مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد عباس نور الدين
عن الكاتب :
كاتب وباحث إسلامي.. مؤلف كتاب "معادلة التكامل الكبرى" الحائز على المرتبة الأولى عن قسم الأبحاث العلميّة في المؤتمر والمعرض الدولي الأول الذي أقيم في طهران: الفكر الراقي، وكتاب "الخامنئي القائد" الحائز على المرتبة الأولى عن أفضل كتاب في المؤتمر نفسه.

لماذا نحتاج إلى التّواصل الفعّال مع الله؟

الإيمان بالله تعالى هو الذي يضمن لنا التّوجّه إليه. والتوجّه إلى الله هو الذي يمنحنا فرصة الاستفادة من وجودنا في هذا العالم.. لماذا؟

 

لأنّ العالم بكلّ ما فيه من حوادث ومجريات ووقائع يحتاج إلى مستوى من البحث والتأمّل والتفكّر في معالمه، التي تُعدّ آيات ودلائل على شؤون الله وقضاياه.. وما لم نمتلك هذا الإيمان الذي يبعث فينا الاهتمام بالله عزّ وجل، فلن نبحث عن شؤونه. وحين يضعف الإيمان قد ندخل في سُبات الغفلة، فنكون كمن قال الله تعالى عنهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُون}‏.[1]

 

بيد أنّ هذا الإيمان قد ينبعث في القلب، ومع ذلك قد لا يستند إلى قاعدة علميّة ومعرفيّة كافية لتفسير ظواهر الوجود؛ الظّواهر والآيات التي جعلها الله تعالى عنصرًا محوريًّا في رحلة سيرنا نحو الإيمان ومنه إلى اليقين. ولهذا، قد يتعرّض مثل هذا الإيمان إلى هزّات تعصف به وتخرجه من القلب.

 

العلم بالله، ومعرفة الله في غاية خلقه، وفي تدبيره للعالم، وفي حكمته المبثوثة في كلّ شيء، هي التي تسعفنا في الهزاهز والزّلازل، حيث نرتقي في درجات الإيمان بفضل النّجاح في ربط كل ذلك بصفات الله وبما عرفناه عن الله.

 

حسنًا، إنّ هذا السّير المعرفيّ والنّشاط العلميّ مهمٌّ جدًّا؛ لكن إذا اكتفينا به، فإنّنا نبقى في حالة من الانفعال (وكأنّنا ننتظر الغيث ليسقط علينا). فلا بدّ أن نتقدّم خطوةً أخرى، إن كنّا بصدد الحفاظ على إيماننا وتقويته.

 

وقد فتح الله تعالى لنا باب الفعل والإقدام والمبادرة لتحقيق ذلك، من خلال تحرّكٍ خاصّ في الحياة، يقوم على أساس سعينا لتغيير العالم أوّلًا، والاستمداد من قدرة الله للقيام بذلك ثانيًا. ففي هذه الحالة نكون قد ارتقينا درجات (حين مزجنا بين العلم والعمل). وسوف نجد أنّنا بحاجة إلى الأداة الأولى للاستمداد من الله وجعلها وسيلة فاعلة في ذلك، وهذه الوسيلة هي الدّعاء.. وليس غريبًا أن نعلم أنّ الدّعاء هو سلاح الأنبياء الأوّل (كما جاء في الحديث الشّريف)، رغم أنّهم العاملون الفاعلون أصحاب المبادرة في تغيير العالم وإصلاح الأرض.

 

الدّعاء هو الوسيلة الأولى في رحلة التّواصل مع الله؛ وما لم يصبح الدعاء مستجابًا، فإنّ إيماننا سيكون عرضة للاضطرابات والمخاطر.. تصوّر أنّك تدعو الله ولكنّك لا تحصل على الإجابة، خصوصًا إذا كان الأمر ملحًّا جدًّا، هذا رغم أنّك مؤمن به سبحانه!

 

تصوّر أنّك محاصر من قبل الأعداء، وأنت لا تمتلك حيلة ولا وسيلة للنّجاة، ثمّ دعوت الله من أعماق قلبك، وما هي إلّا دقائق حتّى تمّ القبض عليك وأُسرت.. فهل سيبقى حال الدّعاء في قلبك قويًّا؟ أم أنّك ستقضي أيّام الأسر في زنزانتك المعتمة، وأنت تشاهد أعداءك يعذّبونك، ولا تملك ذلك الاندفاع للتوجّه إلى الله وطلب النّجاة منه؟ رغم أنّك مؤمن به! وهل ستكون ساعات الأسر خالية من الرّوحانيّة والشّعور بحضور الله؟ وربما تمر سنوات وأنتَ، أنت، لم تزدد إيمانًا ولا يقينًا!

 

لقد طلبتَ من الله تعالى شيئًا، كان بالنسبة لك مهمًّا جدًّا ومصيريًّا، لأنّك كنت عازمًا على أن تنصر دينه وتنفّذ العديد من المشاريع المفيدة، لكنّك لم تجد الله تعالى عند طلبك ومناجاتك.

 

ما أصعب أن تصل علاقتنا بالله إلى هذا المستوى الذي لا نشعر معه أنّ الله يستجيب لنا!

 

وفي المقابل، ما أروع أن يتعلّق إيماننا بطائر الدّعاء ويحلّق معه في آفاق الوجود! حينها سيتحقّق نوعٌ فريدٌ من التّواصل؛ التّواصل الذي يشعرنا بأنّ الله موجودٌ بقوّة في حياتنا. فاستجابة الدّعاء تشعرنا بأنّ وجود الله تعالى أقوى من كلّ وجود.

 

لكن هذا المستوى من التّواصل يمكن أن يرتقي أيضًا، وبدل أن نكون ممّن يستجيب الله دعاءهم، نصبح ممّن يسمعون دعاء الله لهم ومناجاته إيّاهم. فهذه هي الدّرجة العليا من التّواصل الفعّال بين العبد وربّه؛ وهو أمرٌ لا يحصل إلّا بعد كمال الانقطاع إليه. وفي كمال الانقطاع نعبر مرحلة الانفعال بالكون، ومرحلة الفعل في الكون، إلى مرحلة الانفعال بالله. فتكون قلوبنا محل تجلّي الحقّ المتعال.

 

لقد تعلّمنا في المناجاة الشعبانيّة أن نبدأ تواصلنا مع الله بطلب مقام استجابة الدّعاء، ثمّ الانتقال إلى مقام نكون فيه محل دعوة الله تعالى ومخاطبته. "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك، وأنر ابصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممّن ناديته فأجابك ولاحظته فصُعق لجلالك".

 

أجل، إنّ الإيمان لا يزداد ولا يرسخ في قلوبنا إلّا بشعورنا القويّ بأنّنا على تواصلٍ حقيقيّ مع الله، حيث يتّصل الله بنا ونتّصل به. فهذا ما يحتاج إليه كلّ مؤمنٍ، وإن لم يلتفت إليه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. سورة يوسف، الآية 105.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد