها؛ بمعنى أنّ ذلك الفرد صاحب «الأنا» الضيّقة يوسّع دائرتها، لتشمل أفراد عائلته، من زوجة وأولاد. لذلك، ترونه عادلاً وأميناً وصادقاً وعطوفاً في منزله، بل هو يبذل نفسَه كي يُسعِدهم. وبعبارة أخرى: هو نموذج رائع للإنسان، لكن في حدود العائلة والمنزل. أمّا إذا غادره إلى المجتمع، فهو شيء آخر؛ ترونه يريد كلّ شيء لعائلته، ويتوسّل لذلك بالحرام قبل الحلال، وبالرذائل قبل الفضائل؛ ولأنّ «ذاته» كبُرَت بالعائلة وثقُل العبء، فإنّ حِرصَه وسَعيَه سيشتدّان بلا ريب؛ وهذا يتطلّب مزيداً من الاحتيال والغشّ والنفاق ونحوها؛ لتأمين لوازم «الأنا» الكبيرة. وهذا كلّه لا يخرج عن مفهوم «عبادة الذات» والانغماس فيها، ولا يمكن عدُّ ذلك من الأخلاق، ولا ُيمدَح صاحبُها؛ لأنّ الأخلاق -كمَلَكة- لا تُجَزَّأ، وإلّا فحتّى قطّاع الطرق واللصوص لا يسرقون أموال بعضهم، ولا يخونون، بل يتعاونون، وقد يُؤثِر أحدُهم صاحبَه على نفسه، فهل نحترمهم لذلك ونتّخذهم قدوةً لنا؟

 

3. الأنا الوطنيّة

والكلام هنا هو الكلام هناك، بلا فرق في البَيْن، اللهمَّ إلّا في السعة، فإنّ من ينذر نفسَه لوطنه وبلاده، تكون «الأنا» لديه أكبر، ودائرتها أعظم قطراً، فهو يعدُّ وطنَه جزءاً من «ذاته»، فهو لا يخونه، ولا يفرّط في مصالحه، ولا يسفك دماء بني وطنه؛ لأنّ ذلك كلّه مرتبط في رأيه بـ«ذاته» هو. لكنّه لا يتردّد أبداً في اقتراف السيّئات وارتكاب الجرائم، في سبيل هذه «الأنا الوطنيّة»، من دون أن يرفّ له جفن، وهذا هو حال رجال السياسة في أوروبّا، فكم من جرائم عظام ارتكبوها بحقّ الدول والشعوب المستعمرة؟ والأنكى من ذلك أنّهم يفخرون بذلك، ويعدّونه إنجازاً ونصراً وطنيّاً؛ هذا، في حين تجدهم أنفسهم في أوطانهم مثال العدل والأمانة والأخلاق، فهذه المصطلحات لا معنى محصّل لها إلّا في داخل بلدانهم. كما يقول مؤلّف كتاب «الحرب العالَميّة»: «إنّ الحديث عن الأخلاق إنّما ينطبق على الأفراد، لا الشعوب»؛ أي أفراد الدول القويّة الاستعماريّة. وشاهدُ ذلك هو المآسي الّتي تحمَّلَها الشعب الجزائريّ جرّاء اعتداء الفرنسيّين عليه.

ألم يكن الفرنسيّون أوّل من أصدر وثيقة حقوق الإنسان على مستوى العالَم؟ فأين كانت هذه الوثيقة أيّام الحرب الأولى والثانية؟ أليس الشعب الجزائريّ بشراً له حقوق؟ فهل رحموا منه امرأةً، أو رقُّوا لأطفاله؟ هل احترموا تراثه الثقافيّ ومكتباته العلميّة ومساجده؟ كلّا، لم يفعلوا شيئاً من ذلك؛ لأنّهم كما يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ﴾ (2)، فهو يعجبك بجميل كلامه، ويستميلك ببريق معانيه، وهو يؤكّد كلامه بإشهاد الله على ما في قلبه، وأنّه صادق كلّ الصدق، وعامل بما يقول، لكنّه ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ﴾ (3).

ــــــــــــــــــــــــــ

1 السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص39، الخطبة الأولى.

2 سورة البقرة، الآية 204.

3 سورة البقرة، الآية 205.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد