دور الإمام في هداية الإنسان باطنيًّا
يرشدنا البحث في القرآن الكريم والروايات الإسلامية في مجال الإمامة والقيادة إلى أن دور الإنسان الكامل أو الإمام في هداية الناس يتخطى إراءة الطريق.
فالإمام - مضافًا إلى هدايته العامة - يعين المؤهلين والكفوئين على طي الطريق وبلوغ ما يطمحون إليه، وهو الكمال المطلق. بعبارة أخرى: لا يقتصر دور الإمام في تكامل الإنسان على إراءة طريق التكامل، بل يربي الأرواح المؤهلة تكوينيًّا - في ظل أنواره الباطنية - ويقتادها نحو الكمال المطلق.
ونقل الشيخ الكليني رضوان الله عليه في كتابه الثمين "الكافي" باب "أن الأئمة (عليهم السلام) نور الله عز وجل" ست روايات عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فسرت فيها كلمة "النور" الواردة في بعض الآيات القرآنية بالإمام، نكتفي بذكر أولاها: عن أبي خالد الكابلي، قال: سألت أبا جعفر (أي الإمام الباقر) (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: (فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا) (1).
فقال (عليه السلام): يا أبا خالد، النور والله نور الأئمة من آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة. وهم والله نور الله الذي أنزل. وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض. والله يا أبا خالد، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم (2).
نلحظ من منظار هذه الرواية أن الإمام في مقام الولاية التكوينية شمس متألقة أسطع من الشمس المحسوسة، تضيء باطن العالم اللامحسوس، وتنير ملكوت السماوات والأض وضمائر المؤمنين الذين لا يشاهدون طريق الوصول إلى الهدف الأعلى للإنسانية في ظل هذا النور فحسب، بل يظفرون بهذا الهدف أيضًا.
بعبارة أخرى : تؤثر الشمس المعنوية للإمام في تكامل الإنسان المعنوي تكوينيًّا - مضافًا إلى إنارتها طريق هذا التكامل - كما تؤثر شمسنا المحسوسة في تكامله المادي تكوينيًّا، مضافًا إلى إضاءتها الظاهرية.
قال العلّامة الطباطبائي في الفصل السادس من قسم معرفة الإمام، من كتاب "الشيعة في الإسلام"، تحت عنوان: "الإمامة في باطن الأعمال": "للإمام ملكة توجيهية قيادية على باطن أعمال الناس، كما له تلك الملكة على ظهرها، وهو رأس القافلة، الذي يسير إلى الله عن طريق الباطن".
.... إن الولاية والهداية الباطنية والنورانية التي تحصل للإنسان نتيجة قيامه بالواجبات الإلهية تفاض عليه عن طريق الإمام، فالإمام واسطة فيض الولاية حقًّا، من هنا لا تتيسر الولاية المعنوية للإنسان دون الاعتقاد بالإمام والاتصال به. وهذه هي الحقيقة التي أكدتها الروايات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام ) من أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية.
دور الإمام في النظام الكوني
تدل روايات متعددة على أن دور الولاية التكوينية للإمام أكبر من دوره في القيادة الباطنية لأعمال الإنسان، كما تدل على تأثيره في إقرار النظم الطبيعي للأرض، وتشير بصراحة إلى أن النظام الكوني رهين بوجود الإمام وحياته على الأرض، ونحن نخاطب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في الزيارة الجامعة الكبيرة المروية عن الإمام الهادي (عليه السلام) ونقول: "بكم ينزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض". (1).
وروى الإمام الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: قال الله عز وجل: ". . . لو لم يكن من خلقي في الأرض فيما بين المشرق والمغرب إلا مؤمن واحد مع إمام عادل لاستغنيت بعبادتهما عن جميع ما خلقت في أرضي ولقامت سبع سماوات وأرضين بهما . . ." (2).
وهكذا يستبين أن فلسفة الإمامة من منظار أهل البيت (عليهم السلام) لا تنحصر بزمان حضور الإمام وقيادته العلمية والأخلاقية والسياسية، بل لها غايتان أخريان أيضًا.
الأولى: القيادة الباطنية، والثانية: حفظ النظام الكوني. من هنا يعتقد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أن النظام الكوني في عصرنا هذا رهين بحياة الإمام الثاني عشر من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وهو الآن حي يرزق، ويستمتع الناس المؤهلون ببركات قيادته الباطنية، عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التغابن: 8.
(2) الكافي: 1 / 194 / 1.
(1) من لا يحضره الفقيه: 2 / 615 / 3213، تهذيب الأحكام: 6 / 99 / 177، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2 / 276 / 1، كمال الدين: 207 / 22، والرواية فيه عن الإمام الصادق عن الإمام زين العابدين (عليهما السلام) أنه قال: ". . . نحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض . . . وبنا ينزل الغيث . . .".
(2) الكافي: 2 / 350 / 1، بحار الأنوار: 75 / 152 / 22، و : 67 / 149 / 9.
الشيخ باقر القرشي
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد ابو القاسم الخوئي
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان