مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
عن الكاتب :
الشيخ محمد مهدي شمس الدين، (1936م-2001م) عالم دين ومفكر إسلامي ومحدّث، كان رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان. بدأ نشاطه العلمي والسياسي في مدينة النجف الأشرف ودرس عند السيد محسن الحكيم والسيد الخوئي. عاد عام 1969م إلى لبنان وتولّى رئاسة الاتحاد الخيري الثقافي الذي أسس عام 1966م و باشر بنشاطات ثقافية وفكرية وتبليغية. من مؤلفاته: نظام الحكم والإدارة في الإسلام، مطارحات في الفكر المادّي والفكر الديني، ثورة الحسين في الوجدان الشعبي، بين الجاهلية والإسلام وغير ذلك.

روح النّضال بعد ثورة الإمام الحسين (ع)

كانت ثورة الحسين (عليه السّلام) السبب في انبعاث الرّوح النّضاليّة في الإنسان المسلم من جديد، بعد فترة طويلة من الهمود والتسليم، ولقد كانت الآفات النفسية والاجتماعيّة، تحول بين الإنسان المسلم وبين أن يُناضل عن ذاته وعن إنسانيته، فجاءت ثورة الحسين (عليه السّلام) وحطّمت كلّ حاجز نفسي واجتماعي يقف في وجه الثورة.

كان الإطار الديني الذي أحاط به الأمويّون حكمهم العفن الفاسد، يحول بين الشعب وبين أن يثور، فجاءت ثورة الحسين (عليه السّلام) وحطّمت هذا الإطار، وكشفت الحكم الأموي على حقيقته، فإذا هو حكم جاهلي لا ديني لا إنساني تجب الثورة عليه وتحطيمه.

 

وكانت الـمُسلّمات الأخلاقية تحول بين الإنسان المسلم وبين أن يثور، وكانت قوانينه الأخلاقية تقول له: حافظ على ذاتك حافظ على عطائك، حافظ على منزلتك الاجتماعيّة، فجاءت ثورة الحسين (عليه السّلام) وقدّمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة تقول له: لا تستسلم لا تُساوم على إنسانيتك، ناضل قوى الشرّ ما وسعك، ضحّ بكلّ شيء في سبيل مبدئك.

كان الرضا عن النفس يحول بينه وبين أن يثور ويغريه بالقعود عن النضال فجاءت ثورة الحسين (عليه السّلام) وخلّفت في أعقابها لجماهير كثيرة، شعوراً بالإثم وتأنيباً للنفس وبرماً بها ورغبة عارمة في التكفير.

كانت كلّ هذه الأسباب تحول بين الناس وبين الثورة، فجاءت ثورة الحسين (عليه السّلام) ونسفت هذه الأسباب كلّها، وأعدّت الناس إعداداً كاملاً للثورة.

وللرّوح النضالية شأن كبير وخطير في حياة الشعوب وحكّامها؛ فحين تكون الرّوح النضالية هامدة وحين يكون الشعب مُستسلماً لحكّامه، يشعر حكّامه بالأمان فيفعلون كلّ شيء، ويرتكبون ما يشاؤون دون أن يحسبوا حساب أحد. هذا من جهة الحاكمين.

 

وأمّا المحكومون فتلاحظ أنّه كلّما امتد الزمن بهمود الرّوح النضالية، سهل التسلّط على الشعب، واستشرت فيه روح التواكل والخنوع، واستمرأ الرضا بحياته القائمة، ولم يعُد بحيث يُرجى منه القيام بمحاولة جدّية لتطوير واقعه، وإثبات وجوده أمام حاكميه، وهذا يجعل إصلاحه وتطويره أمراً بالغ الصعوبة.

ولقد كان الإمام علي (عليه السّلام) حريصاً على أن تبقى روح النضال حيّة نامية في الشعب؛ لتبقى للشعب القدرة على الثورة حين تدعو الأحوال للثورة، وتشهد لذلك هذه الكلمة التي قالها وهو على فراش الموت ومن جملة وصيته: لا تُقاتلوا الخوارج بعدي؛ فليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه كمَنْ طلب الباطل فأدركه. معرّضاً بمعاوية بن أبي سفيان.

 

وعلّة هذا واضحة، فقد حارب هو الخوارج؛ لأنّهم تمرّدوا على حكم يتجاوب مع مصالح الشعب العليا، انسياقاً مع أفكار خاطئة وسخيفة، ولكن هذا لم يغيّر موقفهم من الحكم الأموي الذي كانوا لا يزالون يرونه حكماً بغير حقّ، فكان يريد ألاّ يتكتّل المجتمع ضدّهم بعده؛ إذ سيُمكنهم سكون المجتمع عنهم من وخز الحكم الأموي دائماً، وبذلك لا يخلو الجو تماماً للحكّام الأمويِّين.

ولكن وصيته لم تُمتثل، فتكتّل المجتمع ضدّهم وحاربهم، ومع ذلك ظلّوا شوكة في جنب الحكم الأموي دائماً، ولكنّهم لم يُؤثّروا فيه...

ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسين (عليه السّلام) في بعث روح الثورة في المجتمع الإسلامي، يحسن بنا أن نلاحظ أنّ هذا المجتمع أخلد إلى السكون عشرين عاماً كاملة قبل ثورة الحسين (عليه السّلام) لم يقم خلالها بأيّ ثورة على توفر الدواعي إلى الثورة خلال هذه الأعوام الطوال.

 

فمنذ قتل أمير المؤمنين علي (عليه السّلام) وغدا أمر الحكم للأمويِّين خالصاً، إلى حين ثورة الحسين (عليه السّلام) لم يقم في هذا المجتمع أيّ احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والتقتيل وسرقة أموال الأمّة التي كان يقوم بها الأمويّون وأعوانهم، بل كان موقف السادة من هذه الأفاعيل هو إيجاد الـمُبرّرات الدينية والسياسية، وكان موقف الجماهير هو موقف الخضوع والتسليم.

عشرون عاماً على هذا المجتمع ـ من سنة أربعين إلى سنة ستين للهجرة ـ وهذه هي حالته. وتغيّرت هذه الحالة بعد سنة ستين، بعد ثورة الحسين (عليه السّلام)؛ فقد بدأ الشعب يثور وبدأت الجماهير ترقب زعيماً يقودها هي مستعدة للثورة وللتمرّد على الأمويِّين في كلّ حين، ولكنّها تحتاج إلى قائد، وكلّما وجد القائد وجدت الثورة على حكم اللأمويِّين.

التمرّد الوحيد الذي كان يُصادفه الأمويّون طيلة هذه العشرين عاماً، وعلى فترات متعاقبة هو تمرّد الخوارج ولكنّه لم يكن مُتجاوباً مع المجتمع الإسلامي، فلم يكن ناجحاً وكانت السلطة تقمعه بجيوش تُؤلّفها من سكّان البلاد التي ينجم التمرّد فيها.

 

ولكن ما حدث بعد ثورة الحسين (عليه السّلام) كان شيئاً آخر، كان تمرّداً يحظى بعطف المجتمع الإسلامي كلّه، مَنْ شارك فيه ومَنْ لم يشارك، وكانت أسبابه بعيدة عن تلك التي تدفع الخوارج إلى الثورة. كانت أسباباً تنبع من واقع المجتمع؛ من الظلم والاضطهاد والتجويع، ولم يتمكّن الحكّام الأمويّون من قمع هذه الثورات بجيوش من سكّان المناطق الثائرة، فقد كانوا يعرفون أنّ ثمّة تجاوباً نفسياً بين الثائرين وبين القاعدين، فاضطروا إلى قمع هذه الثورات بجيوش أجنبية عن مناطق الثائرين، اضطروا إلى جلب جيوش سورية، وإقرار حاميات دائمة في مراكز الحكم. هذه صورة مجملة لوضع المجتمع الإسلامي بعد ثورة الحسين (عليه السّلام).

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد